تتوالى التأثيرات على السوق المحلية، جراء تتابع الأحداث التى تشهدها الساحة العالمية من استمرار تأزم سلاسل التوريد وتداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلى جانب معدلات التضخم المرتفعة التى تبعها قرار صدر مؤخرًا من جانب الفيدرالى الأمريكى لرفع أسعار الفائدة هناك.
ولم تكن السوق المحلية بمنأى عن تلك التأثيرات، بعدما أثار قرار الفيدرالى الأمريكى عدة مخاوف، وعلى الرغم من كثرة اللغط حول هذا الأمر، فإن بعض البوادر السلبية بدأت فى الظهور على الصعيد المحلى من ارتفاع فى أسعار السلع ومعدلات التضخم وزيادات قادمة محتملة لأسعار الفائدة.
وكون جميع الدوائر مرتبطة ببعضها البعض، حاولت «المال» رصد آراء الخبراء حول إمكانية تأثر خريطة الاستثمار المباشر خلال الفترة المقبلة، الذين اتفقوا على أن التأثيرات ستحدث بشكل غير مباشر على التقييمات مع حالة من الهدوء محتملة خلال الفترة القريبة يعقبها رواج على كل الأصعدة.
وكان الفيدرالى الأمريكى قرر مؤخرًا رفع أسعار الفائدة بواقع نصف بالمائة كمحاولة منه لاحتواء معدلات التضخم هناك.
بداية، قال أحمد الجندي، الشريك المؤسس، العضو المنتدب لشركة تنمية كابيتال فينتشرز TCV، إن الساحة العالمية شهدت خلال الفترة الماضية عدة متغيرات، مست أوضاع السوق المحلية.
وقال إن تلك المتغيرات تجسدت فى الأزمات التى شهدتها سلاسل التوريد التى تولدت جراء أزمة فيروس «كورونا» خلال الفترات الماضية، تلاها وقوع الحرب الروسية الأوكرانية، وما نجم عنها من تأثيرات أثرت على بعض الاقتصاديات، ثم حالة التضخم الخارجي، وآخرها قرار الفيدرالى الأمريكى برفع أسعار الفائدة على الدولار.
وأضاف «الجندي»، أن كل تلك المتغيرات أحدثت نوعًا من التأثير على السوق المحلية، خاصة قرار الفيدرالى الأمريكى الذى سينال من أداء الأسواق الناشئة ومن بينها مصر.
وقال إن أوضاع الاستثمار المباشر ستكون بمنأى عن تلك التأثيرات، وإن حدثت ستكون غير مباشرة، متجسدة فى إمكانية تضرر بعض الشركات العاملة فى السوق، ومن ثم تغير النظرة من جانب المستثمرين لها.
وأوضح، أن خطة المستثمر عادة ما تكون قائمة على استغلال الفرص دون التوقف على بعض متغيرات الأسواق دائمة الحدوث، خاصة أن الاستثمارات عادة ما تكون طويلة الأجل .
ولفت إلى أن الظروف الراهنة قد تدفع لحدوث تحرك انتقائى من جانب المستثمرين على الكيانات القادرة على مواجهة التحديات التى قد تخلقها سلسلة الأحداث الحالية.
وأكد أن الشركات صاحبة السيولة المرتفعة ستكون الأكثر قدرة على مواكبة الظروف الراهنة، والأخرى التى لديها مرونة فى تنويع سلاسل الإمداد ما يجعلها قادرة على توفير احتياجاتها من المواد الخام دون تأخير وبأسعار معقولة، وبالتالى تمكنها من الاحتفاظ بحصتها السوقية.
وتجدر الإشارة إلى أن معدلات التضخم السنوى لإجمالى الجمهورية فى أبريل الماضى، ارتفعت لتصل إلى %14.9، مقابل %12.1 فى مارس السابق، وذلك وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة مؤخرًا، وتخطى معدل التضخم السنوى فى المدن مستهدفات البنك المركزى المصرى بعد أن ارتفع إلى %13.1 مقابل %10.5 فى مارس.
وفى سياق متصل، قال وائل زيادة، المؤسس، الرئيس التنفيذى بشركة «زيلا كابيتال»، إن الأزمات بمختلف أنواعها عادة ما تولد نوعًا من الاهتمام بقطاعات دون غيرها.
وأضاف أنه فى فترات «كورونا» ظهر اهتمام كبير بالكيانات العاملة بالمجال التكنولوجي، موضحًا أن الظروف الحالية مختلفة عن نظيرتها السابقة، كونها متعلقة بتهدئة كل الأزمات الخاصة بالتضخم ومعدلات النمو وغيرها.
ولفت إلى أن السوق المحلية متأثرة بارتفاع معدلات التضخم المستورة من الخارج، إلى جانب عدة عوامل أخرى متعلقة بارتفاع أسعار الفائدة المُحتمل، إلى جانب الزيادات المُرجحة أيضًا فى أسعار السلع.
وأوضح أن هذه الظروف ستؤثر بلا شك على معدلات النمو بالشركات العاملة أيا كان الذى تعمل به، نتيجة تضرر عمليات الطلب، وهو ما سيؤثر فى النهاية على التقييمات.
وتابع أن انخفاض التقييمات إما أن تزيد من جاذبية صفقات الاستحواذ وإما سيضعفها، موضحًا أن الطلب سيظل متجه نحو قطاع التكنولوجيا بمختلف مجالاته، إلى جانب ظهور اهتمام جديد للشركات العاملة بأنشطة الطاقة كالبترول وغيرها جراء الأزمات الحالية.
وقال محمود سليم، الخبير بسوق المال، إن الظروف الحالية الواقعة على الساحة العالمية التى امتدت تأثيرات لكل الأسواق -ومن ضمنها المصرية- ستؤثر على معدلات الطلب عالميًا.
وقال إن ضعف معدلات الطلب سيؤثر على وضع الشركات بمختلف القطاعات، ومن ثم احتمالية تضرر تحركات الاستثمار المباشر، مضيفًا أن ارتفاع معدلات الفائدة قد يسحب جزءا من السيولة لتوجه لأدوات الدخل الثابت.
وأوضح «سليم» بشكل عام، أن القطاعات الدفاعية ستظل الأفضل لقدرتها على التماسك ومواكبة معدلات التضخم المحتملة.
وقال خالد موسى، المؤسس، الشريك الإدارى بمكتب «egyptian law firm» للاستشارات القانونية، إن الظروف الحالية قد تؤثر على آليات العرض والطلب فى السوق.
ولفت إلى أن توجهات المستثمرين الأفراد قد تتعرض للقصور خلال الوقت الحالى بعد تأثيرات كل الظروف التى تشهدها الساحة على الصعيدين المحلى والخارجي، وعلى رأسها ارتفاع أسعار الفائدة.
وأضاف «موسى»، أنه من المتوقع أن تشهد صفقات الاستحواذ حالة من الهدوء خلال الفترات المقبلة، خاصة مع توالى استمرار الأزمات على كل الأصعدة وحدوث حالة من عدم اليقين والشفافية فيما هو قادم.
وقال إن فترات الهدوء تلك ستؤدى إلى ضعف فى التقييمات، وبالتالى محاولة لاقتناص الفرص يعقبها فترة رواج فى عمليات الاستحواذ من جانب صناديق الاستثمار على الكيانات.
ولفت «موسى» إلى أن الأزمة لا تزال فى بدايتها خلال الوقت الحالي، ولم تظهر أى آثار فعلية بخصوصها فيما يخص تلك العمليات.
وتجدر الإشارة إلى أن السوق المصرية شهدت خلال الفترة الأخيرة، وتحديدًا منذ الانخفاض الأخير لقيمة العملة المحلية، مجموعة من صفقات الاستحواذ، كان على رأسها الإعلان الفورى لصندوق “أبو ظبى السيادى” بضخ استثمارات بقيمة 2 مليار دولار فى عدة شركات مقيدة.
وجاء قرار الصندوق مباشرة عقب إعلان البنك المركزى المصرى برفع سعر الفائدة، والحدث الذى تلاه حينها بانخفاض حوالى %20 من قيمة العملة المحلية، وبالفعل بدأ الصندوق الأسبوع الماضى تنفيذ صفقات شراء مكثفة فى مجموعة من أبرز الأسهم المصرية، بما يعادل 1.8 مليار دولار، إلى جانب إعلان شركة (Expedition Investment) عن نيتها فى تقديم عرض شراء غير ملزم على %90 من أسهم شركة «الصناعات الغذائية العربية دومتى».
ومنذ أيام قام صندوق استثمار هولندى بالاستحواذ على حصة أغلبية من أسهم شركة جلوبال كورب للخدمات المالية بقيمة إجمالية تصل إلى 915 مليون جنيه.