تشهد أسعار البترول العالمية تراجعا ملحوظا عقب أزمة فيروس كورونا التى ضربت دول العالم مؤخرا وخفضت معدلات الطلب العالمى، وسط تخمة الإنتاج والمعروض، الأمر الذى يثير تساؤلات بشأن مدى قدرة مصر على الاستفادة من التدهور الحالى فى الأسعار فى مضاعفة طاقات استيراد وتخزين الوقود ومشتقاته.
هوت أسعار البترول العالمية بإجمالى 66% منذ مطلع العام الجارى حتى نهاية مارس الماضى، بعد أن كانت تدور قرب متوسط 65 دولارًا للبرميل قبل أزمة كورونا، لتتراجع تدريجيا بعدها إلى أن انهارت مقتربة من مستوى 20 دولارًا مارس الماضى.
لكن الأسعار بدأت تتعافى وصعدت مجددا لمستوى يقارب 33 دولارًا للبرميل منتصف الاسبوع الماضى، عقب اتفاق «الأوبك +» منذ أيام بتخفيض سقف الإنتاج، لاستعادة توازن السوق والأسعار مجددا الفترة المقبلة.
مسئول حكومى: بدأنا خطوات زيادة واردات الزيت الخام.. ونمتلك مواقع عديدة للتخزين من ضمنها «سوميد»
كشف مصدر مسئول فى قطاع البترول لـ»المال» أنه تم البدء بالفعل فى تنفيذ أولى خطوات زيادة الكميات التى يتم استيرادها وتخزينها من البترول الخام، وأن مصر تمتلك مواقع تخزين تسمح لها بتنفيذ ذلك مثل «سوميد» وغيرها، قائلا: « نمتلك سعات للتخزين ولكن بقدرات وكميات محددة ».
تابع: «نركز على زيادة استيراد وتخزين الزيت الخام وليس المشتقات البترولية، لا سيما أن إنتاج مصر الحالى من المشتقات والكميات التى يتم استيرادها عبر المناقصات كافية لتلبية احتياجات السوق المحلية».
قال: «احتياجات السوق المحلية شهدت تراجعا كبير وملموسا قاربت نسبته 50% عقب القرارات التى طبقتها الحكومة لمواجهة أزمة فيروس كورونا».
أضاف المصدر أن السولار والبوتاجاز الأكثر استيرادا، مؤكدا ارتفاع حجم الإنتاج المحلى من المشتقات عقب تشغيل مشروع المصرية للتكرير فى مسطرد، وإنهاء مجموعة من مشروعات تأهيل المعامل وإلحاقها بوحدات متطورة فى أسيوط وغيرها من المناطق.
أشار إلى أن تلك المشروعات انعكست على حجم الإنتاج المحلى من المشتقات بالزيادة، وخفضت من فاتورة استيرادها، لذلك لا يوجد داع لمضاعفة طاقات استيراد وتخزين المنتجات البترولية النهائية عن الاحتياجات الفعلية للسوق، التى تكفى لتوفير رصيد استيراتيجى آمن.
قال المسئول: «حريصون على توفير رصيد استيراتيجى آمن من المشتقات البترولية بشكل عام، وقبل تراجع الخام العالمى، بفترات تصل إلى 15 يومًا».
أضاف أن زيادة معدلات استيراد وتخزين البترول الخام تنعكس بالانخفاض على الكميات التى يتم التعاقد عليها فى المناقصات الجديدة خلال الفترة المقبلة، لأنه سيتم تكرير ذلك الخام المستورد فى المعامل المحلية لتوفير احتياجات السوق، الأمر الذى يخلق وفرًا جيدًا للحكومة، لكن لا يمكن التنبؤ بقيمته حاليا.
جدير بالذكر أن اجتماع منظمة دول الأوبك وحلفائها «الأوبك +» تم خلاله الاتفاق على خفض الإنتاج بواقع 10 ملايين برميل يومياً لمدة 6 أشهر.
كما تم الاتفاق على أنه سيتم خلال الفترة من يوليو حتى ديسمبر 2020 خفض الإنتاج بكمية 8 ملايين برميل يومياً، ويعقب ذلك خفضًا بقيمة 6 ملايين برميل يومياً لمدة 16 شهراً بداية من يناير2021 حتى نهاية أبريل 2022.
كمال: قدراتنا تبدأ من أسبوعين وتصل إلى 3 أشهر فى بعض المنتجات
أكد أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، أن هناك عدة عوامل تحكم تكلفة المشتقات البترولية على الدولة، أبرزها حصة مصر المجانية من إنتاج الخام، وحصة الشريك الأجنبى التى يتم شراؤها، وحجم استيراد البترول من الخارج، والمشتقات النهائية.
عن القدرات والإمكانات التخزينية المتاحة أمام مصر، لاستغلال التدهور الحالى فى الأسعار العالمية، والعمل على استيراد المزيد من شحنات الوقود وتخزينها، قال كمال: «نمتلك قدرات تخزينية مختلفة لخام البترول أو المشتقات تتراوح بين أسبوعين إلى 3 أشهر».
تابع: «البوتاجاز على سبيل المثال من المشتقات التى يمكن تخزينها بكميات كبيرة ولفترات طويلة، لكن يصعب تنفيذ ذلك الأمر مع باقى المنتجات السائلة».
عن آليات الاستفادة من تراجع الأسعار العالمية قال: «على سبيل المثال يمكن تخفيض معدلات استخدام البترول المصرى والاستعانة بالخام المستورد عوضا عنه وتكريره فى المعامل المحلية، لكن ذلك الأمر يؤثر على عمليات الاستخراج».
تابع: «يمكن التقليل من قدرات معامل التكرير الفعلية، والاستعانة باستيراد المشتقات البترولية النهائية عوضا عن ذلك».
أوضح أن مصر تطرح مناقصتها لاستيراد الخام والمشتقات كل 3 أشهر، ويتم الاستفادة من تراجع أسعار الخام العالمية فى المناقصات الجديدة التى تبدأ منتجاتها فى الدخول لمصر نهاية مايو حتى يونيو المقبلين.
أكد امتلاك مصر سعات تخزين جيدة، لكن بكميات محددة، لا يمكن معها التخزين لأجل ممتد أو لأشهر طويلة.
أوضح البيان الختامى الصادر عن اجتماع «أوبك +» منذ أيام، الالتزام بالتعاون والعمل على تحقيق استقرار سوق البترول العالمى والمصالح المتبادلة للدول المنتجة وتأمين الإمدادات للدول المستهلكة وتحقيق عائد عادل على رأس المال المستثمر.
أشار البيان إلى أنه سيتم عقد اجتماع فى العاشر من يونيو 2020 عبر الفيديوكونفرانس بهدف تحديد إجراءات أخرى حسب الحاجة لتحقيق التوازن فى سوق البترول العالمى.
يوسف: مصر لا تمتلك سعات «طويلة الأجل».. ولا يجب إثقال الموازنة بمخصصات استيراد إضافية
أكد مدحت يوسف، الاستشارى البترولى ورئيس شركتى موبكو وميدور الأسبق، أن مصر لا تمتلك قدرات وسعات ضخمة تمكنها من التخزين المتوسط أو طويل الأجل.
قال إن تخزين كميات كبيرة من الخام أو المشتقات، لفترة من شهرين إلى ثلاثة على سبيل المثال، أمر يصعب تنفيذه.
أوضح أن عملية تخزين وتداول المشتقات البترولية لها طبيعة خاصة، ولا يمكن ملء تنكات التخزين بشكل كامل وإغلاقها كما يتخيل البعض لحين الحاجة إليها، ولا بد من وجود سعات فراغية داخل التنكات تسمح باستقبال وخروج المنتجات فى حركة مستمرة.
لفت يوسف إلى أن تنكات تخزين المنتجات بها نوعين من الرصيد، الأول يطلق عليه «الرصيد الميت «، والثانى «المتحرك»، والنوع الثانى يتطلب وجود فراغات ومساحات داخل التانك تسمح بدخول المنتج وخروجه فى ذات الوقت، لتلبية احتياجات السوق.
قال: « فى مصر تتحدد سعات التخزين حسب فترات الاستهلاك، فكلما انخفض الاستهلاك ارتفعت السعات التخزينية، والعكس صحيح تنخفض تلك السعات خلال ذروة الاستهلاك فى المواسم على سبيل المثال».
تابع: «لكل منتج بترولى سعات تخزين مختلفة عن الآخر، مضيفا أن الفترة الراهنة شهدت طفرة ملحوظة فى السعات التخزينية للمشتقات مقارنة بالسنوات الماضية، وتمكن القطاع من توفير رصيد آمن يكفى احتياجات البلاد لفترة أسبوعين فى البوتاجاز أو 12 يومًا فى السولار».
قال إن مصر تستطيع تخزين المشتقات البترولية فى الموانىء البترولية المخصصة فى السويس والإسكندرية لكن بكميات محددة ومتحركة، وليست طويلة الأجل أو لمدة شهور.
لفت إلى أن الإسكندرية عبر مينائى الدخيلة والإسكندرية، والسويس من خلال 3 موانىء، تقوم باستقبال الشحنات الموردة من الخارج لمصر وإنتاج شركات تكرير البترول.
تابع: «لا بد من إفراغ مساحات لشحنات المشتقات البترولية المستوردة من الخارج قبل قدومها بيوم على سبيل المثال، وتوفير مساحات فراغية بتنكات التخزين لتنفيذ عملية التسليم وتفريغ الناقلات، وإلا اضطرت مصر لدفع وتحمل غرامات تأخير تفريغ الشحنات الواردة من الخارج».
قال إن معظم شركات الإنتاج المصرية أو المشتركة تربط إنتاجها من الخام بخطوط أنابيب لمعامل التكرير لسرعة النقل، وتقليل استثمارات إنشاء المستودعات التخزينية.
لفت إلى أن سياسة مصر تركز على تلبية احتياجات السوق الداخلية وقطاعاته على مدار العام، عبر الإنتاج المحلى من معامل التكرير، والكميات المستوردة من الخارج عبر المناقصات، مع التركيز على وجود رصيد استراتيجى أمن فى تنكات التخزين يكفيها لعدد محدد من الأيام، فى مواجهة أى ظروف طارئة قد تحدث.
تابع: «الظروف الطارئة المقصودة مثل توقف أحد معامل أو وحدات التكرير عن العمل، أو تعطل قدوم شحنات مستوردة بسبب ظروف خارجية، أو نوات فى الشتاء وغيرها من الظروف التى تحتم وجود رصيد تأمينى لمواجهتها».
أضاف أن مصر تقوم بتنفيذ ذلك بشكل منتظم بناء على حساب دقيق لحجم استهلاك واحتياج السوق، وموازنة مالية سنوية محددة ومعتمدة لا بد من الالتزام بها، وليس من خلال سياسة التخزين طويل الأجل أو المتاجرة.
قال إن مصر تقوم بشراء البترول الخام عبر عقود طويلة الأجل مع السعودية والكويت، ويتم تحديد السعر بناء على متوسط الشهر وقت الشحن والتسليم.
لذلك وفى ضوء تلك المعطيات يرى يوسف أن مصر لا تمتلك مستودعات مخصصة لغرض التخزين طويل الأجل بغرض المتاجرة، لما فى ذلك الأمر من مخاطرة كبيرة، واحتياجه لفوائض مالية ومخصصات إضافية عن الموازنة المحددة، فى وقت تعانى فيه الدولة من زيادة حجم الأعباء المالية عليها.
شارك طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، فى المؤتمر الوزارى الاستثنائى لدول الأوبك + عبر تقنية الفيديو كونفرانس نهاية الأسبوع الماضى.
رأس الاجتماع الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودى وإلكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي، واستهدف الاجتماع بحث سبل تخفيض الإمدادات البترولية فى السوق العالمى.
كما ناقش محاولة إعاد الاستقرار والتوازن ووقف انهيار الأسعار العالمية.
جاءت دعوة منظمة أوبك لمشاركة مصر ضمن دول الأرجنتين وكولومبيا والإكوادور وأندونيسيا والنرويج وترينداد توباجو.
أشار وزير البترول إلى أهمية الاجتماع الوزارى فى هذا التوقيت الحاسم لعودة التوازن للأسواق والأسعار، مؤكدا أن مشاركة مصر تتيح لها المتابعة والتنسيق المباشر مع مجموعة أوبك +، كما أنها تدعم الجهود المبذولة ومبادرات التعاون بين المنتجين لتحقيق الاستدامة والاستقرار لسوق البترول العالمى.
قال إن ذلك ينعكس إيجاباً على أطراف العلاقة التى تشمل الدول المنتجة للبترول والدول المستهلكة وشركات البترول العالمية.
رمضان ابو العلا»: الأجدى توجيه وفورات فوارق الاستيراد العالمية لمواجهة «كورونا»
أخيرا أكد رمضان أبو العلا استاذ البترول والتعدين، ونائب رئيس جامعة فاروس، أن رفاهية التخزين لفترات طويلة متاحة لدى كبرى الدول المستهلكة للبترول وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة.
لفت إلى أنه بالنسبة لمصر فإنها لا تمتلك سعات تخزين ضخمة «طويلة الأجل»، لكنها تمتلك سعات محدودة، تستطيع معها توفير رصيد استراتيجى آمن من المشتقات.
قال إن البلاد حاليا تعانى من ارتفاع حجم الأعباء على موازنتها، ومن الأجدى توجيه أى فوائض تحققها لمواجهة أزمة فيروس كورونا لارتباطها بشكل مباشر بصحة وأمن المواطنين أكثر من تخزين كميات إضافية من المشتقات السوق فى غنى عنها حاليا، لا سيما مع تراجع استهلاكه مؤخرا».
بشكل عام أكد أن مصر مستفيدة بشكل كبير من تراجع أسعار الخام ومشتقاته عالميا، ويظهر ذلك فى المناقصات الجديدة التى ستتسم أسعار التعاقدات فيها بالانخفاض الشديد مقارنة بالمناقصات التى سبقتها.