هل نقطة ثابتة في سوق متغير؟ سؤالًا – ميتافيزيقيًا أو أنطولوجيًا- طرحه الإتحاد المصري للتأمين، محاولًا من خلاله الإجابة ، بإيضاح دور وسيط التأمين في الصناعة، وأهميته كرقم فاعل في معادلة نموها، رغم التحديات والضغوط الهائلة التي تتعرض لها الصناعة.
قد يتطوع البعض الإجابة علي تساؤل، ويحيلنا إلي الفيلسوف اليوناني هِرَقْليطُس – المولود في القرن السادس قبل الميلاد عصر ما قبل سقرط – والمعروف بالفيلسوف الباكي، والذي إشتهر بإصراره على أن الوجود في تغير دائم باعتبار التغير هو الجوهر الأساسي في الكون كما جاء في قوله “لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين أبدًا”.
، كانت إجابته مختلفة نسبيًا، فهو وإن قطع بأهمية الوسطاء، وأنهم نقطة ثابتة في سوق التأمين العالمية المتغيرة بطبيعة الحال، مستندًا في ذلك لوصف D.E.W.Gibb في كتابة Lloyd’s of London: A Study in Individualism ، إلا أن ثبات هذا التصور لايحول دون وجود عددًا من التحديات سواء التي تواجه الوسطاء، أو شركات التأمين، التي أُضطرت لمواكبة التغييرات بإتباع أساليب التسويق، الغير تقليدية، مستوعبة هذا التطور في عالم الرقمنة.
ومن ينكر أن التحديات الحالية والمستقبلية، باتت تشكل في مجملها ضغوطًا علي– ويجب أن تؤخذ علي محمل الجد للمحافظة علي الوسطاء- فهو غير مُدرك للتغييرات نفسها وللتحديات التي اصبحت شاهدة دون جدل لنكرانها، لأسباب أهمها الاختلاف الجذري في هيكل قنوات التوزيع لصناعة التأمين.
الكيان التنظيمي- أقصد – حاول في نشرته الأسبوعية، التي عنونها بـ ” دور وسيط التأمين في المستقبل” أسهب في شرح تطور صناعة التأمين، وتأثيره بالتبعية علي دور الوسطاء، بتنوع هياكلهم وتعدد أشكالهم ، إلا أنه طرح تساؤلًا هو لُب وجوهر الموضوع، وملخصه ” هل سيستمر الوسطاء في لعب دور مركزي، أم سيتغير دورهم؟”.
السؤال الذي طرحه ، يؤكد بشكل غير مباشر نظرية ” هِرَقْليطُس”، وهي أن التغير سمة الوجود ، أو أن الوجود في تغير دائم.لم يترك الكيان التنظيمي القارئ، لإستنباط الإجابة، والولوج في نظريات فلسفية قد يعتقدها البعض سفسطة- رغم خطأ هذا الإعتقاد- ، وأجاب عليه – اي التساؤل- بأن صناعة التأمين تتعرض لضغوط هائلة ، وتضطر شركات التأمين تحت ضغط هذا التطور الرقمي على تغيير أساليبها التقليدية في ممارسة نشاطها.
ووصف هذا التغير تحت وطأة هذه الضرورة ، بأنها ليست بالأمر الهين، أي أنه من الصعوبة بمكان تغيير تلك العمليات الراسخة بالنسبة لصناعة قديمة أو عتيقة مثل التأمين.
لكن هناك شرطان ضروريان لاثالث لهما ، لكي تلحق بركب التطور الذي طرأ على صناعة التأمين، أولهما ضرورة تنبه شركات التأمين إلي توفير مزيج سلس بين التسويق الرقمي والأخر الذي يعتمد علي العنصر البشري، وأما الشرط الثاني ، فهو مسؤولية وسطاء التأمين نفسهم ، بمعني أن يقوموا بدور يجعلهم قيمة مضافة، ومن ثم فيكون الإستغناء عنهم أمرًا صعبًا.
الشرطان الذي وضعهما الإتحاد المصري للتأمين، يعبران عن حياديته في الطرح، فرغم أنه الكيان التنظيمي المنوط به الدفاع عن مصالح شركات التأمين، إلا أنه لم ينكر مسؤوليتها في جدلية الوسيط في المستقبل، وهل سيستمر نقطة ثابتة في سوق متغير، ام أنه سيتغير ليؤكد نظرية هِرَقْليطُس؟ إلا أنه في الوقت نفسه لم يخلي مسؤولية دور الوسطاء أنفسهم للحفاظ علي كينونتهم كرقم فاعل في معادلة النمو.