منتصر عبد الجابر

منتصر عبد الجابر

12:13 م, الأربعاء, 2 أكتوبر 24

 أزمة مياه عالمية تلوح فى الأفق

أعد الملف: أحمد فراج

يقف العالم على بعد أعتاب أزمة مياه وشيكة وهى وفقا لتقديرات «الأمم المتحدة» ستكون محسوسة خلال أشهر إذ تتوقع أن يشعر ثلثا سكان الكوكب بشح المياه بداية من العام المقبل.

وفقا لتقرير نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن أسباب أزمة المياه كثيرة، أوضحها تغير المناخ جزئيا، وارتفاع عدد سكان الكوكب.

شح المياه، سيرتبط وفقا للتحليلات بحروب على مصادرها، حيث من المتوقع أن تؤدى هذه الضغوط الناتجة عن نقص المياه إلى توترات جيوسياسية، حيث ستسعى الدول إلى حماية مصادرها المائية وفرض السيطرة عليها.

على الجانب الآخر، سيوفر شح المياه فرصًا هائلة للنمو التجارى، حيث تتزايد الاستثمارات فى المشاريع والتقنيات الجديدة المرتبطة بتحلية المياه، إذ يُنظر لتحلية مياه البحر كإحدى الحلول الواعدة لمواجهة نقص المياه العذبة، خاصة فى ظل التقنيات الحديثة فى هذا المجال والتى أصبحت أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مما يجعلها خيارًا جذابًا للعديد من الدول.

شمال أفريقيا وجنوب ووسط آسيا الأكثر تضررا

ثلث سكان الكوكب تحت ضغط العطش بداية من العام المقبل

بحلول عام 2025، من المرجح أن يواجه 1.8 مليار شخص ما تسميه منظمة الأغذية والزراعة “شُح المياه المطلق”، ومن المتوقع أن يعانى ثلثا سكان العالم من نقص المياه، وفقا لتقرير نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وذكر التقرير أن 2.4 مليار شخص يعيشون حاليا فى بلدان تعانى من شح المياه، وهى الدول التى تستهلك %25 أو أكثر من موارد المياه العذبة المتجددة.

ووفقا للتقرير، تشمل المناطق المتضررة بشدة جنوب ووسط آسيا، وشمال أفريقيا، إذ يوصف الوضع هناك بأنه حرج.

وحتى البلدان التى تتمتع ببنية تحتية متقدمة، مثل الولايات المتحدة، فإنها تشهد انخفاض مستويات المياه إلى مستويات قياسية.

وأوضح التقرير أن أزمة المياه تتفاقم بسبب عدة عوامل منها التغيرات المناخية، والتوسع العمرانى، والنمو السكانى السريع والتلوث وتنمية الأراضى.

وأشار التقرير إلى أن نقص المياه يؤثر على كل شيء، بدءا من الأمن الغذائى وحتى التنوع البيولوجى، ومن المتوقع أن يصبح أكثر شيوعا فى السنوات المقبلة.

فى جامايكا، على سبيل المثال، تعانى منطقة ماونت إيرى الريفية ، بشكل متزايد من الجفاف، الذى ارتبط بتغير المناخ، لذا انتشرت فى البلدة خزانات أعلى الأسطح لجمع مياه الأمطار، فقد أضحت الخزانات بمثابة شريان حياة للمزارعين المحليين.

وقالت المزارعة ألثيا سبنسر: «كل شخص أعرفه يواجه نفس التحدى المتمثل فى انخفاض هطول الأمطار وانخفاض القدرة على التنبؤ بسقوطها»، وأضافت أن وجود نظام لتجميع مياه الأمطار يجعلهم يشعرون بالارتياح.

وقالت ليتيسيا كارفالو، المنسقة الرئيسية لفرع المياه العذبة والبحرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: «لقد باتت ندرة المياه قضية حرجة بالنسبة لعدد متزايد من البلدان»، «لذلك ستحتاج البلدان فى جميع أنحاء العالم إلى أن تكون أكثر إبداعا فى طريقة إدارة مصادر المياه والحفاظ عليها وتأمينها خلال السنوات القادمة».

تاريخيا، كانت معظم المياه العذبة للشرب والصرف الصحى تأتى من طبقات المياه الجوفية، إلا أن العديد منها أخذ يجف بسبب الإفراط فى الاستخدام، والمواسم الجافة الأطول، ويعد هذا بمثابة عامل خطر متزايد بالنسبة للدول الصغيرة، إذ أصبحت المياه العذبة مهددة بشكل متزايد بالملوحة مع ارتفاع مستويات سطح البحر وغرق الأراضى المتدهورة، وفى محاولة لتوفير المياه، تتجه البلدان إلى مصادر غير تقليدية.

وفى السنوات الأخيرة، بدأت البلدان فى اللجوء إلى تحلية المياه، ووفقا لدراسة أجرتها الأمم المتحدة عام 2018، فإن هناك 15906 محطة تحلية عاملة تنتج حوالى 95 مليون متر مكعب يوميا من المياه المحلاة للاستخدام البشرى، يتم إنتاج %48 منها فى غرب آسيا وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن ينمو الاعتماد العالمى على تحلية المياه بصورة سريعة فى السنوات المقبلة، بحسب التقرير.

وتوفر العديد من الدول، مثل جزر البهاما وجزر المالديف ومالطا، جميع احتياجاتها من المياه عبر عمليات التحلية، كذلك يأتى أكثر من نصف مياه الشرب فى المملكة العربية السعودية من خلال محطات التحلية.

ومع ذلك، تتطلب تحلية المياه استثمارات ضخمة فى البنية التحتية، فى حين يساهم الوقود الأحفورى المستخدم عادة فى عملية تحلية المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة فى ظاهرة الاحتباس الحرارى.

16 ألف محطة عالميا معظمها فى الشرق الأوسط

«التحلية».. صناعة متنامية على مدار عقدين

تستهلك عمليات تحلية المياه الكثير من الطاقة، ورغم أنها مكلفة وتسبب تلوثا، إلا أنها ضرورية فى مناطق تعانى من نقص المياه العذبة والجفاف مثل شرق أفريقيا، والشرق الأوسط، بحسب تقرير نشرته إذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله”.

ورغم الانتقادات المتعلقة بالتكلفة، والاستهلاك المرتفع للطاقة، والتأثير البيئى الضار، فإن تحلية المياه، كما يقول خبراء، تعد صناعة متنامية إذ توسعت بشكل مطرد على مدى العقدين الماضيين.

وقال منظور قادر، نائب مدير معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، إن الأشكال الحديثة لتقنيات تحلية مياه البحر باتت حاليا تمثل مستقبل التعامل مع أزمة ندرة المياه.

ورغم أن المياه تغطى %70 من سطح الأرض إلا أن أقل من %1 (حوالى 1260 مليون تريليون لتر) من مياه الكوكب صالحة للشرب.

وتتعرض موارد المياه المحدودة لضغوط متزايدة، فالنمو السكانى، وتوزيع المياه العذبة بشكل غير متساوٍ، والجفاف المتزايد الناجم عن تغير المناخ، يجعل العديد من المناطق جافة وعطشى.

وبحسب التقرير، يعيش ربع سكان العالم فى بلدان تواجه ضغطًا مائيًا شديدًا، والذى يُعرَّف بأنه منطقة تستهلك ما لا يقل عن %80 من إجمالى إمدادات المياه المتاحة كل عام، الأمر الذى يعرض هذه المجتمعات لخطر نفاد المياه ويجبر الحكومات على تقييد الإمدادات بشدة.

وحتى فى ظل السيناريوهات المتفائلة حال الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، فمن المتوقع أن يعيش مليار شخص إضافى فى هذا الوضع بحلول عام 2050.

وأشار التقرير إلى إمكانية إنتاج 56 مليار لتر من المياه المحلاة يوميا، وهو ما يعادل حوالى 7 لترات لكل فرد فى العالم.

وبحسب التقرير، هناك حوالى 16 ألف محطة تحلية مياه تعمل فى العالم، يوجد منها %39 فى منطقة الشرق الأوسط، التى تعد إلى جانب شمال أفريقيا، من أكثر المناطق التى تتعرض فيها الموارد المائية لضغوط شديدة.

وقال نائب مدير معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة إن المستقبل بدون تحلية مياه بالنسبة للعديد من هذه الدول سيكون عصيبا.

فعلى المستوى العالمى، لا يأتى سوى %0.5 من إجمالى المياه المستهلكة من تحلية المياه المالحة، لكن فى دول مثل قطر والبحرين، تشكل هذه النسبة %76 و%56 على التوالى.

وأضاف قادر أنه رغم انخفاض تكاليف إنتاج المياه المحلاة بشكل كبير حاليا إلى حوالى 0.50 دولار للمتر المكعب اليوم، إلا أنها لا تزال صناعة البلدان الغنية، ولا تتحملها البلدان ذات الدخل المنخفض.

وأوضح التقرير أن أكثر من %90 من عمليات تحلية المياه تتم فى البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع فى العالم.

بين أكبر 10 تهديدات خلال العقد المقبل

%40

نسبة العجز الـدولى بحلول 2030

تنشأ ندرة المياه عندما يتجاوز الطلب على الماء العرض المتاح خلال فترة محددة، إذ غالبا ما تكون البنية التحتية غير كافية أو تفشل المؤسسات في تلبية احتياجات الناس، وفقا لتقرير نشره المنتدى الاقتصادى العالمى.

في عام 2022، كان هناك 2.2 مليار شخص فى العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، بما فيهم أكثر من 700 مليون شخص يعيشون بدون مرافق مياه أساسية، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.

وبحلول عام 2030، يتوقع التقرير أن يكون هناك عجز عالمي بنسبة %40 في موارد المياه العذبة، والذي يقترن بنمو عدد سكان العالم إلى ما يزيد عن 8 مليارات نسمة ليرتفع العدد إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يترك العالم يواجه أزمة مياه شديدة، بحسب التقرير.

ومن المتوقع أن تشهد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء أكبر تغيير في الطلب على المياه، مع زيادة متوقعة بنسبة %163 بحلول منتصف القرن، وفقًا لبيانات معهد الموارد العالمية، وهو ما يمثل أربعة أضعاف معدل التغيير المتوقع في أمريكا اللاتينية، ثاني أعلى منطقة فى الطلب العالمى على المياه.

وذكر التقرير أن الماء يغطي ما يقرب من ثلثي سطح الأرض، وتحتوي المحيطات على %96.5 من إجمالي المياه على الكوكب، ومع ذلك، فإن محتواها من الملح يجعل هذه المياه غير صالحة للشرب ، وهنا يأتي دور تحلية المياه.

وبحسب تقرير المخاطر العالمية لعام 2024، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمى، فإن أزمة الموارد الطبيعية مثل ندرة المياه، تعتبر واحدة من أكبر 10 تهديدات تواجه العالم خلال العقد المقبل.

وأشار تقرير المخاطر العالمية إلى أن محطات تحلية المياه تستخدم حاليا في مناطق مثل الشرق الأوسط، الذى يتمتع بمناخ حار إلى جانب اقتصاد مزدهر وقادر على استيعاب التكنولوجيا.

لكن طبيعة المحطات التقليدية لتحلية المياه، فيما يتعلق بكثافة استهلاكها للطاقة، وارتفاع التكاليف تعمل كحواجز أمام التوسع فى استخدامها على نطاق كبير، وفقا للتقرير.

ومع ذلك، فإن الحلول التي تقلل من الطاقة اللازمة لتشغيل محطات التحلية، وتقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة يمكن أن تغير الوضع وتزيد من إتاحة مياه الشرب العذبة للمجتمعات التي تواجه نقصا فى المياه، وفقا للتقرير.

وذكر التقرير أن هناك عدة طرق مختلفة لتحلية المياه، لكن معظمها يعمل إما بطريقة التناضح العكسي أو التقطير الفورى متعدد المراحل لإزالة الأملاح من ماء البحر.

وأوضح التقرير أن طريقة التناضح العكسي أكثر كفاءة مقارنة بالتقطير الفورى متعدد المراحل، وفى ظل التناضح العكسى، يتم استخدام غشاء خاص كمرشح، والذي يحجب ويزيل الأملاح من مياه البحر، وفى هذه الحالة، تولد المضخات القوية ضغطًا كافيًا لضمان استخلاص المياه النقية.

وتنتج الطريقتان محلولاً يحتوي على مستويات مرتفعة من الملح، وهو ما يمثل تهديداً للنظم البيئية البحرية عند إعادة إطلاقه في المسطحات المائية الطبيعية.

وأوضح التقرير أن ناتج الطريقتين هو مياه شرب نظيفة، وعلاوة على إزالة الملح، تزيل عملية التحلية أيضاً المركبات الكيميائية أو البيولوجية حتى لا تسبب المياه المحلاة الإسهال أو أمراض أخرى فى هذه الحالة.

وسط طلب متزايد وجفاف قاسى

المغرب.. نموذج لإعطاء الأولوية للاستدامة

اتخذ المغرب فى السنوات الأخيرة خطوات هامة لتعزيز موارده المائية، عبر تطوير محطات تحلية المياه، إذ لا تلبى هذه المرافق الاحتياجات المائية الفورية للبلاد فحسب، بل تضع الأسس لإدارة مستدامة للموارد المائية وسط تحديات متزايدة تتمثل فى التغير المناخى والنمو السكانى، بحسب صحيفة Atalayar الإسبانية.

وتقدر احتياجات المغرب من المياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنويا، %87 منها للقطاع الزراعى، ومع ذلك، لم تتجاوز الموارد المائية المتاحة 5 ملايين متر مكعب سنويا خلال السنوات الخمس المنقضية.

وقال سعيد تمسامانى، المحلل والمستشار السياسى وعضو نادى الصحافة فى واشنطن، إن التزام الرباط بتعزيز الأمن المائى أصبح واضحا لا لبس فيه.

وبحسب وزير التجهيز والماء المغربى نزار بركة، فإن قدرة تحلية المياه فى المغرب تبلغ حاليا 192 مليون متر مكعب، منها أكثر من 80 مليون متر مكعب لمياه الشرب.

وأوضحت الصحيفة أن التكنولوجيا والموارد المستثمرة لعبتا دورا أساسيا فى تحلية المياه فى المغرب، وقد تمخضت هذه الجهود عن إنشاء محطتين رئيسيتين فى أغادير والحسيمة، ولا تعمل هذه المرافق على إمداد المراكز الحضرية بالمياه العذبة فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز القطاع الزراعى.

وتمثل محطة تحلية المياه فى أغادير، التى دخلت الخدمة فى 2022، النهج الاستباقى للمغرب فى التعامل مع شح المياه، إذ تم تشغيلها فى ظروف ملحة وكانت ضرورية لسكان المدينة، لضمان إمدادات موثوق بها من مياه الشرب.

ومن المقرر أن تبدأ المحطة العملاقة التالية فى الدار البيضاء عملياتها فى عام 2026، مما يعد بزيادة كبيرة فى إنتاج المياه اليومى فى المغرب.

ومن خلال إعطاء الأولوية للأمن المائى عبر تحلية المياه المالحة، يقدم المغرب نموذجا للدول الأخرى التى تواجه مشاكل مماثلة فيما يتعلق بندرة المياه، وفقا للصحيفة الإسبانية.

وذكرت الصحيفة أن مسار المغرب نحو الأمن المائى عبر تحلية المياه المالحة هو مثال واضح على الحوكمة الاستباقية القائمة على التنمية المستدامة.

ورغم جهود المغرب لمكافحة الجفاف، إلا أن هذه الجهود غير كافية، وفقا للصحيفة، مما دفع الرباط إلى تفعيل خطة طوارئ لدعم الخطة الوطنية على المدى القريب والمتوسط.

وتتضمن الخطة مجموعة من التدابير فى الأجل القصير، منها التعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية القائمة، وإنشاء فرق لنقل وتوريد المياه، وتقييد استخدام مياه الرى.

وأمام الطلب المتزايد على المياه، بسبب تطور النشاط الصناعى واحتياجات القطاع الزراعى، حثت الحكومة المغربية القطاعات والهيئات المعنية على زيادة يقظتها وجهودها لمواجهة تحدى الأمن المائى وضمان توفير الماء الصالح للشرب لكافة المناطق فى المملكة.

وتتضمن الخطة مجموعة من التدابير فى الأجل القصير، منها التعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية القائمة، وإنشاء فرق لنقل وتوريد المياه، وتقييد استخدام مياه الرى.

وأمام الطلب المتزايد على المياه، بسبب تطور النشاط الصناعى واحتياجات القطاع الزراعى، حثت الحكومة المغربية القطاعات والهيئات المعنية على زيادة يقظتها وجهودها لمواجهة تحدى الأمن المائى وضمان توفير الماء الصالح للشرب لكافة المناطق فى المملكة.

 

 

منتصر عبد الجابر

منتصر عبد الجابر

12:13 م, الأربعاء, 2 أكتوبر 24