قال خبراء ومصرفيون إن قرار البنك المركزى بإلغاء العمل بالاعتمادات المستندية لا يترتب عليه التحرير الكامل لسعر الصرف، وفقا لتصريح أحد كبار مسئولى صندوق النقد الدولى.
وأضافوا – فى تصريحات خاصة لـ«المال» – أن قرار إلغاء العمل بشروط الواردات عن طريق خطابات الضمان، والرجوع للنظام السابق (مستندات التحصيل)، سيدفع إلى مزيد من الضغط على العملة الأجنبية، ويؤدى إلى ضعف الحوكمة على عملية الاستيراد، ومن ثم تخارج العملة الخضراء فى سلع قد تكون غير ضرورية فى الوقت الحالى.
وبناء عليه رجحوا أن الإجراء الأنسب، يتمثل فى التحرير الكامل لسعر الصرف وإلغاء الاعتمادات المستندية فى التوقيت نفسه، فمع دخول تدفقات دولارية من الخارج، سواء عن طريق قروض أو استثمارات مباشرة، بالإضافة إلى طرح شهادات ادخارية بعوائد مرتفعة تجذب العملة الأجنبية إلى البنوك، سيؤدى ذلك لتخفيف الأعباء عن القطاع المصرفى، وزيادة القدرة على تدبير الدولار لخروج بضائع المستوردين المكدسة فى الجمارك.
وقال محمد البيه، الخبير المصرفى، إن قرار البنك المركزى بإلغاء العمل بمستندات التحصيل وبدء استخدام الاعتمادات المستندية، أثر سلبا إلى حد ما على توافر المواد الخام فى الداخل، موضحا أن فترة فتح العمل بالثانية تكون أطول من الأولى، لاحتوائها على بنود لابد من أخذها فى الاعتبار عند طلب الاستيراد من الخارج، إضافة إلى آلية الاتفاق بين المستورد فى الداخل والمصدر فى الخارج، والتى تتطلب الموافقة المسبقة من المصرف المخول بالتنفيذ.
وتابع – فى تصريحات خاصة لـ«المال» – أن العمل بالاعتماد المستندى يبدأ باتفاق بين المستورد فى مصر والمصدر فى البلد الأجنبى، وبعد ذلك يُترجم هذا الاتفاق لاعتماد، ثم تتطلب الموافقة عليه من الجهة المخولة من القطاع المصرفى، مضيفا أن هذه العملية تعتبر التزاما على البنك بدفع المبلغ – كمتعهد أمام بنك المصدر- شريطة أن تكون الإجراءات سليمة، لافتا إلى أنه طالما التعهد بالدفع يقع على الجهة المصرفية، فهذا يجعل البنك متحوطا لأخذ كافة احتياطاته للأمان ضد المخاطر المحتملة.
وأكمل أنه فى ظل وجود نقص فى العملة الأجنبية، فهذا يؤثر على قبول فتح الاعتمادات المستندية للمستوردين من قبل البنوك.
وأوضح أنه سبق وأن أعلنت الحكومة عن إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية فى نهاية ديسمبر الحالى، والعودة مرة أخرى للعمل بمستندات التحصيل، مشيرا إلى أن العمل بالأخيرة يكون أسهل بكثير من الأولى، وذلك لمباشرة الاتفاق بين التاجر المحلى المستورد، والمصدر فى البلد الأخرى، دون الحاجة إلى تدخل من البنك لضمان تنفيذ العملية، وتدبير العملة الصعبة.
وتأكيداً على الإشارة إلى التصريح السابق، يُذكر أن رئيس مجلس الوزراء قد أعلن، خلال توصيات المؤتمر الاقتصادى فى أكتوبر الماضى، انتهاء العمل بالاعتمادات المستندية والرجوع إلى مستندات التحصيل فى خلال شهرين على الأكثر، أى بنهاية ديسمبر الحالى، وذلك بناء على طلبات المصنعين والمستوردين.
ولفت «البيه» إلى أنه بداية من تنفيذ إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية، ستكون هناك طلبات كثيفة ستدخل على القطاع المصرفى، وذلك لتخليص بعض البضائع المكدسة فى الجمارك من خلال «نماذج 4» مشيرا إلى ضرورة تدفق العملة الأجنبية للبنوك فى وقت سابق على تنفيذ ذلك الإجراء، حتى تستطيع أن تلبى الطلبات المقدمة من المستوردين.
وفى حديث عن التوقعات المحتملة لما سيحدث بعد إلغاء الاعتمادات المستندية فى ظل عدم وجود الحل الكامل لمشكلة عجز توافر المعروض النقدى من العملة الأجنبية فى البنوك، توقع الخبير المصرفى أن التحرير الكامل لسعر الصرف سيحدث فى نفس الوقت الذى سيتم فيه إلغاء العمل بالاعتماد المستندى.
وأضاف أنه من غير المنطقى إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية قبل توافر حصائل دولارية كبيرة، تجعل القطاع المصرفى مستعد لتلبية الطلبات المقدمة من المستوردين، وتخليص بضائعهم من الجمارك.
وبناء عليه، ذكر«البيه» أن تدفق العملة الأجنبية إلى القطاع المصرفى له آليات عدة، يعمل البنك المركزى على تطبيقها فى الوقت الحالى، متوقعا أنه فى خلال الفترة القليلة المقبلة، قبل نهاية هذا الشهر ومع بداية العام الجديد، سترفع البنوك العائد على الجنيه المصرى، مما يدفع حاملى العملة الخضراء إلى التنازل عنها فى سبيل الاستثمار فى العملة المحلية، للحصول على مزاياها.
وأضاف أن هناك تدفقات مالية قادمة من قروض وتمويلات خارجية، أو من خلال إصدار سندات بالعملة الأجنبية قريبا فى الأسواق العالمية، وبالتالى سيزيد من تدفق الدولار إلى القطاع المصرفى.
وقال الدكتور أحمد شوقى، المحاضر والخبير المصرفى، إنه لا توجد علاقة كبيرة تربط بين قرار إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية وتحرير سعر الصرف، موضحا أن بدء العمل بمستندات التحصيل سيؤدى إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية فى البنوك.
وتابع – فى تصريحات خاصة لـ«المال» – أنه بناء عليه ستخرج عملية الاستيراد من تحت عباءة الحوكمة التى سبق وأن فرضها البنك المركزى لتحديد الأولويات، وللتحكم فى تخارج العملة الأجنبية عن طريق الواردات، لافتا إلى أن بدء العمل بمستند التحصيل سيدفع للمزيد من الضغط على الدولار.
وذكر أنه على النقيض إذا تم التحرير الكامل قبل إلغاء شروط تمويل الواردات بخطابات الضمان، ففتح الاعتمادات فى هذا التوقيت سيحدث فى ظل التساوى بين سعرى الصرف فى السوق الرسمية والموازية، وبناء عليه سينخفض الضغط على العملة الأجنبية، لطرح البنوك أوعية ادخارية دولارية ذات عائد مرتفع، ستجذب الدولار إلى القطاع الرسمى.
وقال الدكتور محمد أنيس، المحلل الاقتصادى، إن التصريح الصادر عن صندوق النقد الدولى عن تحرير سعر الصرف بعد إلغاء شروط تمويل الواردات بخطابات الضمان، هو تصريح غير رسمى صدر عن وكالة رويترز، مضيفا أنه بناء عليه لابد ألا نعتبره توجها رسميا من الصندوق.
وأضاف – فى تصريحات خاصة لـ«المال» – أننا ملتزمون بما ورد فى بيان صندوق النقد بعد موافقته على إقراض مصر فى اجتماعه يوم 16 ديسمبر الحالى.
وقال إن البيان ورد به اتباع البنك المركزى لسياسة سعر صرف مرن دائم، موضحا أنه على سبيل المثال إذا كان النظام المتبع – قبل تحرير سعر الصرف فى 27 أكتوبر الماضى – هو النظام المرن الدائم، كان لابد مع خروج الأموال الساخنة من خزائن القطاع المصرفى فى الأشهر الماضية، وأن يتحرك سعر الدولار بالارتفاع مقابل الجنيه، ولكن هذا لم يحدث، لتثبيت «المركزى» لسعر الصرف على الرغم من خروج الاستثمار الأجنبى غير المباشر من مصر.
وبناء عليه، أشار إلى عدم وجود علاقة مباشرة للربط بين تحرير العملة المحلية، وبدء العمل بمستندات التحصيل.
وفى حديث عن رأيه فى نتائج العمل بشروط تمويل الواردات عن طريق خطابات الضمان، قال المحلل الاقتصادى إن التطبيق أثبت أن الإجراءات التى اتبعها البنك المركزى تحتاج إلى تعديلات، مضيفا أن رئيس مجلس الوزراء أكد فى نهاية أكتوبر الماضى أنه سيتم إلغاء العمل بالاعتماد المستندى خلال شهرين.
ورجح أن يتم تعديل نظام الاستيراد، وإلغاء الاعتمادات المستندية، وأن يسمح للمستوردين بتوفير العملة الدولارية بأنفسهم للتعامل مع المصدرين فى الخارج بشكل مباشر، دون الحاجة إلى ضمانة من المصرف.
وعرَّف الاعتماد المستندى بأنه عبارة عن دفع المستورد المحلى لإجمالى قيمة البضاعة التى يريد استيرادها قبل التنفيذ، أما مستند التحصيل فيسمح له بأن يدفع جزءًا من قيمة الصفقة، بالاتفاق مع الطرف الآخر المصدر فى الخارج، ثم يستكمل سداد بقية المبلغ بعد قدوم بضاعته، أو جزء منها، وبيعه فى الداخل.