«‬المرأة‮»‬‭.. ‬ضحية‭ ‬البلاغة

«‬المرأة‮»‬‭.. ‬ضحية‭ ‬البلاغة
حازم شريف

حازم شريف

9:37 ص, الأحد, 20 مارس 05

‮في‭ ‬إطار‭ ‬الاحتفال‭ ‬بيوم‭ ‬المرأة‭ ‬المصرية،‭ ‬نشرت‭ ‬جريدة‭ ‬الأخبار‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬صفحتها‭ ‬الأولى‭ ‬موضوعاً،‭ ‬يتضمن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬خطبة‭ ‬الرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬فى‭ ‬افتتاح‭ ‬الجلسة‭ ‬الرئيسية،‭ ‬للمؤتمر‭ ‬الخامس‭ ‬للمجلس‭ ‬القومى‭ ‬للمرأة‭.

‬ على‭ ‬العمود‭ ‬المجاور‭ ‬تتابعت‭ ‬ثلاثة‭ ‬أخبار‭ ‬قصيرة،‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬تجاورها‭ ‬مع‭ ‬المانشيت‭ ‬الرئيسي،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المصادفة، ‬فأولها‭ ‬يحمل‭ ‬عنواناً،‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬تقدير‭ ‬الرئيس‭ ‬المصرى‭ ‬للمرأة‭ ‬المصرية‭ ‬‮«‬الرئيس‭ ‬يستقبل‭ ‬مرفت‭ ‬التلاوى‮‬‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬التنفيذى‭ ‬للجنة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لغرب‭ ‬أسيا‭ ‬أسكوا»، ‬في‭ ‬حين‭ ‬جاء‭ ‬الثاني‭ ‬معبراً‭ ‬عن‭ ‬تقدير‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬للمرأة‭ ‬المصرية! ‬‮«‬تعيين‭ ‬امرأة‭ ‬مصرية‭ ‬مساعدة‭ ‬لوزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬وأشار‭ ‬متنه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬اختار‭ ‬دينا‭ ‬حبيب‭ ‬باول‭ ‬المصرية،‭ ‬لشغل‭ ‬منصب‭ ‬مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬للشئون‭ ‬التعليمية‭ ‬والثقافية.

أما الثالث -وختامه‭ ‬مسك-،‭ ‬فأكد‭ ‬تقدير‭ ‬الدولة‭ ‬عبر‭ ‬وزير‭ ‬إعلامها،‭ ‬لكفاءة‭ ‬المرأة‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬مناطحة‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الصعب،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬عنوان‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إيناس‭ ‬جوهر‭ ‬رئيساً‭ ‬للإذاعة‮»‬‭.

‬ ‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬إيناس،‭ ‬وهي‭ ‬إذاعية‭ ‬‮«‬شاطرة‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تضيع‭ ‬الفرصة‭ ‬السانحة،‭ ‬لإثبات‭ ‬جدارتها‭ ‬في‭ ‬مبارزة‭ ‬رجال‭ ‬الإعلاميين،‭ ‬داخل‭ ‬مبنى‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتليفزيون،‭ ‬فأعربت‭- ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬تضمنها‭ ‬الخبر- ‬عن‭ ‬سعادتها‭ ‬بتولي‭ ‬المنصب‭ ‬الجديد،‭ ‬مؤكدة‭ ‬‮«‬أنها‭ ‬ستقوم‭ ‬بدراسة‭ ‬متأنية،‭ ‬لوضع‭ ‬خطة‭ ‬إعلامية‭ ‬إذاعية‭ ‬جديدة،‭ ‬تحقق‭ ‬للإذاعة‭ ‬المصرية‭ ‬ريادتها‭ ‬وإبداعها،‭ ‬وتجذب‭ ‬المستمع‭ ‬المصري‭ ‬والعربي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‮»، ‬منتهى‭ ‬البلاغة‭!‬.

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬بت‭ ‬أتحسس‭ ‬مسدسي،‭ ‬كلما‭ ‬سمعت‭ ‬أو‭ ‬قرأت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬ريادة‮»‬‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬المسئولين‭- ‬ذكراً‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬أنثى-، ‬نتيجة‭ ‬خبرتي‭ ‬السابقة‭ ‬فيما‭ ‬سيلي‭ ‬تلاوة‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬أفعال،‭ ‬ترسخ‭ ‬وتبقي‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬‮«‬ريادة‮»‬، ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬بلاغة‭ ‬وتجانس‭ ‬وسجع‭ ‬وتلاطف‭ ‬بين‭ ‬الأخبار‭ ‬ومحتواها‭ ‬بعضه‭ ‬البعض،‭ ‬يذكرني‭ ‬بواقعة‭ ‬طريفة‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬الصغر‭.

‬ فقبل‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬طلبت‭ ‬مدرسة‭ ‬الصف‭ ‬الثاني‭ ‬الابتدائي،‭ ‬كتابة‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬إنشاء‮»‬‭ ‬بمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬الأم،‭ ‬وتفنن‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬بلاغته‭ ‬وفصاحته،‭ ‬وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬كتبت‭- ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬كتبت-، ‬جملة‭ ‬أضحكت‭ ‬مدرستي‭ ‬كثير،اً‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬وحملتني‭ ‬أمي‭ ‬على‭ ‬كتفها‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭ ‬وهنا‭ ‬على‭ ‬وهن‭!‬‮»،‬‭ ‬وذلك‭ ‬تأثراً‭ ‬بالآية‭ ‬الكريمة‭ ‬‮«‬ووصينا‭ ‬الإنسان‭ ‬بوالديه‭ ‬حملته‭ ‬أمه‭ ‬وهنا‭ ‬على‭ ‬وهن‭ ‬وفصاله‭ ‬في‭ ‬عامين‭ ‬أن‭ ‬اشكر‭ ‬لى‭ ‬ولوالديك‭ ‬إلى‭ ‬المصير‮»‬‭ ‬لقمان (‬14)، والتي‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يرددها‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬كل‭ ‬عام‭.

‬ وأذكر‭ ‬أيضاً‭ ‬أنني‭ ‬حين‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬بادرت‭ ‬بإطلاع‭ ‬أمي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كتبت‭ ‬منتظراً‭ ‬منها‭ ‬تفسيراً،‭ ‬لرد‭ ‬فعل‭ ‬مدرستي‭ ‬تجاهه،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ضحكت‭ ‬بدورها‭ ‬حتى‭ ‬ادمعت‭ ‬عيناها،‭ ‬وكادت‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬الضحك‭، ‬ومازحتني‭ ‬معاتبة: ‬حرام‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬مفتري،‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط،‭ ‬أنا‭ ‬فضلت‭ ‬أشيلك‭ ‬على‭ ‬كتفي‭ ‬أكتر‭ ‬من‭ ‬سنتين،‭ ‬لما‭ ‬كتفي‭ ‬كان‭ ‬هينخلع‭.‬

الخلاصة‭ ‬أنني‭ ‬جريت‭ ‬وراء‭ ‬البلاغة،‭ ‬ونسق‭ ‬الكلمات‭ ‬الجميل،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أهتم‭ ‬كثيراً‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بالبحث‭ ‬وراء‭ ‬معنى‭ ‬ما‭ ‬أكتب،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أقول،‭ ‬متخيلاً‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬وسجع‭ ‬المفردات‭ ‬اللغوية‭ ‬كاف،‭ ‬لإبهار‭ ‬ونيل‭ ‬رضا‭ ‬وإعجاب‭ ‬الآخرين،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المحتوى‭ ‬أو‭ ‬المضمون، ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المسئولين‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالمرأة‭ ‬‮«‬كيوم‭ ‬المرأة‮»‬‭ ‬وعيد‭ ‬الأم‭ ‬الذي‭ ‬نحتفل‭ ‬به‭ ‬غدا‭ا ‬لإثنين‭.

‬ ولا‭ ‬مراء‭ ‬سنجد‭ ‬شيخاً‭ ‬أو‭ ‬مفكراً‭ ‬محافظاً،‭ ‬يستضيفه‭ ‬برنامج‭ ‬تليفزيوني‭ ‬غداً،‭ ‬يتحدث‭ ‬لمذيعة‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الريادة‭ ‬عن‭ ‬المرأة،‭ ‬وأهميتها‭ ‬فى‭ ‬حياته‭ ‬قائلاً‭: ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬نصف‭ ‬المجتمع،‭ ‬هي‭ ‬أمي‭ ‬وأختي‭ ‬وزوجتي‭ ‬وابنتي،‭ ‬وربما‭ ‬زاد‭ ‬فقال‭ ‬حبيبتي،‭ ‬وكما‭ ‬لكل‭ ‬مخلوق‭ ‬مهامه‭ ‬ووظيفته‭ ‬التي‭ ‬سخر‭ ‬لها،‭ ‬فللمرأة‭ ‬كذلك‭ ‬وظائفها‭ ‬التي‭ ‬هيئت‭ ‬لها،‭ ‬فهي‭ ‬درة‭ ‬مصونة‭ ‬مكنونة،‭ ‬وملكة‭ ‬متوجة‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬بيتها،‭ ‬وإن‭ ‬خرجت‭ ‬للعمل،‭ ‬فعليها‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬من‭ ‬الوظائف،‭ ‬ما‭ ‬يناسب‭ ‬طبيعتها‭ ‬البيولوجية،‭ ‬وعليها‭ ‬ألا‭ ‬تزاحم‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تلائمها،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬لكذا‭ ‬وكذا‭ ‬من‭ ‬الوظائف،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬بالطبع‭ ‬للولاية‭ ‬ولا‭ ‬الإمامة،‭ ‬ولا‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬للشهادة‭.‬

كما‭ ‬ستخرج‭ ‬إلينا‭ ‬جميع‭ ‬أوراق‭ ‬المنتديات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬تحمل‭ ‬صيغاً‭ ‬توافقية‭ ‬بلاغية،‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تحرر‭ ‬المرأة،‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬حقوقها‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬التعارض‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬موروثنا‭ ‬الثقافي! ‬طب‭ ‬إزاي؟!.

‬ هذا‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬المؤجل‭ ‬حسم‭ ‬الإجابة‭ ‬عنه،‭ ‬منذ‭ ‬طرح‭ ‬قاسم‭ ‬أمين‭ ‬قضية‭ ‬تحرر‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وأزعم‭ ‬أننا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نحسمه‭ ‬بأنفسنا‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الاستعارات‭ ‬والمجازات،‭ ‬فسنجد‭ ‬من‭ ‬يجيب‭ ‬لنا‭ ‬عنه،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬البلاغة‭.‬