إذا استثنينا- افتراضًا- ما لا يستثنى عن إجازة الرئيس الفرنسى ترادف الحق فى حرية التعبير مع الاستخفاف الجارى بالإساءة إلى الأنبياء، ذلك فى معرض إدانته- عن حق- لأفعال إرهابية مضادة، ربما مرده إليها أغراض انتخابية أو لامتصاص غضب قوى اليمين الشعبوى (مارين لوبان) الداعية «فرنسا إلى الحرب» أو لتوظيف تصريحاته فى إطار الخلافات الاستراتيجية الحادة لبلاده على امتداد أقاليم العالم.. مع (العثمانية الإخوانية الأردوغانية).. العدو الأول سياسياً للجنون التحريضى التركى ضد فرنسا، أو إلى ما غير ذلك من توجهات سياسية، فرنسية – غربية، داخلية وخارجية غير المباشرة تضمنها متن خطاب «ماكرون» قبل أيام، أثارت ردود أفعال متباينة، سواء فى أنحاء العالم الإسلامى.. أو فى الغرب، قد تشى بعهد مختلف عن سابقيه.. من زاوية الارتباط العربى الوثيق بالدول الغربية 45 – 1955.. الذى انعقد خلاله ما يعتبر زواج ملاءمة بين الإسلام التقليدى والنزعة الغربية المعاصرة، أو سواء فى العهد العربى المحايد بين الشرق والغرب.. حينما لجأت دول ثورية عربية إلى استنساخ مثل هذا التزاوج.. لكن بين الإسلام والماركسية 55 – 1965، ذلك قبل أن تشيع أدبيات الإسلام الأصولى منذ 1967.. لتصبغ العلاقة بين الإسلام والغرب فى السنوات التالية.. إلى أن طرقت التنظيمات الإسلامية المتطرفة- بالعنف- أبواب عواصم الغرب ومدنه الكبرى، الأمر الذى نتج عنه- بجانب مخاطر التمدد الديموجرافى الإسلامى غرباً- ما من شأنه تعويق المستقبل العربى لدوره الحضارى الأصيل، بما فى ذلك العلاقات المصرية- الفرنسية التى شهدت لما قبل عامين من زوال الجمهورية الرابعة الفرنسية 1946 – 1958 صداماً بين مصر «الثورة».. والسياسة الاستعمارية الفرنسية المتواصلة من بعد الحرب العالمية الثانية حتى إعلان الجمهورية الخامسة بقيادة «ديجول» الذى بلور لفرنسا سياسة خارجية ميزتها عن غيرها من القوى الغربية الكبرى، وأفضت إلى مواقف اقتربت من المواقف العربية، إلا أن ميراث الديجولية انحسر تدريجياً برحيله، خاصة من بعد «جاك شيراك» لصالح الرئيسين الأخيرين باستثناء «أولاند»، إذ تبدو فرنسا وقد ذهبت بعيداً فى عهديهما، ساركوزى – ماكرون، عن الرصانة الديجولية، خاصة فى ضوء التطورات الأخيرة التى ترتبت على خطوات الأخير لمواجهة ما سماه الانفصالية الإسلامية، ما أثار ردود فعل غاضبة فى بلدان العالم الإسلامى إزاء عدم التميز الفرنسى بين الإسلام وبين أفكار قلة راديكالية متطرفة يتبناها الرئيس التركى.. العدو المشترك لفرنسا ودول عربية بسيان، ومع ذلك تبقى العلاقات بين القاهرة وباريس على أهميتها الفائقة فى مجالات مختلفة.. من الواجب الحرص على عدم إهدار مزاياها الإستراتيجية لكلا البلدين، ما يتطلب قدراً كبيراً من الكياسة لتجاوز توابع الأزمة الحالية بين الإسلام والدولة الفرنسية.. التى بدورها ما زالت من بعد الحرب العالمية على تطلعها للمرتبة العالمية الأولى رغم أن التزاماتها الحالية لا تتفق مع طاقاتها المتنازعة فيما بين السعى لدورها كدولة أوروبية (قائدة).. وبين استئناف دورها السابق كسيدة إمبراطورية غير أوروبية، وحيث يمثل حرصها على مباشرة الدورين معاً.. إحدى معضلات سياستها الخارجية التى تستند من أجل تعظيمها على ما يحققه لها إشعاعها الثقافى من اكتساب أصدقاء أكثر عدداً من أصدقاء أى دولة أخرى، فضلاً عن رؤية «ديجول» نحو فرنسا قوية.. التى لا تزال تراود الفرنسيين من جديد فى المستقبل، فيما يقابلها على الجانب العربى الإسلامى دولتان عتيقتان يضعفان لأسبابهما، مصر والسعودية، إلا من احترامهما الاختلاف، ومراعاتهما للآخر، لكنهما يواجهان عالماً جديداً، سواء على الصعيد الإقليمى والدولى، فإذا عملا معاً بإرادة مشتركة تعظم عهداً جديداً من الارتباط الوثيق بين الإسلام التقليدى والنزعة الغربية (الفرنسية) المعاصرة، إذ لأمكنهما- القاهرة والرياض- توفير الوزن الإستراتيجى الذى يمكن العالم العربى الإسلامى من الحيلولة دون اتخاذ الغرب أى قرارات غير مواتية لصالحهم، لعله يتمثل فى اتخاذهما أحد المواقف من «مجلس حكماء المسلمين» برئاسة شيخ الأزهر، هو الاستنكار العقلانى للإساءة إلى الأنبياء، مع تحويل المسألة إلى قضية قانونية تنتقل بها من الشكل العاطفى البحت إلى شكل عملى قابل للقياس، إذ يوفر «وضع اليد» القانونى تسعة أعشار الحق- كما يقال- فى زمن الحرب
شريف عطية
7:49 ص, الأحد, 1 نوفمبر 20
End of current post