‭.. ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬‮«‬الكبير‮»‬‭ ‬‮«‬الصغير»؟

‭.. ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬‮«‬الكبير‮»‬‭ ‬‮«‬الصغير»؟
حازم شريف

حازم شريف

9:09 ص, الأحد, 9 مايو 04

منذ‭ ‬أن‭ ‬أطلت‭ ‬رؤوسنا‭ ‬من‭ ‬أرحام‭ ‬أمهاتنا،‭ ‬ونحن‭ ‬نكاد‭ ‬لا‭ ‬نسلم‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬وأمثال‭ ‬ومواعظ،‭ ‬يقرعنا‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬ودب،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سما‭ ‬وعلا‭ ‬شأنه،‭ ‬يستهدف‭ ‬بها‭ ‬‮«‬الجميع‮»‬‭ ‬إصلاح‭ ‬وتهذيب‭ ‬وتربية‭ ‬‮«‬الجميع‮»‬‭!‬
أحيانًا‭ ‬تتخيل‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬المبالغة‭ ‬فى‭ ‬‮«‬التهذيب‮»،‬‭ ‬أن‭ ‬لسان‭ ‬الآخرين‭ ‬قد‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬غلاف‭ ‬الكراس‭ ‬المدرسى‭ ‬القديم،-‬الذى‭ ‬يتآسى‭ ‬الكثيرون‭ ‬على‭ ‬اختفائه‭ ‬كلما‭ ‬سنحت‭ ‬الفرصة- ‬يعج‭ ‬بالنصائح‭ ‬التربوية‭ ‬والصحية‭ ‬الرشيدة‭.‬
اغسل‭ ‬يديك‭ ‬قبل‭ ‬الأكل‭ ‬وبعده‭….. ‬احذر‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬والحلوى‭ ‬غير‭ ‬المغلفة‭ ‬من‭ ‬الباعة‭ ‬الجائلين‭….. ‬الصغير‭ ‬يحترم‭ ‬الكبير،‭ ‬والكبير‭ ‬يعطف‭ ‬على‭ ‬الصغير‭!‬
والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬ينبغى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أعترف،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬تحديدا،‭ ‬لطالما‭ ‬أرقتنى‭ ‬فى‭ ‬صحوتى‭ ‬ومنامي،‭ ‬لشدة‭ ‬ما‭ ‬تطرحه‭ ‬تطبيقاتها‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬تساؤلات‭.‬
تطبيقات‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تقهر‭ ‬وتصادر‭ ‬حرية‭ ‬الصغير‭- ‬أى‭ ‬صغير‭ ‬صبيا‭ ‬أو‭ ‬مراهقا‭ ‬أو‭ ‬موظفا‭ ‬أو‭ ‬مرؤساً‭ ‬أو‭ ‬أى‭ ‬مواطن‭ – ‬فى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬أو‭ ‬موقفه‭ ‬أو‭ ‬مشاعره،‭ ‬بحجة‭ ‬انتهاكها‭ ‬لهالة‭ ‬احترام‭ ‬مزعومة،‭ ‬لكبير‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭!‬
الاحترام‭ ‬يمنعك‭ ‬من‭ ‬المصارحة‭ ‬والمجاهرة،‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يوقعك‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬فخ‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬ذاته‭ ‬المصون‭…. ‬أما‭ ‬العطف،‭ ‬فيمنح‭ ‬صاحبه‭ ‬درجة‭ ‬أولوية،‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عطوفا‭ ‬تفضلا،‭ ‬وتجبره‭ ‬أحيانا‭ – ‬لاحظ‭ ‬تجبره‭ – ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتعطف‭ ‬بتأديب‭ ‬الآخر،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أتخذ‭ ‬ذلك‭ ‬صورة‭ ‬فعل‭ ‬مادى‭ ‬همجي‭.‬
وخذ‭ ‬عندك، مسئول‭ ‬يصفع‭ ‬مواطنا،‭ ‬ثم‭ ‬يبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬سن‭ ‬والده،‭ ‬وأنه‭ ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬سوى‭ ‬حرصا‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬حال‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬‮«‬الصغير‮»‬،‭ ‬ونجد‭ ‬من‭ ‬يوافقه‭ ‬على‭ ‬ذلك‭!‬
شيوخ‭ ‬تتهجم‭ ‬على‭ ‬صحفيين‭ ‬بالسب‭ ‬والقذف‭ ‬وبالأيدى،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬أنهم‭ ‬تجرؤا،‭ ‬وأبدوا‭ ‬ملحوظات‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬التناقضات‭ ‬فى‭ ‬أقوالهم،‭ ‬ونرى‭ ‬من‭ ‬يهلل‭ ‬لحرصهم‭ ‬على‭ ‬صرامتهم‭ ‬وهيبتهم‭!‬
رئيس‭ ‬يركل‭ ‬بقدميه‭ ‬الكريمتين‭ ‬مرؤوسه‭ ‬فى‭ ‬العمل،‭ ‬بحجة‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬أفقده‭ ‬صوابه‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يؤدبه،‭ ‬وتكاد‭ ‬أن‭ ‬تجن‭ ‬وأنت‭ ‬تشاهد‭ ‬من‭ ‬يلتمس‭ ‬له‭ ‬العذر‭!‬
فالمجتمعات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تقوم‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عرقى‭ ‬أو‭ ‬دينى‭ ‬أو‭ ‬جنسى‭ ‬أو‭ ‬طبقى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عائلى،‭ ‬أى‭ ‬تساوى‭ ‬الجميع‭ ‬فى‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يدعي‭ ‬لنفسه‭ ‬وضعاً‭ ‬أو‭ ‬صفة‭ ‬تؤهله‭ ‬لتأديب‭ ‬أو‭ ‬‮«‬رفس‭ ‬الآخرين‮»‬‭.‬
والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬الشعار‭ ‬التأديبى‭ ‬‮«‬الاحترام‭ ‬مقابل‭ ‬العطف‮»‬‭ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬بعدا‭ ‬مبدئيا‭ ‬مرفوضا‭ – ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا‭ – ‬فحسب،‭ ‬وأنما‭ ‬يثمر‭ ‬أيضا‭ ‬جانبا‭ ‬عمليا‭ ‬نزعم‭ ‬أنه‭ ‬بالغ‭ ‬الخطورة، فتلقى‭ ‬القهر‭ ‬وتبريره،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬انفجار‭ ‬خارجي،‭ ‬غالبا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬لضيق‭ ‬ذات‭ ‬اليد،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يفرز‭ ‬أنماطا‭ ‬من‭ ‬النفاق‭ – ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التدليل‭ ‬على‭ ‬وجودها‭ – ‬وهكذا‭ ‬تتوالى‭ ‬دائرة‭ ‬التداعيات‭ ‬الجهنمية‭ ‬للحالة‭ ‬‮«‬النفاقية‮»‬‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬سلبية‭ ‬فساد‭ ‬ومحسوبية‭ ‬وفقدان‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬والمجتمع‭ ‬والمستقبل‭.‬
وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يدفعنى‭ ‬فى‭ ‬النهاية،‭ ‬للإفصاح‭ ‬عن‭ ‬تساؤل‭ ‬طالما‭ ‬اعتمر‭ ‬بداخلي،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬صغيرا‭ ‬فى‭ ‬عمر‭ ‬الزهور‭ ،‬أرغب‭ ‬فى‭ ‬كتابته‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬غلاف‭ ‬الكراس‭ ‬المدرسى،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صرت‭ ‬‮«‬صغيرا‮»‬‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬ثان‭ ‬وثالث‭ ‬ورابع‭ ‬وهو‭:‬
لماذا‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬الكبير‭ ‬والصغير‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض؟‭ ‬أليس‭ ‬ذلك‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحترم‭ ‬فقط‭ ‬الصغير‭ ‬الكبير،‭ ‬فيكون‭ ‬نصيبه‭ ‬منه‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬العطف‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الصفع‭ ‬والركل‭ ‬و‭……. ‬وعدم‭ ‬الاحترام‭!‬