لا تمثل المقدمات السياسية السابقة للعام 1981، المحورى فى تاريخ مصر المعاصر، ولا الأحداث الدراماتيكية التى ذخرت بها تطورات وقائعه، مجرد توقيت لانتقال السلطة فى مصر فحسب من رئيس عرك السياسة مبكرًا إلى آخر يحبو فيها سنواته الأولى، بقدر ما مثلت مسألة الخلافة آنذاك تأثيرًا ممتدًّا لعقود تالية على مستقبل الأوضاع المصرية الداخلية وعلاقاتها العربية والدولية، إذ ما إن صادق الرئيس السادات على معاهدة السلام مع إسرائيل نهاية مارس 1979 فى واشنطن، آملًا أن يتحقق من ورائها الرخاء والديمقراطية إلى «تحديث القرية» فى مصر، إلا وأدارت له القوى المحلية والعربية.. والدولية، ظهرها، وكأن الدور التراجيدى المكلف به قد نفدت أغراضه، حيث أنهكته «عصبيا» سياسات كل من الولايات المتحدة وإسرائيل- ووسائل إعلامهما- فيما يخص متابعة تنفيذ الإطار الثانى لاتفاقيات كامب ديفيد، خاصة مع توارى الرئيس «كارتر» عن الساحة السياسية نوفمبر 1980، كما شنت عليه جبهة الرفض العربية- للسلام- فضلاً عن تجميد عضوية مصر فى الجامعة العربية، حملات إعلامية شعواء.. كان من الطبيعى له مع تضخم الذات جراء «المديح الذى يقتل» عقب مبادرته السلمية 1977.. أن يسهل استدراجه للقيام بحملة حادة مضادة ضد زعماء عرب وهوياتهم الشخصية والقومية، قطعت الطريق مبكرًا عن احتمالات ضم أطراف عربية إضافية إلى عملية السلام، ذلك بالتوازى مع مجاهرة المعارضة المصرية، الإسلامية واليسارية، بعدائها السافر الذى وارته من باب «التقية» السياسية لحين انتهاء إجراءات معاهدة السلام، لتشن عليه أقذع ما لم يسبق توجيهه لحاكم مصرى من قبل، وبحيث تتجمع كل هذه الخيوط كى تشير إلى مخاطر قد تصيب مستقبل عملية السلام، بعد استكمال إسرائيل انسحابها عن سيناء أبريل 1981، ما دفع الرئيس -إزاء احتمالات تلكؤها- إلى اعتقال عشرات المئات من الرموز المعارضة من ناحية، وإلى أن يتوقع مراقبون دوليون احتمالية عودة مصر بعد تحرير كامل الأرض إلى سابق سياستها نحو كتلة «عدم الانحياز»، ما أدى إلى أن يتكالب على «الرئيس» كل من الأصدقاء (الظرفيين) والخصوم (التاريخيين) بسيان، ما أثار إلحاح الميديا العالمية على استكشاف مستقبل «الخلافة» فى مصر.. لو حدث للرئيس السادات مكروه، ليس غير مستبعد.
فى هذا السياق، يتزاحم المراسلون الأجانب على القاهرة.. يتساءلون عن احتمالات “الخلافة” بعد «السادات»، ويلتقون بشخصيات من أهل الحكم والمعارضة.. ورجل الشارع، لعلهم يتلقون إجابات تتصل بمستقبل السلام (البارد) مع إسرائيل، وعن مواصلة مصر من عدمه للتحول الاستراتيجى مع الولايات المتحدة منذ منتصف السبعينيات، ذلك إلى أن فوجئت الدوائر السياسية والإعلامية، المحلية والخارجية، بما نشرته الجريدة الإسرائيلية «جيروزاليم بوست» الناطقة بالإنجليزية، لمحررها عن الشئون العربية، بمقالات لثلاثة أيام متتالية من منتصف يناير 1981، تتناول مسألة الخلافة فى مصر، من زاوية وجود صراع متكتم على السلطة بين الرئيس ونائبه، ورجالاتهما (..) فى مواقع السلطة، الأمر الذى اعتبره «السادات» مقصوداً به، وليجرى تعديل وزارى محدود للغاية، أبرزها تولى «منصور حسن» لشئون الرئاسة مع تقليده كامل صلاحيات «النائب».. التى عادت إليه بعد ثلاثة أشهر، وفق نفس رقم وتاريخ القرار الجمهورى الخاص بـ«منصور» (76 لعام 1981)، وكأنه لم يكن، فضلاً عن تولية «مبارك» لأول مرة- أمانة الحزب الحاكم، قبل أن يتولى الرئيس تشكيل وزارة جديدة فى مايو، كان النائب بطبيعة منصبه هو رئيس الوزراء «التنفيذي»، ليجمع بعد أقل من ستة شهور عن شلح صلاحياته، بين سلطاته الرئاسية والحزبية والوزارية، بالتوازى مع خروج «حسن» من الوزارة فى سبتمبر قبل أسابيع من اغتيال الرئيس فى أكتوبر 1981، ولتقع مصر منذ ذلك التاريخ بين محاق الاستمرار.. وهلال التغيير، حيث الرئيس المصرى طوال عهده الثلاثينى محصوراً بين المطرقة الأميركية والسندان الإسرائيلى، إذ كان العام الأخير قبل رحيل السادات بمثابة عجم عود من جانبهما لمبارك الذى تعرضت صلاحياته بين العزل والتمكين من يناير إلى مايو/ سبتمبر 1981، إلا أن الرحيل المأساوى للرئيس السادات، دفع الرئيس الجديد إلى محاولة إعادة تقييم السياسات الداخلية والخارجية، ذلك على النحو الذى تناوله فى بعض أحاديثه الصحفية قبل أدائه يمين القسم 16 أكتوبر، لولا قيام صحيفة الواشنطن بوست- بالتزامن- بنشر ثلاث مقالات متتالية بقلم «جاك آندرسون» تحت عنوان (فضيحة عقود السلاح) أشارت فيها إلى أقرب رجلين إلى جانب الرئيس خلال حادث المنصة.. إلخ، ربما كانت وراء غض بصر القيادة المصرية الجديدة عن نهج «التغيير» فى سبيل «الاستمرار»، الأمر الذى أكدته تصريحات المسئولين الأميركيين فى البيت الأبيض (إدوين ميس- ريتشارد آلن- إلكسندر هيج).. أجازت لمصر (التعامل مع الدول العربية «المعتدلة» دون «الراديكالية»، وإلى منع التقارب مع الاتحاد السوفيتى، أو مع الحركات المتطرفة داخلياً.. أو المدعومة خارجيا)، ذلك قبل أن يصل إلكسندر هيج- وزير الخارجية- إلى القاهرة قبل نهاية أكتوبر 1981.. ليؤكد أنه «لا تغيير فى السياسات المصرية، وفى العمل على استمرارها من أجل الاستقرار»، الأمر الذى جرى تبنيه كشعار سياسى للسنوات المقبلة، فى انحياز للقوى الأوليجاركية والكومبرادورية، ولتتجمع- بالتراكم- أسباب الثورة فى يناير 2011 فى مواجهة واحد من أهم حلفاء الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، والتى لولاها لما تم عزله بعد ثلاثين عامًا من تمكينه فى العام 1981.