شهدت الفترة الماضية منافسة قوية بين صناديق استثمار ورأسمال مخاطر عربية وأجنبية على ضخ تمويلات بملايين الدولارات فى الشركات الناشئة المصرية، مقابل الحصول على حصص من أسهمها، فى إطار خطط الصناديق للتوسع فى السوق المصرية باعتبارها مركزًا محوريًا بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
“المال” استطلعت آراء عدد من مديرى صناديق رأسمال المخاطر وخبراء الاستثمار فى الشركات الناشئة حول إلى أى مدى تمثل هذه التمويلات رافدًا من روافد الاستثمار الأجنبى المباشر FDI لمصر، وأجمعوا أن جزءًا ضئيلًا من رؤوس الأموال التى تجتذبها هذه الكيانات يستفيد منها السوق المحلية، ويتم توجيه الجزء الأكبر لصالح حساباتها البنكية فى أسواق أخرى، بهدف دعم خططها التوسعية.
عكاشة: تسهم فى زيادة احتياطى النقد الأجنبي
قال محمد عكاشة، مؤسس صندوق ديسربتيك للاستثمار فى شركات التكنولوجيا المالية الناشئة، إن ثلثى حجم التمويلات التى تجمعها الشركات الناشئة تمثل استثمارات اجنبية مباشرة للدولة، سواء من مستثمرين عرب أو أوروبيين.
وأوضح “عكاشة” أن التمويلات الدولارية يتم تحويلها لحساب الشركات الناشئة فى البنوك المصرية، وتسهم بدورها فى تعزيز الاحتياطى من النقد الأجنبي، معتبرًا أن مصر تعد بالنسبة للمستثمرين من كبرى أسواق المنطقة، فى ظل النمو المتزايد بقطاع الشركات التكنولوجية وتحول المستهلكين أكثر صوب الخدمات الرقمية.
عبد الغفار: 500 مليون دولار تجتذبها سنويًا.. وتدخل فى حسابات أوف شور بموريشيوس ودبي
فى سياق متصل، أكد الدكتور هشام عبد الغفار، مؤسس صندوق “ميناجروس” لرأسمال المخاطر، أن المبالغ المالية التى تدخل البلاد فى صورة استثمارات أجنبية مباشرة “زهيدة”، ولا تحدث التأثير الإيجابى المتوقع على الاقتصاد.
وتابع “عبد الغفار” أن المبالغ التى تجمعها الشركات الناشئة كتمويلات لا تتعدى 500 مليون دولار سنويًا، لافتًا إلى معظم هذه التمويلات تستقطبها شركات مصرية فى حسابات بدول أخري، منها موريشيوس ودبي، فى ظل غياب الأطر القانونية المنظمة للاستثمار بها، وقواعد تأسيس الشركات كاتفاقيات المساهمين، الأمر الذى يدفع بمؤسسيها للتوسع خارجيًا.
وأوضح أن الشركة الناشئة التى يتم افتتحها فى تلك الدول تقوم بالاستحواذ على أسهم الشركة المؤسسة لها فى مصر، معتبرًا أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى هذا الصدد يشوبها –على حد تعبيره- نوع من الالتفاف وهو أمر متعارف عليه فى مجتمع الشركات الناشئة منذ ما يقرب من 10 أعوام.
إسماعيل: ضرورة وضع إطار تشريعى أولًا بدون غموض
وقال الدكتور خالد إسماعيل، الشريك المؤسس لصندوق “هيم إنجلز” لرأسمال المخاطر، إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تعنى تدفق العملة الصعبة للاقتصاد المصري، الأمر الذى يؤثر بالإيجاب على سعر الصرف ويدعم موقف الاحتياطى النقدى الأجنبي.
وأوضح “إسماعيل” أن العوامل الجاذبة للاستثمار الأجنبى المباشر تتمثل فى وجود كيانات قادرة على تحقيق هوامش ربح مرتفعة، علاوة على سن إطار تشريعى مناسب دون أى غموض أو مفآجات – على حد تعبيره- بما يسهم فى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية.
وأضاف أن صفقات الاستحواذات التى تشهدها السوق المصرية على الشركات الناشئة تعنى مزيدا من الأرباح للمؤسسين والتخارج من أى أعمال إدارية، فى الوقت ذاته تضع ضغوطا على الشركات نفسها لمزيد من التوسعات.
أبو خضرة: حجم السوق وقدرتها على استيعاب خدمات يلعبان دورًا مؤثرًا
وأكد محمد أبو خضرة، خبير التكنولوجيا المالية، أن عملية تأسيس الشركات الناشئة تعد واحدة من أبسط طرق جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة أن مؤسسيها لديهم القدرة على التواصل المباشر مع مستثمرين أجانب.
وقال “أبو خضرة” إن المستثمرين يستغرقون وقتًا أقل فى اتخاذ قرارات ضخ تمويلات بالشركات الناشئة، خاصة بالسوق المصرية، فى ظل وجود فرص واعدة تؤكد احتمالات تحقيق معدلات نمو مرتفعة فى وقت قصير، لافتًا إلى أن حجم السوق المصرية وقدرتها على استيعاب العديد من الخدمات تلعب دورًا محوريًا فى حسم قرار أى مستثمر، سواء كان فردًا أو صندوق استثمار.
واستشهد بتجربة تركيا التى اعتمدت على طرح عدد من شركاتها بالبورصة لجذب الاستثمارات، وهو الأمر التى بدأت الحكومة المصرية تطبيقه أيضًا من خلال التخارج من حصصها فى بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية، تزامنًا مع موجة التحول الرقمى الذى تشهده البلاد فى الآونة الأخيرة.
وتابع أن تحرير سعر الصرف يشكل عاملا مهما من عوامل الجذب للاستثمارات الأجنبية، لكنه فى نفس الوقت يخلق تساؤلا حول إمكانية وسرعة تحقيق الأرباح، فى ظل التغير المستمر لسعر صرف العملة الأجنبية (الدولار).
ولفت إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه أثر سلبًا على المستثمرين الذين قاموا بضخ أموالهم قبل ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية، فى ظل تقلص حجم ارباحهم عقب تحويلها من الدولار إلى الجنيه، خاصة أن المستثمر يتطلع إلى تحويل أرباحه إلى “دولار” خارج البلاد.
وأكد أن الاستثمارات بشكل عام، سواء عن طريق الاكتتاب العام بالبورصة أو استثمارات أجنبية مباشرة تتيح النمو للكتلة الاقتصادية للدولة، الأمر الذى يسهم فى خفض معدلات البطالة والتضخم علاوة على ثبات سعر الصرف.
وقال أيمن أبو هند، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لخبراء الاستثمار، إن تمويلات الشركات الناشئة تمثل جزءا ضئيلا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى يستهدف الاقتصاد القومى جذبها.
وألمح إلى أن قيمة المبالغ أحيانًا لا تتعدى 200 مليون دولار، وفقًا لتقارير البنك الدولى الأخيرة، خاصة أن الجزء الأكبر من التمويلات يدخل لحسابات الشركات فى دول أخرى مثل جزر الكايمن وموريشيوس ولندن ودبي.
وأكد أن الجزء الذى تستقبله مقرات الشركات المصرية يتم توظيفه فى تطوير عمليات الشركات وتنفيذ توسعات خارجية، مبينًا أن التمويلات المباشرة كانت على مرشحة للزيادة الكبيرة قبل قرار البنك الفيدرالى الأمريكى رفع سعر الفائدة على الدولار أكثر من مرة.
وأوضح أن الجزء الأكبر من التمويلات يأتى من خلال مستثمرين فى دول الخليج وأسواق أوروبا وأمريكا.
ورأى يوسف سالم، المدير المالى لشركة سويفل هولدينجز كورب لطلب خدمات النقل الجماعى الذكى عبر المحمول، أن تمويلات الشركات الناشئة تمثل استثمارا أجنبيا مباشرا للشركات التى لديها تواجد على الأراضى المصرية، أما الشركات التى تمتلك فروعًا خارج مصر فتحصل على نصيب الأسد والنسبة الأصغر توجه للوحدة المحلية.
وأوضح “سالم” أن مصر تعتبر السوق الأكبر حجمًا من وجهة نظر الشركات المتواجدة بالخارج، علاوة على وجود أكبر قدر من الموظفين بالمقرات المصرية.
وتابع أن فريق العمل الذى يتابع سير العمليات يتواجد بمقر الشركة بمصر، إلى جانب تواجد مطورى تقنيات تلك الشركات، منوهًا بأن السوق المصرية مليئة بالكوادر أصحاب الكفاءات، كما تتميز بانخفاض تكلفة العمل، مقارنة بالأسواق المجاورة.
وأكد أن جزءًا من التمويلات المباشرة يأتى من خلال استحواذ شركات إقليمية على أخرى مصرية، مستشهدًا بشركة “ساري” السعودية التى استحوذت على شركة “مورد” المصرية الناشئة.
وقال محمد حسام خضر، أحد خبراء الاستثمار وريادة الأعمال، إن هناك عددا من بنود قوانين إنشاء الشركات والاستثمارات ينبغى تعديلها من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المصرية.
وشدد على أهمية وجود قوانين تحمى حقوق الأقلية من المساهمين فى الشركات الناشئة، إلى جانب ضرورة وجود تعديلات على قوانين الضرائب وسهولة التحويلات البنكية.
وتابع أن الشركات الناشئة المصرية التى تحصل على تمويلات من صناديق أجنبية هى كيانات مسجلة خارج البلاد فى مدينة دبى ودولة هولندا وولاية ديلاوير بامريكا- على سبيل المثال، مضيفًا أن المعاملات المالية تتم بين الشركتين على هيئة تصدير حلول أو خدمات، وليس على هيئة استثمارات أجنبية مباشرة.
واستشهد بتجربة الهند التى قامت بتنقيح القوانين لإتاحة دخول الاستثمارات مباشرة إلى شركاتها، الأمر الذى أسهم فى زيادة معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، علاوة على ارتفاع المؤشرات الاقتصادية الهندية.
وكانت مسرعة الأعمال “فلك” قد أصدرت منذ عدة أسابيع قائمة بأكثر 14 كيانًا ناشئًا حصدًا للتمويلات فى مصر خلال العام الحالى يعمل فى قطاعات التكنولوجيا المالية والعقارية وتكنولوجيا النقل والتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية، علاوة على تكنولوجيا الطاقة والبنية التحتية .
وتصدرت القائمة شركة «Paymob» لحلول المدفوعات الإلكترونية التى حصدت 50 مليون دولار، مقابل 46 مليونا لـ «Instabug» لحلول تكنولوجيا البرمجة التى حلت فى المركز الثاني.
وجاءت شركة «خزنة» للتكنولوجيا المالية فى المركز الثالث لحصدها تمويلات بقيمة 38 مليون دولار، مقابل 25 مليونًا حصدتها «Brimore» لحلول تجارة التجزئة رابعا.
وحلت «lucky» المتخصصة فى تقديم حلول التكنولوجيا المالية فى المركز الخامس بحصدها لتمويلات بقيمة 25 مليون دولار، مقابل 20 مليونًا حصدتها منصة «Thndr» المتخصصة فى تداول الأسهم التى جاءت سادسًا.
بينما حصدت شركة «Pylon» المقدمة لحلول الطاقة الذكية وإدارة البنية التحتية المركز السابع بإجمالى تمويلات قيمتها 19 مليون دولار .
واحتلت شركة «Sylndr» للتجارة الإلكترونية المركز الثامن بإجمالى تمويلات 12.6 مليون دولار، بينما جاءت «نقلة» لحلول النقل الذكى فى المركز التاسع بإجمالى تمويلات 10.5 مليون، مقابل 9.6 مليون دولار جمعتها «Mylerz» لتكنولوجيا توصيل الطلبات التى جاءت عاشرًا.
أما شركة وصلة «Wasla» لخدمات التسوق الإلكترونى فحلت فى المركز الحادى عشر لحصدها تمويلات بقيمة 9 ملايين دولار، مقابل 7 ملايين حصدتها شركة «يلا فى السكة YFS » للخدمات اللوجستية الذكية التى احتلت المركز الثانى عشر.
واحتلت شركة «ناوى» للتكنولوجيا العقارية المركز الثالث عشر بإجمالى تمويلات بقيمة 5 ملايين دولار، مقابل 5 ملايين دولار حصدتها شركة «Milezmore» لتكنولوجيا توصيل الطلبات التى جاءت فى المركز الرابع عشر .