حالة من الجدل سيطرت على سوق الشاحنات، بالتزامن مع توجه الدولة للاعتماد على الغاز الطبيعى، كوقود لكل أنواع السيارات العاملة فى السوق المحلية من ملاكى وتجارى، إذ انقسمت السوق ما بين مؤيد ومعارض لها.
وأشار المؤيدون إلى أن الاتجاه العام للدولة يشير إلى تعميم الغاز الطبيعى كوقود للشاحنات خلال الفترة المقبلة، ما دفع الوكلاء والمستوردين لبحث سبل طرح موديلات من الشاحنات خاصة الثقيلة فى مصر، والتى كان من أبرزها شركة الهندسية للسيارات، التى قدمت أول شاحنة ثقيلة CNG.
وأوضحوا أن الاعتماد على الغاز الطبيعى كوقود للمركبات سيسهم إلى حد كبير فى تقليل تكاليف التشغيل، والحد من الانبعاثات، وتحسين جودة الهواء، كما أن الحكومة تمكنت خلال الفترة الماضية من التوسع فى محطات الغاز وتهيئة البنية التحتية اللازمة لاستقبال تلك الفئة من المركبات.
فيما رأى المعارضون أن أسعار الشاحنات العاملة بالغاز الطبيعى مرتفعة للغاية مقارنة بالتى تعمل بالسولار، كما أن ضعف حمولة الغاز مقارنة بالسولار والتى تقل بأكثر من النصف سيؤثر على تكلفة نقل الطن.
فى البدابة، أشار إسلام الوردانى، رئيس قطاع مبيعات الشاحنات بشركة جى بى أوتو، وكلاء فولفو، فوزو، وشاكمن وغيرها من العلامات التجارية، إلى أن الفترة الحالية تشهد العديد من التغيرات الهيكلية فى صناعة الشاحنات الثقيلة فى جميع أنحاء العالم مع اتجاه كبار المصنعين، بهدف توفير مركبات نقل ثقيلة تعتمد على بدائل غير تقليدية للوقود بعيدًا عن الديزل بهدف تقليل معدلات الانبعاثات، والحفاظ على البيئة، وتحسين جودة الهواء، وخفض تكلفة التشغيل.
وقال لـ«المال» إن عددًا من مصنعى الشاحنات خاصة فى الدول الأوروبية بدأوا بحث إنتاج مركبات نقل ثقيل تعمل بالكهرباء، والهيدروجين وغيرها من بدائل الطاقة خلال الفترة الراهنة.
وتابع: خلال الفترة الماضية أجرى العديد من مصنعى شاحنات النقل الثقيل الأوروبية العديد من الدراسات والاختبارات على المركبات المدعومة بمحرك يعمل بالغاز الطبيعى CNG، وبعض نتائج تلك الاختبارات والدراسات لم تكن إيجابية بشأن تحقيق المعدلات المطلوبة من الانبعاثات وفقاً للمعايير الأوروبية.
وأشار إلى أن شاحنات النقل الثقيل العاملة بالوقود التقليدى «ديزل» تستطيع نقل حمولة قد تصل إلى 250 طنًا، وهو ما يصعب تحقيقه حتى الآن باستخدام محركات تعمل بالغاز الطبيعى.
وتابع: فيما يتعلق بمستهدفات الحكومات الأوروبية حول تقليل معدلات الانبعاثات خلال الفترة المقبلة للوصول إلى معدل صفر كشفت الدراسات إلى أن معدلات الانبعاثات الصادرة عن الشاحنات العاملة بالغاز الطبيعى من فئة «يورو 5» أعلى بكثير من مثيلاتها العاملة بالبنزين، والسولار.
وتطرق «الوردانى» إلى المقارنة السعرية التى جاءت لصالح المركبات العاملة بالديزل، إذ أكد أن سعر الشاحنات العاملة بالغاز الطبيعى قد يصل فى بعض العلامات التجارية إلى ما يقرب من ضعف سعرها مقارنة بالوقود التقليدى.
وأوضح أن الفترة الماضية شهدت الدولة العديد من التحركات الكبيرة فى هذا الصدد بدأتها السيارات الملاكى، والميكروباصات ذات فئة 14 راكبًا عبر المبادرة الرئاسية لإحلال وتجديد المركبات التى مر على إنتاجها أكثر من 20 عامًا، بأخرى جديدة منتجة ومجمعة محليًا مدعومة بمحرك يعمل بالوقود المزدوج «غاز طبيعى – بنزين».
كما اتجهت الدولة لضخ المزيد من الاستثمارات فى مجال البنية التحتية عبر تدشين محطات غاز طبيعى فى كل أنحاء الجمهورية، بهدف دعم المشروع القومى للاعتماد على الغاز الطبيعى كوقود للسيارات بشتى أنواعها بعد سلسلة الاكتشافات الأخيرة، ووجود فائض فى الإنتاج، ورغبة الدولة فى تقليل فاتورة استيراد المواد البترولية.
واختتم رئيس قطاع مبيعات الشاحنات بشركة جى بى أوتو تصريحاته بشأن زيادة أسعار الشاحنات فى مصر مؤخراً، وذلك بعد الزيادات الأخيرة فى أسعار صرف العملات الأجنبية، والشحن البحرى.
من جانبه، توقع نظمى واصف، مدير عام سكانيا للشاحنات والحافلات بشركة الهندسية للسيارات SMG، وكلاء بورش والعديد من العلامات التجارية فى مجال قطع الغيار، أن تشهد سوق الشاحنات فى مصر تحولًا كبيرًا إلى الغاز الطبيعى بدلًا من الديزل بحلول عام 2025، خاصة فى ظل الخطوات الكبيرة التى تتخذها القيادة السياسية الحالية للاعتماد عليه وقود للمركبات فى مصر بشتى أنواعها، مرجحًا أن تبدأ الحكومة اتخاذ خطوات جادة فى تحويل سيارات النقل خاصة النقل الثقيل خلال الشهور القليلة المقبلة.
وأشار إلى أن «الهندسية للسيارات» كانت لها المبادرة فى هذا المجال بعد أن أعلنت فى عام 2018، بالتزامن مع تقديم الجيل الجديد من شاحنات سكانيا، طرح أول مركبة عاملة بالغاز الطبيعى فى مصر، مؤكدًا أنه على مدار السنوات الأربع الماضية تمكنت الشركة من تسليم العديد منها فى السوق المحلية، ونجاحها فى كسب ثقة العميل.
وبين أن الشركة قبل طرح الشاحنة أجرت سلسلة من الاختبارات عليها، للتأكد من ملاءمة الغاز للمحرك، وعدم تعرضه لمشكلات تؤثر على كفاءته، مؤكدًا أنها ساهمت بشكل كبير فى تقليل نفقات التشغيل للشركات والمؤسسات التى نفذت عليها عمليات شراء بنسبة تصل إلى %30 مقارنة بالعاملة بالديزل.
وأضاف: فى عام 2018 ظهرت أول شاحنة ثقيلة عاملة بالغاز الطبيعى، فى الوقت الذى كانت تعانى الطرق المصرية عدم توافر محطات غاز، لكن الوضع الآن بات مختلفًا خاصة بعد أن بات الاعتماد على الغاز مشروعًا قوميًا وضخ الحكومات استثمارات كبيرة للغاية فى مجال التوسع فى محطات الغاز فى جميع أنحاء الجمهورية.
وتستطيع شاحنات سكانيا العاملة بالغاز الطبيعى نقل حمولة تصل إلى 100 طن، كما أنها توفر ما يزيد على %40 من مصاريف تزويدها الوقود، إذ تستهلك الشاحنة غازا بقيمة 139 ألف جنيه وقود خلال 100 ألف كم، فيما تصل إلى القيمة إلى ما يقرب من 250 ألف جنيه فى حال تشغيلها بالسولار لنفس المسافة.
وفيما يتعلق بالصيانة، تصل تكلفة صيانة 100 ألف كم لشاحنات سكانيا 97 ألف جنيه، وترتفع فى المركبات العاملة بالديزل إلى 123 ألفًا، وفقًا لما أعلنته شركة الهندسية للسيارات وكلاء شاحنات سكانيا فى مصر.
وعلى الجانب الآخر، قال مصدر مسئول بأحد توكيلات الشاحنات الأوروبية، فضل عدم ذكر اسمه، إن الغالبية العظمى من مصنعى الشاحنات الثقيلة تخلو عن الخطط التى تستهدف الاعتماد على أى وقود تقليدى، سواء غاز أو بنزين أو ديزل فى سبيل التوجه بالكامل لإنتاج شاحنات خضراء بهدف السيطرة على الزيادات المستمرة فى معدلات التلوث.
وأشار المصدر إلى أن التحول فى خطط إنتاج محركات الشاحنات خاصة فى القارة الأوروبية، جاء بعد أن أثبتت النتائج عدم قدرة الديزل والغاز على الوصول المستهدفات الحكومية من معدلات الانبعاثات، علاوة على تأثر حجم حمولة الشاحنة حال توفرها بمحرك CNG.
وبين أن الشاحنات فى مصر لديها قدرة حمولة تصل إلى أكثر من 300 طن فى المرة الواحدة، إلا أن نفس الشاحنة فى حال توافرها بمحرك يعمل بالغاز الطبيعى فإنها لن تتمكن من نقل أكثر من 100 طن فى الحمولة الواحدة، ما دفع المصنعين لإقصارها على الشاحنات الخفيفة والشاحنات المتوسطة.
وأوضح أن تحويل السيارات الملاكى والأوتوبيسات بشتى أنواعها بداية من الميكروباص ذات سعة 14 راكبا وحتى 52 راكبا قد يكون مجديًا من الناحية الاقتصادية خاصة المتعلقة بمصاريف التشغيل، خاصة بعد الزيادات الأخيرة فى أسعار البنزين والسولار.
أما فيما يتعلق بالشاحنات الثقيلة، فقد تكون بحاجة إلى إعادة نظر على المدى الزمنى المتوسط، والطويل مقارنة بالملاكى والأتوبيسات، فى ظل اعتماد التكلفة على عدد من المعايير فى مقدمتها سعر الشاحنة، ووزن الحمولة، وتكلفة نقل الطن.
وفى سياق متصل، نشر موقع ستاتيستا إحصائيات عن مبيعات شاحنات CNG فى أوروبا على مدار الفترة من 2018 وحتى نهاية العام الماضى، والتى شهدت الوصول إلى أقصى مستوى لها فى عام 2020 قبل ظهور وتفشى فيروس كورونا المستجدة.
وذكر الموقع أن مبيعات الشاحنات التجارية الثقيلة العاملة بالغاز الطبيعى فى أوروبا بلغت فى عام 2018 ما يقرب من 2731 شاحنة، وارتفعت بنسبة تصل إلى %10، لتسجل 3004 مركبات.
وقفزت مستويات مبيعات الشاحنات الثقيلة العاملة بالغاز الطبيعى فى قارة أوروبا إلى أعلى مستوى لها فى عام 2020 بعد أن سجلت مبيعاتها 3421 مركبة، بنمو %13.9 مقارنة بمبيعات فى العام السابق.
وتسببت سياسات الإغلاق العام التى أعلنتها الدولة مع ظهور الجائحة فى تراجع مبيعاتها بنسبة تصل إلى %54، لتهبط إلى 1581 مركبة بنهاية 2021.
وفيما يتعلق بالشاحنات الخفيفة العاملة بالغاز، أظهرت البيانات تمكن أوروبا من تسليم 8140 مركبة فى عام 2018، وارتفعت إلى أعلى مستوى لها فى عام 2019، لتصل إلى 10.072 شاحنة فى عام 2020، بنمو %23.7، وتراجعت فى عامى 2020، و2021، لتصل إلى 7636، و4038 مركبة على الترتيب.