دق جرس التليفون الداخلى بمكتب رئيس مجلس ادارة شركة عملاقة، وكان المتصل مدير الموارد البشرية، ملتمسا منه مقابلة لموظف جديد، جدير بمعاينته عن قرب! وفى دقائق دلف الموظف المرشح بثقة، متقدما للقابع خلف المكتب الفخم، ليفاجأ الرئيس بشاب ثلاثينى، متسق الابعاد، نظيف الهيئة بدون تبذل، تقدم نحوه بابتسامة حيادية، وكان الحوار التالى:
الرئيس: توقعت شخص اكبر من ذلك، فعادة لا أقابل إلا موظفى الادارة العليا، اتفضل ارتاح. ممكن تعطينى لمحة عن مؤهلاتك؟
الموظف: مؤهلاتى ام شهاداتى ام خبرتي؟
الرئيس: كما تحب ان تعرض نفسك…
الموظف: حضرتك انا مش فى حالة عرض او استعراض! ولكن لو عن شهاداتى فنسخة منها فى ادارة الموارد البشرية، ولو خبرتى… فلا اعتقد وقتك يسمح بسماع تنقلى بين الشركات وقصص النجاح والفشل! اما عن مؤهلاتى فاعتقد انها اهم!
تراجع الرئيس بظهره فى مقعده الوثير، ارتشف رشفة من فنجان قهوة أنيق، وتمهل برهة فى تقليب نظره ببعض الاوراق امامه، ومرت 5 دقائق ثقيلة لشعوره بانه امام شخص يفهم ما يقول وعلق بابتسامة باهتة…
الرئيس: اعتقد انى فى محل السؤال، ولولا طلب ا. شريف مدير HR مقابلتك، لم اكن لأضيع وقتك فى عرض مؤهلاتك… عندك 5 دقائق.
الموظف: شوف حضرتك عشان احفظ وقتك…
انا بحب اجيب من الآخر فى اى موضوع. اعتمد على الفعل وليس الكلمة. أفهم وأجيد الابتزاز العاطفى. اتقن الذبح بدون نقطة دم. مصلحتى ومصلحة العمل حتما يتقابلان، ولو فيه تعارض اعلن عنه أو انسحب فورا. أتقن التخفى بين الكلمات والمعانى بدون اثر. دوما افكر قبل الرد. لا اتكلم الا بالمفيد، فأجيد وضع الإطار لأتحكم فى النتيجة. مؤمن بان الحياة بينج بونج، قبل ما اخد افكر هرد ازاى. ليس كل من اختلف معى عدوى وليس كل من وقف معى صديقى. لا أومن بان النظريات التى بدون تطبيق تنفع لى شخصيا. عضويتى بفريق العمل للانجاز وليس للمشاركة. اجيد رصد اطراف اللعبة ودورى بها للاستمرار بفعالية. لا اتوقف عن تعليم نفسى واعتبر خطأى مدخل لتصحيح الوضع. الفشل والهزيمة عندى محفز للبحث عن الحل، الذى قد لا يكون هو النجاح المطلوب اصلا. لا احتفل بنجاحى مطلقا بدون قبضى النتيجة فى يدى. لا ارتكب خطأ لا استطيع تحمل ثمن علاجه. مقتنع ان كل واحد عنده الـ24 قيراط بتوزيعته هو.، طموحى لا حدود له، الا ما يتعارض مع امكانياتى حتى لا اضيع وقت المحاولات. للكل عندى 3 محاولات وبعدها اخذ حقى بمعرفتى. سماعى لحضرتك لا يعنى موافقتى لك وموافقتى لا تعنى اقتناعى طالما المصلحة العامة تحتم ما اتفقنا على تنفيذه. لا اوقد نارا ابدا لا اعرف كيف اطفئها. دوما فيه حل لكل مشكلة والمشكلة ألا تكون حضرتك عاوز تحل. لا يوجد شيء مجانا والتفاوض لاتمام الشغلانة لا لارهاق الطرف الاخر. بعرف متى يكون اختفائى هو قمة ظهورى. لا اتعشم فى احد واتوقع فقط ما رتبت له. لا اعتبر استمرارى نجاحى، ولكن احرص على تأثيرى لاستمر. لا اجادل ولكن اتقن افحام الاخرين. اعشق الصور الكبيرة واتفنن فى تركيب اجزائها.
فهل هذه مؤهلات مناسبة للعمل بشركتكم؟
استمع الرئيس بهدوء، وعلى وجهه تتصارع بين سحب دخان السيجارة تعابير الابتسام والتحفظ، وبهدوء أعتدل فى جلسته ورفع سماعة تليفونه الخاص طالبا سكرتيرته قائلا: هالة…. ضيفى بأجندة مجلس الإدارة مناقشة تعيين عضو جديد من ذوى الخبرة!
الموظف: حضرتك أنا جى اشتغل مش انضم لاجتماعات الغرف المكيفة مع اشخاص لا أستطيع معهم ممارسة مؤهلاتى! فاذا كنت لن تستفيد من مؤهلاتى، فعلى الأقل لا تحرمنى من ممارستها بجدية.
أبتسم رئيس مجلس الادارة بخبث وقال أحسنت.. أنت تعرف ما تقول وتطبق ما تعرفه! وهذا هو المساعد الذى احتاجه… مبروك مساعد رئيس مجلس الادارة، وتحياتى لمؤهلاتك التى لن تمارسها عليا انا شخصيا!
الموظف: إذن فبدلا من تحجيمى من ممارسة مؤهلاتى مع مجلس إدارة، اقحمتنى فى رأس المجلس بنفس الحرمان! وأنا لا أروض مؤهلاتى مقابل منصب!
ازدادت ابتسامة الرئيس الماكرة وقال فى دعة: ماذا تقترح اذن لتمارس مؤهلاتك؟
الموظف: اعطنى فرصة طبيعية فى تخصصى، واعرف انى سأدير العمل بمؤهلاتى، ولا تسمع بى اشاعة او تصدق نميمة، وحاسبنى على النتائج لا المحاولات.
الرئيس: وهو كذلك، كسبت الشركة موظفا يفهم معنى العمل، وكسبت أنا حصانا أسودا، انتظره فى نهاية السباق ليجلس بجوارى يوما ما.
الموظف: بل كسبت انا قائدا، يعرف كيف يبنى ويقود كتيبته!
* محامى وكاتب مصرى
bakriway@gmail.co