مشروع المليون ونصف المليون فدان يعد من أهم المشروعات القومية التى روج لها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ بداية حكمه لمصر فى 30 يونيو 2014 حتى الآن، إلا أنه يواجه مخاطر عالية بعد إصرار الحكومة على توصيل أعمال البنية التحتية، الآبار، لأراضيه بديلاً عن المستثمرين.
وأعلنت وزارة الإسكان منذ شهور أنها وقعت بروتوكول تعاون مع شركة صينية لوضع دراسات الجدوى الاقتصادية لـ”مشروع المليون ونصف المليون فدان” وتنفيذ أعمال البنية التحتية، وهو ما رفضته شركات سعودية وقتها وأكدت أن الخبرات الصينية فى هذا المجال ضعيفة.
شركات عرضت الأزمة على وزير الاستثمار.. والأخير يعد بالدراسة
وعلمت “المال” أن عددا من المستثمرين رفعوا مذكرة رسمية لجميع الجهات المسئولة عن المشروع، بما فيها وزارة الاستثمار تحذر فيها من خطورة هذا الإجراء، لأسباب فنية وتمويلية، وقالت مصادر سعودية لـ”المال” إن الوزير التقى منذ أيام بعض الشركات التى أبدت رغبة فى الإسمتثار فى المشروع وتم عرض الأزمة وفى انتظار الرد.
وأكدت المصادر أن مذكرات التفاهم التى وقعت بين الجهات الحكومية مع 23 مستثمرا مصريا وخليجيا مهددة بالفشل لرفض المستثمرين تسلم الأراضى مرفقة بالآبار قائلة: “مش عايزين الأرض لو الحكومة هتوصل المرافق وتم إبلاغ وزير الإسكان بهذا الأمر منذ شهور ولم يتحرك شيء رغم وعده بحسم الأمر”.
وقال مصطفى مدبولى لـ “المال” فى وقت سابق إن هيئة المجتمعات العمرانية ستضخ 5 مليارات جنيه فى الشركتين اللتين ستنفذان مشروع المليون ونصف المليون فدان ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة.
وأعلن مجلس الوزراء فى وقت سابق عن تأسيس شركة إدارة لتنفيذ مشروع الاستصلاح الزراعى الذى سيقام بنظام المناطق الاستثمارية.
وقال علاء عمر الرئيس التنفيذى للهيئة العامة للاستثمار لـ”المال” إنه سيتم تشكيل مجلس إدارة للمنطقة الاستثمارية يتولى إنهاء التراخيص اللازمة للمشروعات القائمة داخلها وبالتالى سيتم القضاء على البيروقراطية.
وحصلت “المال” على المذكرة التى تقدمت بها إحدى الشركات للحكومة تتضمن الأسباب التى تجعل المستثمر الجاد يرفض أن تقوم الدولة أو من تنوبه أو أى طرف لا يستطيع المستثمر التحكم فيه بحفر الآبار لمشروعه الزراعى. وساقت الوثيقة التى حصلت عليها “المال” مجموعة من الأسباب الفنية والتمويلية والعملية.
الأسباب الفنية
وتضمنت المذكرة 7 أسباب فنية لرفض توصيل الآبار، وتقول الدراسة إنه قبل البدء بحفر الآبار على أى مستثمر أن يقوم بواسطة جهات بحثية متخصصة محايدة، لا تتبع أى دولة، بعمل دراسات تفصيلية للمياه الجوفية لمعرفة عمق الخزان الجوفى والحدود الآمنة للسحب وعمر الخزان وسرعة تجدد المياه به، وذلك لكل قطاعات الأرض المطلوب استزراعها على أن يتم ذلك بالتوازى مع دراسة تفصيلية للتربة.
وأوضحت المذكرة أن الهدف من الدراسة التفصيلية هو اختيار أنسب الأماكن فى المساحة المخصصة للزراعة لأنه ليس بالضرورة أن تكون كاملة المساحة وإن تواجدت بها مياه كافية، صالحة للزراعة من حيث ملاءمة التربة، فمثلاً من الممكن أن تكون هناك مساحات بها صخور أو تربة طفلية لا تصلح معها الزراعة.
ووفقاً للمذكرة فإن السبب الثالث يتضمن “عمل دراسة تفصيلية لطبوغرافيا المنطقة لتحديد المناسيب المختلفة فى قطاعات الأرض واستبعاد الأجزاء التى يصعب تسويتها لارتفاع تكاليف ذلك أو تأجيلها لمراحل تنفيذ متقدمة”.
بعد إتمام جميع الدراسات يتم بناء المخطط العام وتصميم شبكة الآبار
وتقول المذكرة: بعد إتمام جميع الدراسات يتم بناء المخطط العام وتصميم شبكة الآبار بتحديد أنسب المواقع والأعماق وشبكة الرى من حيث أطوال أذرع الرى المحورى، فعلى سبيل المثال بعض أجهزة الرى المحورى تغطى 60 فدانا وبعضها 150، وكل ذلك يتوقف على نتائج الدراسات وبالتالى قدرات طلمبات الرفع من الأعماق بما يؤثر على تصميم شبكة الكهرباء المغذية لها وأجهزة الرى المحورى طبقاً لقدرات تلك الأجهزة، على أن يتم الأخذ فى الاعتبار كل البيانات السابقة بواسطة برامج محاكاة على الحواسب الآلية “simulation”، بواسطة شركات متخصصة آخذين فى الاعتبار الاحتياجات المائية للنباتات المقرر زراعتها ودرجات الحرارة على مدار السنة ومعدلات البخر ونسبة ملوحة المياه والتربة وعوامل أخرى.
وذكرت المذكرة أنه فى أنظمة الزراعة الحديثة “عالية الميكنة والإنتاجية”، يعتبر كل ما سبق جزءاً لا يتجزأ من اختيار المعدات الزراعية بقدراتها المختلفة بما يضمن الكفاءة فى التشغيل وتقليل النفقات الاستثمارية، فمثلاً مساحة الرى المحورى 60 فدانا لها معدات تختلف عن مثلها بالرى المحورى لـ 150 فدانا من حيث أطوال أذرع غرس البذور والرش والحصاد وبالتالى سيؤثر ذلك على قدرات الجرارات الزراعية المطلوبة لتحريك تلك المعدات.
وأشارت إلى أن الأنشطة الزراعية من مشروع لآخر تختلف حسب تخصص المستثمر وما ستتم زراعته وبالتالى تختلف الاحتياجات المائية وعدد الآبار وأقطارها وأعماقها والقدرات الكهربائية اللازمة لتشغيلها.
وأضافت المذكرة: الفاكهة تعتمد على الرى بالتنقيط أو الرش ولها احتياجات مائية تختلف عن المحاصيل مثل القمح والذرة، فكيف ستقوم الدولة بعمل تلك الحسابات نيابة عن المستثمر ؟ وماذا لو حسابتها غير سليمة؟.
وأشارت إلى أن محصولى السكر والأرز يستهلكان 40% من مياه الزراعة التى تستحوذ على 90% من إجمالى الواردة لمصر.
أسباب عملياتية
وتضمنت المذكرة 3 أسباب “عملياتية”، وفقاً لتعبيرها، توضح أسباب رفض قيام الدولة أو من ينوب عنها بتوصيل الآبار أولها عندما يتعاقد أى مستثمر مع شركات حفر الآبار فإنه لضمان سرعة وكفاءة التنفيذ يسلم لتلك الشركات مواصفات فنية ومواقع الحفر وكما أن المستثمر لا يقوم بصرف مستحقات شركات المقاولات المتبقية إلا بعد اختبار الآبار بواسطة استشارية أخرى مستقلة عن مقاولى الحفر فإذا كانت هناك عيوب يتم إلزام المقاول بإصلاحها.
ولا يقتصر الأمر على ذلك إذ أكدت الدراسة أنه يتم أخذ ضمانات مالية من المقاول لفترة معينة وذلك للرجوع إليه مالياً ودون اجراءات قضائية حال حدوث انهيار للبئر التى حفرت وهى أمور واردة وتحدث كثيراً.
وتقول المذكرة: “الخطورة هنا تكمن فى أن النبات كائن حى فاذا انهارت البئر لعيوب فى الحفر أو العزل أو المرشحات فإن النبات عادة ما يموت إلى أن يتم اصلاحها وهو ما يمثل خسارة مالية كبيرة”.
وأشارت المذكرة إلى أن الدولة تقوم بحفر الآبار أو تكون مسئولة عن ذلك فلن يتمكن المستثمر بشكل عملى من الرجوع لها أو مقاوليها لأنها دائماً تمتلك اليد العليا ولن تقدم أو مقاولوها ضمانات مالية قابلة للصرف، وإن تم تقديمها ستخضع لرأى جهات فنية ستعرقل بالضرورة صرف التعويضات وفى كل الأحوال سيكون النبات المزروع قد مات مما يؤثر على دورة رأس المال العامل لدى المستثمر، فضلاً عن إخلاله بتعاقداته مما يترتب عليه غرامات مالية وخسارة سوق وتعرض سمعته للضرر.
وقال مسئول بإحدى الشركات الخليجية، إن شركته تتخوف من الدخول فى منازعة مع الحكومة تستغرق وقتاً طويلاُ، لافتاً إلى أن تقرير ممارسة الأعمال، الذى نشرته صحيفتكم من قبل أوضح أن تسوية المنازعات قد تستغرق 1000 يوم.
يرتبط برنامج الزراعة بجاهزية البنية التحتية المطلوبة
وأفادت المذكرة أن المشاريع الزراعية الكبيرة تكون لها خطة تنفيذ وبرامج عمل مرتبطة بتوقيتات محددة لزراعة المحاصيل فى مواعيدها ويرتبط برنامج الزراعة بجاهزية البنية التحتية المطلوبة وبسبب تعدد مكونات تلك البنية من طرق وتسوية للتربة وآبار وطلمبات وأعماق وشبكة كهرباء وأجهزة شبكات رى فإن إدارة سلسلة التوريد تكون لها أهمية قصوى لذلك فإن تأخر توريد أى مكون عن الموعد المحدد له وبالمواصفات المطلوبة ينتج عنه عدم إمكانية الزراعة وبالتالى ضياع فرصة محصول كامل فإذا كان جزءاً مهماً من تلك المكونات، مثل حفر الآبار، ليس تحت سيطرة وإدارة المستثمر فإن معامل الخطورة يكون عالياً وتترتب عليه مخاطر عالية لا يمكن التحوط منها.
وتضمن الأسباب المعلوماتية أيضا النص أنه باختلاف نوعية المياه ودرجة حرارتها تختلف طريقة التصرف فيها للرى، فبعض المناطق فى الصحراء الغربية تكون نسبة الحديد أو الكبريت فيها مرتفعة وتحتاج إلى أحواض ترسيب للتخلص من تلك العناصر، وبعض الأماكن الأخرى تكون حرارة مياه آبارها مرتفعة مما يتطلب خفضها فى أحواض قبل الاستخدام وهى لاغنى عنها لمعالجة تلك المشاكل وبالتالى فإن المستثمر عليه فقط، أن يحدد أنسب الوسائل للتعامل مع تلك التحديات.
“قد يواجه المستثمر بعجز فى أجهزة الحفر داخل البلاد مما قد يعطله عن تنفيذ مشروعه بالمعدلات المرجوة، ومن المعروف أن القطاع الخاص أكثر مرونة من الدولة، وبالتالى فمن المؤكد أن المستثمر الخاص سيقوم بالتعاقد مع شركات أجنبية تمتلك معدات حفر على أعلى مستوى بما يضمن سرعة وجودة التنفيذ”، كما تشير المذكرة.
وأضافت أن الدولة ملتزمة بالقوانين المنظمة لعملها مثل قانون المناقصات والمزايدات وانتظار قرارات تشكيل لجان فنية ومالية ثم وضع شروط فنية والإعلان عن مناقصة عامة وتأجيلها أكثر من مرة ثم فحص العروض المالية ثم انتظار خطابات الضمان ثم فتح اعتمادات مستندية (إن توفر لها العملة الصعبة)، ما إلى ذلك وهو ما يستغرق وقتاً ومن المؤكد أن المستثمر لن ينتظرها وسيصفى مشروعه ويغادر البلاد.
الأسباب التمويلية
ورصدت المذكرة مجموعة من الأسباب التمويلية تؤكد خلالها ضرورة عدول الحكومة عن تنفيذ الآبار ومن بينها أن “أن الموازنة العامة للدولة تعانى ومنذ فترة طويلة عجزا كبيرا، متسائلة هل من المنطقى أن تمول الدولة وفى ظل ذلك العجز استثمارات يستطيع القطاع الخاص القيام بها بل يصر على ذلك.
ونصحت الحكومة بأن توجه استثمارات الآبار لقطاعات لا يستطيع القطاع الخاص تمويلها مثل التعليم والمياه والصرف الصحى والكهرباء والطرق، أما أى مجال يستطيع القطاع الخاص تمويله فيجب أن يترك له مع تحفيزه لتمويل المشروعات الأخرى غير الجاذبة له فى الوقت الراهن.
وقالت الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولى إن الحكومة تتفاوض مع البنك الدولى لاقتراض 500 مليون دولار لتمويل المشروع القومى للاستصلاح الزراعى وإنشاء مجتمعات عمرانية.
وكان وزير الإسكان مصطفى مدبولى قد قال لـ”المال” فى وقت سابق إن الاحتياجات التمويلية من العملة الصعبة لـ”مشروع المليون ونصف المليون فدان”، تتراوح ما بين 2 و3 مليارات دولار.
وتقول الدراسة إن قيام الدولة بتنفيذ الآبار كما هو مطروح حالياً سوف يحرم القطاع الخاص الزراعى بأكمله من إمكانية الحصول على التمويل اللازم لمشروعاته وبالتالى يقتل المشروع منذ البداية.
وتستند المذكرة إلى أن المشروعات الزراعية القائمة على المياه الجوفية للرى مرتفعة المخاطرة وبالتالى تتطب مجهودات عالية من القطاع الخاص لإقناعه بالتمويل من خلال دراسات جدوى اقتصادية تؤكد جديته وجدارته الائتمانية.
وتؤكد أن القطاع التمويلى يعين شركة تكون مهمتها متابعة التنفيذ والرقابة على آليات اختيار الموردين ومؤدى الخدمات من مقاولين وخلافه ويكون صرف التمويل على مراحل تطابق برنامج التنفيذ وبالتالى السداد للموردين والمقاولين.
وأكدت المذكرة أن القطاع الخاص من المستحيل أن يتمكن من استعراض العروض المختلفة من مقاولى وشركات حفر الآبار واختيار أنسبها فنياً وماليا، وكذلك ضمان أن أموال التمويل تذهب فى الاتجاه الصحيح وليس لتمويل مقاولين بعينهم بصرف النظر عن التكلفة والجدارة وطبقاً لآليات لم تكن معلنة أو للمستثمر رأى فيها.
حفر الدولة للآبار سيُحرم الشركات السعودية من الحصول على 2 مليار دولار
ولفتت المصادر إلى أن شركات سعودية لديها تسهيلات ائتمانية تتجاوز الـ 2 مليار دولار من المملكة العربية السعودية لشراء المعدات اللازمة لاستصلاح المشاريع الزراعية خارجها، لافتة إلى أن اتجاه الدولة لحفر الآبار سيحرمها من الحصول على هذا التمويل.
وأضافت المذكرة الرافضة لقيام الدولة بإنشاء الآبار: يستحيل توفير آلية لضمان جودة الآبار وفى حال وجود عيوب الرجوع للمقاولين فيما يسمى تحديد المخاطر، مشيرة إلى أنه إذا كان جزءاً حيوياً من المشروع وهو الحفر بالمواصفات وبالمعدلات المطلوبة خارج سيطرة المستثمر فإن القطاع التمويلى سوف يرفض حتماً المساهمة فى تلك المشروعات نظراً لأن ذلك سينعكس سلباً على معدلات تنفيذ المشروع ككل وبالتالى على تدفقاته المالية وهو ما سينتج عنه تأخر أو عدم استطاعة المستثمر سداد حقوق القطاع التمويلى من أقساط وفوائدها طبقاً للبرنامج الزمنى المعلن.