تشهد السوق العقارية، فى الفترة الأخيرة، طرح عدة مقترحات لمساندة عمل شركات التطوير وتعزيز قدرتهم على جذب عملاء جدد لتنشيط المبيعات.
طالب محمد فؤاد، الخبير العقاري وعضو جمعية رجال الأعمال المصرية البريطانية، بضروره الإسراع في تأسيس ما يعرف بالـRERA، وهي اختصار لـReal Estate Regulatory Authority، وهي هيئة التنظيم العقاري، والتي تم تأسيسها في عدد من الدول، وعلى رأسها الإمارات والهند؛ بهدف وضع إطار قانوني وتشريعي صارم ومنظم للتعاملات العقارية.خبراء يطرحون حزمة مقترحات لتيسير ودعم شركات التطوير العقاري
وأشار فؤاد إلى أن هذه الهيئة تقوم بدور رقابي وتشريعي فاعل، يُعنى بحماية حقوق المشترين والمستثمرين والمطورين على حد سواء، عبر إصدار التراخيص، وضبط السوق، وضمان الشفافية، ومتابعة تنفيذ المشاريع طبقًا للجداول الزمنية والميزانيات المعلنة.
وأوضح فؤاد أن وجود كيان تنظيمي مستقل مثل RERA يُعد ضرورة إستراتيجية في أي سوق عقارية متنامية، خاصة في الدول التي تشهد طفرات عمرانية واستثمارية كبيرة مثل مصر.
تنظيم السوق
وأضاف فؤاد أن الهيئات التنظيمية تلعب دورًا حيويًّا في الحد من العشوائية والتضارب والتلاعب، وتوفر بيئة آمنة للاستثمار العقاري المحلي والأجنبي، كما تسهم في ضبط العلاقة بين الأطراف الثلاثة: الدولة، والمطور، والمشتري.
وذكر أن السوق المصرية في أمسّ الحاجة، الآن، إلى كيان حاكم ومنظم مثل RERA”، وذكر أن المرحلة الحالية تشهد حالة من تداخل الأدوار بين الجهات المعنية، مع غياب واضح لمرجعية موحدة في تنظيم العلاقة بين المطور والمشتري، وهو ما أفرز العديد من التحديات؛ أبرزها تأخر التسليمات، والاختلافات التعاقدية، ومشكلات السداد.
ولفت فؤاد الانتباه إلى أن وجود RERA مصرية سيُمكن الدولة من تصنيف المطورين وفق جداول مالية وهندسية مدققة، وكذلك فرض ضوابط للإعلانات التسويقية، وضبط الجداول الزمنية للمشروعات، بالاضافة إلى حماية حقوق المشترين من المشروعات الوهمية أو المتعثرة، وأخيرًا تشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال سوق منظمة وواضحة المعايير.
وألمح فؤاد إلى أن الإمارات تمثل النموذج الأبرز في تفعيل منظومة RERA، ولا سيّما في دبي، حيث أسهمت في بناء سوق عقارية تتمتع بأعلى درجات الثقة الدولية، مما جعل من المدينة مركزًا عالميًّا للاستثمار العقاري، كما لفت إلى التجربة الهندية التي قلّلت النزاعات القانونية بنسبة تجاوزت 60% خلال السنوات الأولى من تطبيق RERA هناك.
وإستكمل فؤاد أن غياب هيئة تنظيم عقاري مستقلة يُبقي السوق المصرية عُرضة للفوضى والمخاطر، كما يُضعف القدرة على جذب استثمارات دولارية جديدة، ويخلق بيئة من التردد وعدم الثقة لدى المشترين، خاصة من المصريين بالخارج الذين يبحثون عن مرجعية واضحة تحمي حقوقهم.
واقترح فؤاد أن يتم تشكيل هيئة مستقلة خاضعة لرئاسة مجلس الوزراء أو وزارة الإسكان، تتعاون مع البنك المركزي وهيئة الرقابة المالية، على أن تُمنح صلاحيات رقابية وقانونية موسّعة، وتشمل أقسامًا للترخيص، والمتابعة، والتقييم، والتحكيم العقاري،
هذا بجانب ضرورة اعتماد منصّة إلكترونية موحدة تضم كل المشاريع العقارية المعتمدة، وتوضح موقفها التنفيذي، وبيانات المطور، ومعلومات التراخيص والتعاقدات، وتتيح التقديم والشراء الإلكتروني، بما يواكب التحول الرقمي الذي تتبناه الدولة.
واختتم محمد فؤاد تصريحه مؤكدًا أن تأسيس هيئة تنظيم عقاري (RERA مصرية) لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة وطنية لضمان الاستدامة، الشفافية، والعدالة في السوق، ولتحقيق طموحات الدولة في تصدير العقار وجذب العملة الصعبة من خلال سوق منضبط يحمي حقوق الجميع، ويؤسس لبيئة استثمارية عالمية المستوى.
الإسكان متوسط الدخل المعادلة الغائبة
قال الدكتور محمد راشد، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري، إن ملف الإسكان المتوسط في مصر يعاني أزمة معقدة تتمثل في اختلال العلاقة بين قدرة المواطنين الشرائية وتكلفة تنفيذ الوحدات، مشيرًا إلى أن أغلب المطورين باتوا عاجزين عن تقديم منتج متوسط حقيقي يلبّي احتياجات الشريحة الكبرى من المواطنين دون تكبد خسائر.
وأوضح راشد أن تضاعف أسعار الأراضي، وارتفاع تكلفة التمويل، وزيادة أسعار مواد البناء، وضغوط التشغيل، كلها عوامل أدت إلى فجوة تمويلية كبيرة بين سعر بيع الوحدة وسعر تكلفة تنفيذها، ما دفع كثيرًا من المطورين إلى التركيز على الشريحة الأعلى، وترك فئة الطبقة المتوسطة بلا حلول فعالة.
وأشار إلى أن هذه الفئة - التي تشكل العمود الفقري لأي مجتمع منتج - لا تملك القدرة على الشراء النقدي، ولا تنطبق عليها شروط الإسكان الاجتماعي، ولا تجد تمويلًا ميسرًا لشراء وحدات مناسبة، وهو ما يهدد بتفريغ السوق من الطلب الحقيقي.
تدخل الدولة
وقال جون سعد، خبير الاستثمار العقاري، إن حل مشاكل القطاع العقاري يكمن في تدخل الدولة بشكل ذكي لخفض تكلفة الأرض أو تقديم نظم شراكة مرنة، بالإضافة إلى تمكين البنوك من طرح قروض طويلة الأجل بفوائد ميسرة، وتوفير ضمانات حكومية لتمويل مشروعات الإسكان المتوسط، بما يُحفز الشركات على الدخول في هذا القطاع.
كما أضاف أن دعم هذا النوع من الإسكان يجب ألا يُنظر إليه كمجرد سياسة إسكان، بل كأداة إستراتيجية لدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مؤكدًا أن المجتمعات المتوسطة القوية هي التي تخلق سوقًا عقارية صحية ومستقرة.
واختتم الدكتور محمد راشد تصريحه بتأكيد أن مستقبل الاستدامة في السوق العقارية لا يقوم على الفيلات الفاخرة فقط، بل على وجود قاعدة عريضة من الوحدات المتوسطة التي تمثل رئة السوق ووقودها في آن واحد.