رصدت مجلة الأيكونومست 4 محاولات بذلها السياسيون مؤخرا في الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأور,بي وبريطانيا للتخلص من استقلالية البنوك المركزية بدفعها إلى اتخاذ قرارات تنال رضا السياسيين.
التضخم لم يعد يشغل العالم
ظلت البنوك المركزية تتمتع خلال خمس عقود ماضية باستقلالية سمح بها السياسيون وحرصوا على تفعيلها خوفا من فقدان مصداقيتهم حال اتخاذهم قرارات غير شعبية تستهدف خفض معدلات التضخم لكنها تتسبب في رفع معدلات البطالة.
سعى السياسيون إلى المحافظة على استقلالية البنوك المركزية وعدم نسبة القرارات التي تم اتخاذها خلال السنوات التي تلت الازمة المالية عام 2008 إلى أنفسهم على الرغم من هذه القرارات كانت شعبوية لأنها شملت انقاذ المؤسسات المالية.
وحسب تقرير لموقع ماركتووتش، استقلالية البنوك المركزية لم تعد مطلوبة بداية من عام 2008 لأنها ساعدت في أوقات سابقة – خصوصا في سبعينات القرن الماضي – على تخفيض معدلات التضخم بينما أصبح العالم حاليا يعاني من مشاكل أخرى مثل تزايد المديونية والانكماش والأزمات المالية.
كيف يكون البنك المركزي مستقلا؟
البنك المركزي المستقل يرفض اتخاذ قرارات توزيعية لها قبول شعبي واسع مما يجعل هذه القرارات تدخل في نطاق السياسة المالية المعنية بالإنفاق الحكومي بديلا عن السياسة النقدية المعنية بإدارة أسعار الفائدة وخفض معدلات التضخم.
السياسيون يسعون لنيل رضا الجماهير
أصبح إذعان السياسيين عن طريق السماح بتمتع البنوك بالاستقلالية ضمن التقاليد الراسخة التي تأسست في سبعينات القرن الماضي عندما تسبب انهيار اتفاقية بريتن وودز في رفع مستويات التضخم.
تنازل السياسيون عن هيمنتهم على البنوك المركزية استهدف حماية شعبيتهم من الانهيار حال اتخاذهم قرارات لا تنال رضا الجماهير مثل خفض معدلات التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة.
عندما يقرر السياسيون سحب هذا التنازل ورفض السماح باستقلالية البنوك المركزية فهذا يعني أنهم يريدون الاستحواذ على الشعبية ورضا الجماهير بإعلان أنهم هم المسئولون – لا البنوك المركزية – عن اتخاذ قرارات توزيعية مثل انقاذ المؤسسات المالية أو لعب دور المقرض الأخير أو شراء كميات ضخمة من الأصول العامة أو الخاصة أو تخفيض أسعار الفائدة لتحسين فرص النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل، حسب موقع ماركتووتش.
الشعبوية تهدد استقلالية البنوك المركزية
تمارس الشعبوية والنزعات القومية والقوى الاقتصادية ضغوطا في الوقت الراهن على فكرة استقلالية البنوك المركزية وهو ما يهدد بممارسة السياسيون ضغوطا للتأثير على قرارات البنوك المركزية. وطالب الرئيس الامريكي دونالد ترامب مؤخرا بتخفيض أسعار الفائدة، مهددا بعزل رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي.
السياسيون ينتقدون البنك المركزي البريطاني
وفي بريطانيا، يتشكك مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في كفاءة ودوافع البنك المركزي البريطاني الذي يعارض بشراسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.
وفي تركيا قرر الرئيس رجب طيب اردوغان عزل محافظ البنك المركزي التركي وتعيين نائبه.
ويرى أردوغان ووزير المالية أن خفض أسعار الفائدة ستحسن فرص النمو الاقتصادي في البلاد.
وفي أوربا يدور خلاف عميق بين الدول الأوربية الشمالية المعارضة لسياسة شراء السندات التي استخدمها البنك المركزي الأوربي لإنقاذ الدول الأوربية الجنوبية مما يجعل الدول الأوربية الشمالية تستميت لتنصيب موالين لهم في المناصب العيا التي ستصبح شاغرة في أكتوبر القادم، منها تعيين محافظ للبنك المركزي الأوربي خلفا لماريو دراغي.
ألمانيا أول دولة يستقل بنكها المركزي
حسب موقع إنترناشنال بنكر، ظلت البنوك المركزية غير مستقلة لعقود حتى فرض الأمريكيون على المانيا استقلال بنكها المركزي بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية. وتم تأسيس البنك المركزي الألماني عام 1948 قبل عام من إنشاء دولة المانيا الغربية.
صممت ألمانيا على استقلال البنك المركزي الأوربي أثناء خوض مفاوضات معاهدة ماستريخت حتى أصبحت الاستقلالية ميزة أساسية في البنك المركزي الأوربي الذي تم تأسيسه عام 1998.
السياسيون يحافظون على استقلالية البنوك المركزية خلال أزمة 2008
أثبتت الدراسات تمتع البنوك المركزية المستقلة بالقدرة على جعل الأسعار مستقرة.
ساهمت استقلالية البنوك المركزية في التعامل بشكل جيد مع الأزمة المالية عام 2008 والحيلولة دون تكرار كارثة الركود الكبير خلال ثلاثينات القرن الماضي.وعلى الرغم من أن التدابير التي تم اتخاذها لمعالجة هذه الأزمة شملت تدابير شعبية مثل انقاذ المؤسسات المالية الخاسرة وبالتالي تعزز مكانة السياسيين فقد امتنع السياسيون عن توجيه انتقادات إلى البنوك المركزية تهدر استقلاليتها واحجموا عن نسبة هذه التدابير إلى أنفسهم.
البنوك المركزية «سادة العالم»
حصلت غالبية البنوك المركزية على الاستقلالية وشهد عقد التسعينات تحسن سمعتها بدعم من تراجع الثقة في السياسيين لدرجة أن محافظ البنك المركزي الأمريكي حصل على لقب ” المايسترو” والبنوك المركزية العالمية على لقب ” سادة العالم”. وتم النظر إلى البنوك المركزية بوصفها أكثر قدرة على إدارة الاقتصاد ورفع معدلات التوظيف وتعزيز النمو والمحافظة على الاستقرار المالي وضمان استقرار الأسعار.
ونجحت البنوك المركزية في تخفيض معدلات التضخم عالميا لتصل إلى 4% سنويا في المتوسط خلال العقدين الماضيين.
معدلات التضخم عالميا في المتوسط
تحديات تهدد بخسارة السمعة الجيدة للبنوك المركزية
حسب تقرير انترناشنال بانكر، أصبحت البنوك المركزية مطالبة بتأدية الكثير من المهام. تندرج المحافظة على الاستقرار المالي ضمن أهم مهام هذه البنوك. ولم يعد ضمان استقرار الأسعار كافيا لتحقيق الاستقرار المالي لأن مخاطر جدية قد تهدد الاستقرار المالي حتى عندما تكون معدلات التضخم منخفضة. ويتسبب المناخ المستقر، من ناحية أخرى، في تعزيز الإقبال على المخاطرة مما يعظم هشاشة الأسواق المالية والتسبب بالتالي في انهيار النظام. تتخوف البنوك المركزية لذلك من خسارة سمعتها الجيدة إذا تبين تجاهلها أو استهانتها بتحدي ناتج عن انعدام الاستقرار المالي.
البنك المركزي الأوربي لعب دور سياسي في أزمة 2010
البنوك المركزية ملتزمة بالكثير من المهام، خصوصا البنك المركزي الأوربي المسئول عن 19 دولة، تم تكليف البنك المركزي الأوربي عام 2014 بفرض رقابة مصرفية على دول منطقة اليورو، مما أدى إلى إنشاء الآلية الإشرافية الموحدة التي تتعارض مع مهمته الأساسية المعنية بضمان استقرار الأسعار.
وخلال أزمة عام 2010 تدخل البنك المركزي الأوربي في أسواق السندات الحكومية لمنع صعود أسعار الفائدة بشكل دراماتيكي في بعض البلدان. لكنه أقترب بذلك من انتهاك بند مهم في معاهدة ماستريخت يقضي بحظر تمويل العجز. اعتبر الكثير من المراقبين أن هذا التدخل يعني ممارسة البنك المركزي الأوربي لدور سياسي يتعارض مع استقلاليته ومهمته الأساسية في ضمان استقرار الأسعار.
لماذا تضررت استقلالية البنوك المركزية؟
طبقت البنوك المركزية أدوات لها تبعات توزيعية مباشرة، بينما اتخاذ قرارات من هذا النوع ينبغي أن يكون من اختصاص السياسيين والناخبين.
السبب الثاني لتضرر هذه الاستقلالية اتخاذ قرارات تستهدف التوافق مع السياسات المالية، حيث تؤثر التدابير النقدية واقعيا على السياسة المالية. وكلما تسببت التدابير النقدية في التأثير واقعيا على السياسة المالية كلما تزايد النقد الموجه للبنوك المركزية بعدم الالتزام باستقلاليتها.