لا أعتقد أن الفنان القدير «حسن يوسف»، كان سيهتز له جفن أو ينبض له عرق، لو تنازل «مبدئيا»، وأقدم على الإمساك بيد الفنانة «القديرة» نجوى إبراهيم، كما كان مفترضا أن يفعل، ضمن سيناريو مسلسل عواصف النساء، الذي يجرى تصويره حاليا، ويقوم ببطولته النجمان القديران.
فكلا الفنانين كما نعلم قديرين، وهى صفة إعتادت أفيشات السينما أن تطلقها على نجومها، حين يتقدم بهم العمر، ويلفظهم شباك الإيرادات، وينتقلون إجباراً لا طواعية، من مقاعد البطولة الرئيسية، إلى ترسو الأدوار الثانوية.
ومن ثم لا مجال هنا، للاسترسال في تصورات غير واقعية وشاذة عن فتنة نائمة قد يوقظها، إمساك فنان قدير ليد فنانة قديرة، أو حتى قيامه باحتضانها، لو اقتضى منه السيناريو ذلك.
ويصب في خانة اعتقادى هذا، ما أكدته جريدة المصرى اليوم -التي نشرت خبر رفض يوسف إمساك يد نجوى في صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي-، من أن رفض يوسف، قد تأسس على خوفه من أن يؤدى إمساكه يد نجوى، إلى تشويه صورته أمام الجماهير، خاصة وأن جميع أدواره بعد عودته للتمثيل كانت دينية.
وبرغم رفضي لمنطق يوسف أصلاً، المتمثل في محاولة «تديين» وأسلمة الدراما، إلا أننى أقر أن موقفه ينم عن قدر كبير من الاتساق مع النفس، بعكس الحكومة، التي تدعى طوال الوقت أنها مناهضة «لتديين» وأسلمة السياسة، ولا تكف طول الوقت أيضا عن استخدام الدين ورجال الدين لخدمة السياسة.
يوسف يقول أنه فنان ملتزم، وأن الدين يدخل في كل مناحي الحياة، وإذا كان الأمر كذلك، فلابد وأن يحكم الدين الدراما.
الحكومة تقول أنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، وما دامت تعتقد في ذلك، فإنها ترفض السماح لجماعة الإخوان المسلمين بتأسيس حزب سياسي، يرتكز على مرجعية دينية.
يوسف يرى أن ما يعتقد فيه ويدعو إليه، لابد وأن ينعكس في صورته الذهنية لدى المشاهد، ولذلك فهو يرفض الإمساك بيد نجوى، ليس لأنه لا يأمن على نفسه من الغواية، بل لعله قد لا يحرم الفعل نفسه، استنادا على حسن النوايا، لكن لرغبته في تجنب، أن تعلق بصورته أي شوائب.
على الجانب الآخر، لا تأبه الحكومة كثيرا، لأن ينعكس ما تعتقد به وتنادى به، في صورتها الذهنية لدى المواطن، فلا تجد غضاضة من أن «تحلل» لنفسها، الحق في إقحام الدين في السياسة، في الوقت الذى «تحرم» على الآخرين استخدام نفس الحق.
فلا تجد الحكومة غضاضة من أن تسفه فتاوى الجماعات الدينية السياسية، التي لا تتطابق مع سياساتها، دون أن ترى حرجا، في أن تستخدم فتاوى وإيماءات جيوش الشيوخ والدعاة الرسميين، في التخديم على ما تصبو لتحقيقه وتمريره من سياسات.
ترفض بيد دعاوي التحريم والتكفير من ناحية، وتمد يدها الثانية، لتلتقط وترحب وتربت على ظهر مفتيين وشيوخ، يؤثمون من يتخلف عن المشاركة في الاستفتاء -فتوى الدكتور على جمعة مفتي الديار الرسمية-، أو يعتبرون المشاركة فيها واجب ديني، على حد قول الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف.
ترفض الحكومة أن تستخدم منابر الجوامع في السياسة، أو في الدعوة للمرشحين في الانتخابات، وتقبل في نفس الوقت، أن يجمع وزير الأوقاف أئمة المساجد كافة، للتأييد والمبايعة السياسية، وتفسح المجال لشيخ مشايخ الطرق الصوفية، أن يعلن عن مبايعة ملايين الصوفيين.
وليت مخاوفي تقتصر على بعض الشوائب، التي قد تلحق بالصورة الذهنية للحكومة لدى المواطن، كما يخشى يوسف على صورته لدى المشاهد من يد نجوى.
لأن المؤكد -من وجهة نظري-، أن الحكومة بتناقضاتها هذه، وبقصر نظر غير خافي، تمهد الطريق، وتعطى الشرعية لتديين السياسة، وجرها «السياسة» إلى ساحة الدين، وهي منطقة، لن تقوى -الحكومة- فيها على المزايدة على الجماعات الدينية.
وذلك بدلا من أن تتسق مع ما تعلنه، وتتوقف عن استخدام الدين في السياسة، وتجبر بالتالي هذه الجماعات على الدخول في ساحة السياسة، متجردة من أقوى أسلحتها متمثلة فى المرجيعة الدينية.
ولست أعبأ، أن يرفض يوسف يد نجوى، أو أن حتى يقبلها، ولست مباليا أن يحفظ يوسف صورته الذهنية، كفنان «داعية» لدى المشاهد.
ولكنى على استعداد أن أقبل يد الحكومة، بل وأذهب أكثر من ذلك إلى مداعباتها وملاطفتها، شريطة أن تحذو حذو يوسف، فتتسق أقوالها مع أفعالها، وترفض أن تستخدم الدين في دغدغة واستغلال مشاعر الجماهير، وتكف عن تطويعه لتحقيق أهدافها السياسية.
ولست مهتما في الوقت الحالى بإصلاح الفن، بقدر اهتمامي بإصلاح السياسة، فصلاحها -السياسة-، سيعم على كافة مناحي الحياة الأخرى الثقافية والاقتصادية والرياضية والفنية.
فحين يترسخ في عقل ووجدان المواطن، عندما يذهب إلى صناديق الاقتراع، ضرورة أن يمنح صوته لأفضل المرشحين قدرة على تحقيق مصالحه، وليس أكثرهم إدعاء للزهد والورع، فإنني على ثقة، أنه سيكون في مقدوره «المواطن»، أن يفرز وينتخب ويعشق ويخلد من فنانيه، الأكثر موهبة واجتهادا،و ليس أكثرهم قدرة على الاضحاك أو أشدهم فقها وصلاحا، حتى لو تقمص دور أمير الدعاة، ورفض إمساك يد زميلته «القديرة»!.