هل نضرب السد؟

هل نضرب السد؟
محمد بكري

محمد بكري

7:13 ص, الأثنين, 28 يونيو 21

أخطر سؤال، هل نضرب سد «النهضة الإثيوبي»، وسيلة تنميتها الاقتصادية، وإخراج البلاد من الفقر، نتيجة اعتبارها استيلاء مصر والسودان على حقها بمياه النيل، بما سبب طول فقرها؟

أم نضرب السد (مانع نهضة مصر)، وتحقيق كفاحها للوجود والتنمية والرخاء وتمركزها بطريق الحرير الجديد، واستفادتها من صندوق تنمية البنى العالمى مع مجموعة السبع؟

أزمة سد النهضة مخطط لها منذ عهد بعيد، مع بداية تلويح أحدهم بإمكانية ضرب السد العالي، وتغريق مصر! ولكن للمصالح التاريخية بمصر ومركزها والاستفادة الجيوسياسية منها عبر العصور، تفتق التدبير عن بديل آخر لقيادتها عن بُعد، مع استمرار الضغط بضرب السد، وتجفيف أراضيها والتحكم بمنسوب الحياة فيها، بحنفية/ محبس من أعلى.. إثيوبيا! فإن كان الهدف المعلن من السد هو توليد الكهرباء، وبداية التنمية الإثيوبية، إلا أن حقيقة تنفيذه وغرضه هو حجب المياه وتعطيش المصريين، لندخل مرحلة الإدارة بالمياه!

يذخر الإعلام بمقالات ومعلومات ودراسات مبدئية عن الأبعاد المختلفة للأزمة واحتماليات الحل العسكرى مقابل الحلول التفاوضية غير المثمرة حتى الآن. الإشكالية أن الخيار العسكرى له توابعه، والصمت عنه له توابعه، واستمرار الدبلوماسية والتفاوض ستمكن إثيوبيا من استثمار الوقت لاستئناف البناء والملء، ليكون التعامل على أمر واقع تم، أصعب وأخطر من منع استكماله أو تحقق ثمرته.

الخط الأحمر الذى وضعه الرئيس عبدالفتاح السيسى هو نقصان كمية مصر من المياه وليس بقاء السد، وهذا العام وبالتعلية المتاحة لن يتاح تخزين أكثر من 4 مليارات متر مكعب مياه، مقابل 13 مليارًا كان مُزمعًا تخزينها من إثيوبيا، وهو ما كانت تستهدفه مصر من الاتفاق الملزم قانونًا.

اعتبار الخط الأحمر إذن ليس ضرب أو هدم السد، ولكن عدم المساس بكمية مصر من المياه، ويتحقق بحلول هندسية فنية قابلة للتنفيذ، وتحقق مصلحة مصر والسودان وإثيوبيا معًا، ويعتبرها الرفض الإثيوبى تدخلًا بشئونها وملكيتها للنيل الأزرق وحرية إرادتها لتحقيق تنميتها برؤيتها.

ممارسة إثيوبيا لحقوقها توصم بإساءة استخدام الحق، وتأكيد الغرض الحقيقى للسد للإضرار بدول الجوار، وتعمد إيقاع نتائج كارثية يُتحكم بتدرجها بمصر والسودان، حتى يصلا لمرحلة التركيع وبدء سياسة الإدارة بالمياه أو خطة الحنفية!

لا توجد دراسات فنية رسمية نهائية توضح أضرار السد بشكل محدد على مصر! فحتى الآن ما زالت مرحلة المفاوضات لم تتجاوز عتبة الموافقة على التقرير الاستهلالى الخاص بدراسات السد، فالمخاوف من السد شقان، أولهما يتعلق بجسد السد، ومدى تلاؤمه لظروف المنطقة المشيّد عليها، ومدى جودة تصميمه، والآخر متعلق بحجم المياه التى سيحجبها السد من حصة مصر البالغة 56 مليار متر مكعب سنويًا، والتأثير على سكانها وأراضيها الزراعية.

التصميم المبدئى لم يوضح سوى الطبيعة العامة للسدّ، دون ذكر تفاصيل حول مدى ملاءمة جسم السدّ لظروف المنطقة المشيّد عليها، فالتصميمات الإنشائية لأساسات «سد النهضة» لا تأخذ بالاعتبار انتشار الفواصل والتشققات الكثيفة الموجودة بالطبقة الصخرية أسفل السد، بما يهدد بانزلاقه وانهياره.

وحذرت دراسة أستاذ السدود والمياه بجامعة كيوتو اليابانية «سامح قنطوش»، من تراكم الطمى داخل بحيرة سد النهضة نتيجة عدم وجود فتحات كافية عند القاع لتمرير المواد الرسوبية، ما يزيد لاحتمالات انهياره! إحدى الدراسات المقدمة لأحد أساتذة كلية الزراعة بجامعة القاهرة، توضح خسارة مصر %51 من أراضيها الزراعية حالة ملء الخزان فى 3 سنوات، وكسيناريو كارثى سيؤثر تأثيرًا بالغًا على الغذاء المتوافر، ويثمر بطالة عشرات الآلاف من العاملين بدولة يعمل ربع سكانها بالزراعة.

ضرب سد نهضة إثيوبيا الآن قبل اكتمال الملء، ستكون له آثار تدميرية محدودة، ولكنه أيضًا قد يعلن مصر منطقة حروب أو كوارث، تحسبًا لرد فعل إثيوبيا، وهو ما سيؤثر حتمًا على رؤى وتنمية الدولة الجديدة والجمهورية الثانية، وخطط مستقبلها الاقتصادى والقيادى كبوابة أفريقيا وأحد مراكز التجارة الدولية الجديدة.

على صعيد آخر، انتظار تفعيل عودة أمريكا للصورة كاملًا، وتفضيلها عدم الخيار العسكرى لحل الأزمة، سيكسب أثيوبيا وقتًا لاستكمال الإنشاءات الباقية والملء المطلوب، بما سيصعب تفاوض مصر على واقع تم، ويخفض خيارات رفضها وتعديلها للحلول الجديدة.

سؤال هل نضرب السد، له صور متعددة (لنوعية الضرب) المستهدفة تحقيق منظومة عوائق سياسية، فنية، مادية، داخلية، كلها تجبر أثيوبيا على حسم الأزمة تفاوضيًا، وبأقل أضرار عسكرية.

قد تكون هذه المنظومة بالتوازي: إعداد مصر قائمة خيارات: تفاوض جديدة لحل الأزمة مع بقاء السد – استمرار سياسة الردع ومناورات مع السودان وتعزيز دعمها اقتصاديًا، لمنع فخ إغوائها من أثيوبيا بالكهرباء ومساعدة تنميتها – بناء ملف قانوني، فني، سياسي، تاريخى متكامل جديد، بهدف إعادة صياغة الصورة الذهنية للأزمة أمام العالم وبلورة التعنت السياسى الأثيوبى لإساءة استخدام حقوقه، بالمخالفة لإعلان المبادئ والأعراف الدولية وتأصيل حق مصر والسودان فى الدفاع الشرعى – شكوى قانونية فنية استراتيجية، لمجلس الأمن وطلب تدخل قوات الطوارئ الدولية – دعوى عاجلة بإيقاف أعمال استكمال وملء السد أمام محكمة العدل الدولية، بطلب لجنة خبراء دولية لإثبات حالة السد والأضرار الناتجة عنه والتعسف الأثيوبى فى إدارة حقه إضرارًا بالجيران – ضغوط جديدة لتدويل منطقة السد – تغيير المكتب الهندسى المتولى دراسات السد أو تطعيمه بخبرات اقوى- تسريع إنجاز مشروع نهر الكونغو- دعم العلاقات مع إريتريا واستثمار حرج أزمة تيجراى – استمرار التنسيق والتحالف مع الدول المحيطة وخلق مصالح مشتركة – دراسة توجيه ضربة ردع استباقية محدودة لمناطق محددة بالسد تعوق ملئه – استكمال التأمينات الهندسية بمفيض توشكى وفارسكور.

وكما قال كبلنج (إذا استطعت الاحتفاظ برباطة جأشك عندما يفقد من حولك رباطة جأشهم ويلومونك بسببها، إذا استطعت تثق بنفسك حينما يشكك فيك كل من حولك، ولكنك تراعى شكوكهم أيضاً – فستكون رجلًا يا بُني).

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com