طوق عام 2022 سلاسل التوريد العالمية بـ 4 أزمات رئيسية، شملت تداعيات فيروس كورونا، تلاها نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، وامتدادًا للأزمة الأولى إغلاق ميناء «شنغهاى» الصينى خلال شهر أبريل الجارى، والأزمة الأخيرة، ارتفاع تكاليف التشغيل بمختلف القطاعات والمجالات المساعدة لعملية شحن البضائع.
وتوقع عدد من العاملين وخبراء المجتمع الملاحى المصرى، استمرار أزمة التأخير فى توريد المواد الخام، وارتفاع أسعار المنتجات والشحن خلال الفترة المقبلة، خاصة مع القفزة الشديدة لأسعار البترول.
مدير خط إيفرجرين: إغلاق ميناء شنغهاى الصينى سيخلق حالة من الارتباك لدى السفن
فى البداية، قال الدكتور أحمد بدوى، مدير خط إيفرجرين السابق والمحاضر فى معهد تدريب الموانئ، إنه لابد من إيضاح أن عملية التوريد والتصنيع تعتمد على استيراد المكونات من جميع أنحاء العالم، سعيًا وراء الحصول على أفضل سعر، مشيرًا إلى أن أى تأخيرات فى توريد المواد الخام، يؤدى عادة إلى عملية اضطراب، وبالتالى عجز فى توفير طلبات العملاء، واختناقات الأسواق.
وأشار إلى أن ملامح الارتباك الكبير فى سلاسل التوريد العالمية الحالى بسبب الأزمة الروسية، ظهر فى ارتفاع أسعار الشحن وتكلفة التأمين، وتحول الطلب العالمى إلى مناطق آمنة، مرورًا بارتفاع أسعار الغاز والبترول، وارتباط أسعار أصناف من السلع الاستراتيجية ببعضها البعض، مثل الذرة والصويا واللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الألبان والبقوليات.
وتابع: مع اتخاذ الكثير من الدول إجراءات تقييد بعض صادرات السلع، بهدف الحفاظ على المخزون الاستراتيجى، حدثت حالة من نقص فى المعروض، وتبع ذلك تضخم تراكمى بشكل سريع.
وأشار إلى أنه مع ظهور حالات من فيروس كورونا مجددًا فى الصين أدى بدوره إلى غلق ميناء «شنغهاى» إلى أجل غير محدد، ونتج عن ذلك حدوث ضغط على سلاسل الإمداد العالمية، لاسيما أنه من أكثر الموانئ استلامًا وتوريدا للحاويات فى العالم، إذ يتداول من خلاله أكثر من 40 مليون حاوية مكافئة سنويًّا.
ولفت إلى أن ذلك يُشكل خطرًا يهدد النمو الاقتصادى العالمى، فى وقت يحدث به تأخير لشحن البضائع، وارتفاع تكاليف نقلها.
ولفت مدير خطوط إيفرجرين السابق، إلى أن تأخر عمليات سلاسل الإمداد العالمية بدأت منذ عامين، ومازال تأثيرها مستمرًا حتى الآن، والسبب الرئيسى فى التأخير هو نتيجة سحب معظم الواردات من الحاويات على مستوى العالم وخاصة «أمريكا»، إذ شهدت السوق العالمية عجزًا شديدًا فى توفير الحاويات الفارغة، وعدم وجود فراغات على ناقلات البضائع، ومن ثم أسعار الشحن البحرى رغم انخفاضها النسبى خلال الشهر الماضى، فإنها تعد مرتفعة بنسبة %300 مقارنة بتسعيرة ما قبل أزمة كورونا.
وتوقع مدير خطوط إيفرجرين السابق، صعوبة التنبؤ بتعافى سلاسل الإمداد والتوريد أو إمكانية حلها نهائيًّا فى الوقت الحالى، لافتًا إلى أن ذلك يتوقف على التحسن فى الأسباب المؤدية لهذا الاضطراب، أهمها جائحة كورونا وتداعياتها المستمرة، والحرب الروسية الأوكرانية التي لم يُعرف موعد انتهائها.
العامرية للمخازن: فوضى المنظومة ستظل مستمرة حتى تتشبع الأسواق الغربية بالبضائع.. وكيانات مصرية ستخرج من دائرة المنافسة قريبا
من جانبه، أوضح عماد مدكور، المدير العام لشركة العامرية للمخازن الجمركية، أن تفاقم أزمة سلاسل التوريد بدأت مع قيام أوروبا وأمريكا نقل مصانعهم إلى الصين وشرق آسيا، توفيرًا للتكاليف والضرائب.
وتابع: عند ظهور كورونا أغلقت الصين المناطق الصناعية للسيطرة على الوباء، وعادت لفتح الموانئ والمصانع، لكن فى ذلك الوقت كانت الدول الغربية اتخذت إجراءات الإغلاق، مما أحدث ارتباكًا كبيرًا فى السوق العالمية.
وذكر أنه بعد سيطرة الدول الأوروبية على الحائجة، وبالتزامن مع عودة العمل فى عدد كبير من دول العالم، لم تكن سلاسل الإمداد قادرة أو سريعة بما يكفى لتوصيل المنتجات للمستهلكين، موضحًا أن السفن اصطفت خارج المحطات البحرية، وكانت تظل فى انتظار تفريغ البضائع، وقت تزامن معه زيادة فى أسعار النفط.
وتوقع «مدكور» استمرار الفوضى فى سلاسل الإمداد حتى تتشبع الأسواق الغربية بالبضائع، مشيرًا إلى أن تلك الأزمة تلقى بالطبع بظلالها على السوق المصرية، إذ يتوقع خروج عدد من شركات الاستيراد المتوسطة والصغيرة من دائرة المنافسة فى السوق المحلية، لاسيما بسبب بعض القرارات التى صدرت مؤخرًا.
وأكد محمود قطب، مدير المبيعات بشركة إيجيترانس للخدمات اللوجستية، أنه على مدار العامين الماضيين واجهت سلاسل الإمداد عددًا من التحديات بداية من (كوفيد- 19) مرورًا بالحرب الروسية، وارتفاع أسعار الشحن، مرورًا بإغلاق أكبر ميناء بحرى فى الصين.
وأشار إلى أن هذه الشدائد سيكون لها تأثير كبير فى توصيل البضائع للعملاء فى مواعيدها، فضلًا أنه يتوقع حدوث زيادة فى فترات انتظار تفريغ السفن.
وأوضح مدير المبيعات بشركة إيجيترانس، أن عمل شركات الشحن فى مصر تأثر مؤخرًا بعدة عوامل، أهمها قلة الحاويات بسبب تداعيات كورونا، والقرارات المتعلقة بتطبيق منظومة الجمارك، والتى استمرت لوقت مع العملاء المستوردين حتى استيعابها، ثم التحول للاعتماد المستندى، بجانب الأزمة التى مازالت مستمرة بين روسيا وأوكرانيا، ووقف الخطوط الملاحية لخدماتها بدول البحر الأسود.
وتوقع «قطب» استمرار ارتفاع أسعار نوالين الشحن فى الفترة المقبلة، ومن ثم ارتباك أكبر فى سلسلة الإمداد، وتأخر فى وصول البضائع فى مواعيدها.
مسئول بتوكيل أركاس إيجيبت: هناك ضبابية فى المشهد نتيجة استمرار نزاع دول البحر الأسود
فى سياق متصل، قال أسامة البحراوى، مدير قسم الموارد فرع بورسعيد بتوكيل أركاس إيجيبت، إن أزمة سلاسل الإمداد بدأت مع جائحة كورونا التى أدت إلى شلل تام فى كل القطاعات الصناعية والتجارية.
وتابع: حدث بعد التعافى ارتفاع شديد فى نوالين الشحن، تلاها ظهور أزمة الطاقة فى الصين، مما جعل أسعار سعر البترول والغاز الطبيعى تحلق فى السماء بعد عمليات الغزو الروسية.
وأضاف «البحراوى»، أن ندرة الحاويات وثبات عدد وسائل النقل البحرى وزيادة الطلب ضاعف من حالة الارتباك فى سلاسل الإمداد، وبإغلاق ميناء شنغهاى الصينى سيزيد من تفاقم أزمة سلاسل الإمداد، خاصة أن الناتج المحلى لـ«شنغهاى» يمثل أكثر من %25 من إنتاج موانئ الصين مجتمعة.
ويرى البحراوى، أن المشهد يتسم بالضبابية فى ظل استمرار الحرب «الروسية – الأوكرانية»، وارتفاع أسعار الشحن، مشيرًا إلى أن هناك جانبًا مشرقًا ويتمثل فى أن تكون تلك الأزمات فرصة كبيرة لاكتشاف أسواق جديدة، والتعاقد مع موردين جدد.
واتفق محمد صلاح، خبير النقل وسلاسل الإمداد مع سابقيه، فى أن المنظومة تواجه تحديات عديدة، وتتضاعف الصعوبات أعقاب الحرب الروسية، إذ تعانى عدة مصانع فى أنحاء أوروبا فى الوقت الحالى من تعطل نتيجة عدم توريد المكونات الأولية من المعادن الضرورية، خاصة المتعلقة بقطاع السيارات.
وأضاف «صلاح» أنه لم تكن سلاسل التوريد إلى أوروبا المتضرر الوحيد، بل طال العديد من الدول فى الشرق الأوسط وأفريقيا، والتى تعتمد أيضًا على القمح والذرة.
وأوضح خبير النقل وسلاسل الإمداد، أن توقف حركة الشحن فى ميناء شنغهاى زاد من تفاقم أزمة سلاسل الإمداد مؤخرًا، وسيؤدى إلى أرجاء وصول البضائع، وبالتالى تأخر تسليمها.
وتوقع حدوث ارتفاع لمعدلات التضخم، وزيادة الأسعار فى ظل نقص المعروض من بعض المنتجات، مطالبًا الشركات باستخدام التكنولوجيا الحديثة فى تحليل السوق والتنبؤ بالأزمات والتعامل معها، بالتوازى مع تطبيق المرونة فى التعامل مع المتغيرات، وتنويع مصادر الاستيراد بدلًا من الاعتماد على عدد محدد من الموردين فى دول بعينها.
وفى السياق نفسه، كشف محمد عبدالمحسن، رئيس لجنة الاستيراد والجمارك بجمعية رجال الأعمال بالإسكندرية، أن الفترة الراهنة تمر بها سلاسل الإمداد بأسوأ مراحلها خلال الـ40 سنة الماضية.
وأضاف أن المدخلات المستوردة للصناعة فى مصر تمثل فى المتوسط 40 – %60 من قيمة المنتج النهائى، بينما فى الزراعة تمثل من 5 – %15، وهذه المكونات هامة جدًّا، خاصة أنها تتعلق بالتقاوى والمبيدات والأسمدة.
وأكد أن السوق المصرية تواجه عدة متغيرات مؤثرة على حركة الإمداد منذ أن بدأت الجائحة، والتى أدت إلى إغلاق قصرى للأسواق فى العالم بشكل شبه كامل، وبحلول 2022 لم تتمكن سلاسل الإمداد من مواجهة الطلب، وبالطبع نتج عن ذلك ندرة المدخلات اللازمة للإنتاج بأنواعها.
وأوضح أن الأزمة الصينية الأخيرة، أدت إلى زيادة اضطرابات فى سلاسل الإمداد، وتوقفت العديد من المصانع، وفى نفس الوقت إلزام المستوردين بتنفيذ قرار الاعتماد المستندى، مشيرًا إلى أنه حتى يتم إعادة الشحن وفقًا للنظام الجديد فيجب أن يتسلم المورد الاعتماد المستندى ثم يعمل على إيجاد فراغات جديدة بوسائل الشحن، بديلًا عن التى تم إلغاؤها بعد صدور القرار.
وأكد على أن الحرب الروسية الأوكرانية أدّت الى صعوبة استيراد البضائع من دول البحر الأسود، ومن ثم وارتفعت العديد من السلع نتيجة الاعتماد على أسواق بديلة، وفى نفس الوقت صعدت فى أسعار برميل البترول إلى 130 دولارًا لأول مرة منذ سنوات.