تشتد توترات الأوضاع فى الضفة الغربية المحتلة، باتجاه قابلية إندلاع انتفاضة ثالثة (تتلو انتفاضة أطفال الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000)، لولا ضبط النفس الفلطينى فى السنوات الأخيرة تجنبا لفداحة الخسائر الناتجة عنها، ما يشجع إسرائيل على تصعيدها للعنت العسكرى والدبلوماسى بسيان وفى مراوغاتها هربا من السلام.. وتعويقاً لمساره، ليس آخره اعتراف الضم المعتسف – مع واشنطن – لرموز وطنية ودينية فى الأراضى العربية تدعى السيادة عليها (القدس – الجولان …)، ناهيك عن انفرادها – بمشاركة الولايات المتحدة – فى توظيف فاعلية الأمر الواقع لتمرير ما تسمى «صفقة القرن»، بما فى ذلك انعقاد «ورشة المنامة» 25 يونيو الجارى لمناقشة الشق الاقتصادى لها (50 مليار دولار مقدمة من أميركا للفلسطينيين ولكل من مصر والأردن ولبنان)، وفى غيبة التحادث عن الملف السياسى، كمن يضع العربة أمام الحصان، الأمر الذى ترفضه القيادة الفلسطينية أو أن يتحدث أحداً نيابة عنها، كما تأسف لقرار كل من مصر والأردن المشاركة فى اجتماع المنامة، وتدعوهما لتغيير قرارهم.
على صعيد مواز، تتفاقم الانقسامات داخل إسرائيل – إلى حد العجز فى تشكيل حكومة جديدة عن انتخابات أبريل الماضى، ما دعا الكنيست إلى حل نفسه، كأمرين غير مسبوقين فى تاريخ إسرائيل السياسى، مع الإعلان عن انتخابات جديدة فى 17 سبتمبر المقبل، من المرجح ألا تختلف نتائجها عن معطيات سابقتها، من حيث تشظى الأحزاب إلى جزئيات متناهية الصغر، ولو كانت تضمن التمثيل الديمقراطى والنيابى لكافة الأطياف السياسية والاجتماعية، إلا أنها فى ضوء تجذر التوترات الطائفية والمجتمعية، التى سبق أن وصفها «إسحق شامير» أنها أشبه بـ«الجنون المطبق»، فإنها تزيد من صعوبة اتخاذ الكنيست – وحكومته – للقرار السياسى أو على قدرة تنفيذه، وبحيث يعتبر الانقسام الفلسطينى بين منظمتى «فتح» و«حماس» مقارنة بالانقسامات الإسرائيلية (التفتيتية)، أمراً هيناً، ومع ذلك تستبق إسرائيل بالإيحاء أنها تفتقد وجود الشريك الفلسطينى للتحدث عن التسوية، ولتوظف من ثم هذا التغييب المصطنع للشريك الفلسطينى.. فى إطار حالة من «الإسقاط» النفسى، كى تقنع بها الحليف الأميركى وآخرين بمحاولة فرض «صفقة العصر» من جانب واحد، وبحكم الأمر الواقع.
إلا أن الطبقة السياسية الفلسطينية تنشط فى سعى حثيث لتشكيل ما قد تسمى جبهة رفض عالمية فى سياق التصدى لصفقة القرن، كون اعتبارها المشروع الأكثر وضوحا فى إتجاه التصفية الجذرية لحقوقهم السياسية والوطنية، وربما كمرحلة أساسية تسبق الهدف التالى للمشروع الصهيونى نحو تطويع الدول العربية فى الإطار المباشر لإسرائيل، لمشيئته، ومن ثم السعى إلى هيمنة ما تسمى «الحقبة اليهودية» على سائر المنطقة، وفقا لما أشار إليه «شيمون بيريز» فى مؤتمر الدار البيضاء منتصف تسعينيات القرن الماضى، لكن على أهمية جبهة الرفض الدولية، ولما توفره من دعم يمكن من خلاله للحالة الفلسطينية «المحاصرة».. مخادعة التحالف الأميركى الإسرائيلى، فإن من الأهمية بمكان إنهاء الانقسام الداخلى الفلسطينى منذ يونيو 2007، الأمر الذى تعمل مصر بجدية على رأب تصدعاته، ومن خلال انتخابات تشريعية ورئاسية، تناصب بنتائجها وجها لوجه ما تسفر عنه الانتخابات الاسرائيلية سبتمبر القادم، وذلك عبر صيف ساخن من المتوقع أن تشهده «إسرائيل المحتلة» بالمثل من الفلسطينيين، لكن بالتناوب غير المتعادل بينهما، مادياً وإنسانياً، إذ إن الورقة الأخيرة لإسرائيل تبقى منوطة باتجاه حركة التاريخ وبالثوابت الجغرافية، ولو طال الطريق.