في إطار الاحتفال بيوم المرأة المصرية، نشرت جريدة الأخبار في صدر صفحتها الأولى موضوعاً، يتضمن أهم ما جاء في خطبة الرئيس مبارك فى افتتاح الجلسة الرئيسية، للمؤتمر الخامس للمجلس القومى للمرأة.
على العمود المجاور تتابعت ثلاثة أخبار قصيرة، بدا أن تجاورها مع المانشيت الرئيسي، ليس من قبيل المصادفة، فأولها يحمل عنواناً، يعبر عن تقدير الرئيس المصرى للمرأة المصرية «الرئيس يستقبل مرفت التلاوى الأمين العام التنفيذى للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا أسكوا»، في حين جاء الثاني معبراً عن تقدير الرئيس الأمريكى للمرأة المصرية! «تعيين امرأة مصرية مساعدة لوزيرة الخارجية الأمريكية»، وأشار متنه إلى أن الرئيس جورج بوش اختار دينا حبيب باول المصرية، لشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشئون التعليمية والثقافية.
أما الثالث -وختامه مسك-، فأكد تقدير الدولة عبر وزير إعلامها، لكفاءة المرأة وقدرتها على مناطحة الرجال في مثل هذا القطاع الصعب، وذلك عبر عنوان يقول: «إيناس جوهر رئيساً للإذاعة».
والحقيقة أن إيناس، وهي إذاعية «شاطرة»، لم تضيع الفرصة السانحة، لإثبات جدارتها في مبارزة رجال الإعلاميين، داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون، فأعربت- في تصريحات تضمنها الخبر- عن سعادتها بتولي المنصب الجديد، مؤكدة «أنها ستقوم بدراسة متأنية، لوضع خطة إعلامية إذاعية جديدة، تحقق للإذاعة المصرية ريادتها وإبداعها، وتجذب المستمع المصري والعربي في كل مكان»، منتهى البلاغة!.
وبغض النظر عن أنني قد بت أتحسس مسدسي، كلما سمعت أو قرأت كلمة «ريادة» على لسان أحد من المسئولين- ذكراً كان أو أنثى-، نتيجة خبرتي السابقة فيما سيلي تلاوة هذه الكلمة من أفعال، ترسخ وتبقي الحال على ما هو عليه من «ريادة»، إلا أن كل ما سبق من بلاغة وتجانس وسجع وتلاطف بين الأخبار ومحتواها بعضه البعض، يذكرني بواقعة طريفة تعرضت لها فى الصغر.
فقبل نحو ثلاثين عاماً، طلبت مدرسة الصف الثاني الابتدائي، كتابة موضوع «إنشاء» بمناسبة عيد الأم، وتفنن كل منا في التعبير عن بلاغته وفصاحته، وأذكر أنني قد كتبت- ضمن ما كتبت-، جملة أضحكت مدرستي كثير،اً تقول «وحملتني أمي على كتفها تسعة أشهر وهنا على وهن!»، وذلك تأثراً بالآية الكريمة «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير» لقمان (14)، والتي كان الجميع يرددها من حولي في هذه المناسبة كل عام.
وأذكر أيضاً أنني حين عدت إلى المنزل، بادرت بإطلاع أمي على ما كتبت منتظراً منها تفسيراً، لرد فعل مدرستي تجاهه، فما كان منها إلا أن ضحكت بدورها حتى ادمعت عيناها، وكادت أن تقع على الأرض من فرط الضحك، ومازحتني معاتبة: حرام عليك يا مفتري، تسعة أشهر فقط، أنا فضلت أشيلك على كتفي أكتر من سنتين، لما كتفي كان هينخلع.
الخلاصة أنني جريت وراء البلاغة، ونسق الكلمات الجميل، دون أن أهتم كثيراً أو على الإطلاق، بالبحث وراء معنى ما أكتب، أو ما أقول، متخيلاً أن وقع وسجع المفردات اللغوية كاف، لإبهار ونيل رضا وإعجاب الآخرين، بصرف النظر عن المحتوى أو المضمون، وهذا بالضبط ما يفعله الكثير من المسئولين في مناسبات الاحتفاء بالمرأة «كيوم المرأة» وعيد الأم الذي نحتفل به غداا لإثنين.
ولا مراء سنجد شيخاً أو مفكراً محافظاً، يستضيفه برنامج تليفزيوني غداً، يتحدث لمذيعة من أصحاب الريادة عن المرأة، وأهميتها فى حياته قائلاً: المرأة هي نصف المجتمع، هي أمي وأختي وزوجتي وابنتي، وربما زاد فقال حبيبتي، وكما لكل مخلوق مهامه ووظيفته التي سخر لها، فللمرأة كذلك وظائفها التي هيئت لها، فهي درة مصونة مكنونة، وملكة متوجة على عرش بيتها، وإن خرجت للعمل، فعليها أن تختار من الوظائف، ما يناسب طبيعتها البيولوجية، وعليها ألا تزاحم الرجال في الأعمال التى لا تلائمها، فهي لا تصلح لكذا وكذا من الوظائف، كما لا تصلح بالطبع للولاية ولا الإمامة، ولا فى بعض الأحيان للشهادة.
كما ستخرج إلينا جميع أوراق المنتديات والمؤتمرات الاحتفالية، تحمل صيغاً توافقية بلاغية، تؤكد على ضرورة تحرر المرأة، وحصولها على كافة حقوقها السياسية والاجتماعية، وذلك دون التعارض أو الخروج على موروثنا الثقافي! طب إزاي؟!.
هذا هو السؤال المؤجل حسم الإجابة عنه، منذ طرح قاسم أمين قضية تحرر المرأة في أواخر القرن التاسع عشر، وأزعم أننا ما لم نحسمه بأنفسنا بعيداً عن الاستعارات والمجازات، فسنجد من يجيب لنا عنه، بعيداً عن كل هذه البلاغة.