نقطة نظام.. مصر تتجه جنوبا.. كضرورة إستراتيجية تاريخية

نقطة نظام.. مصر تتجه جنوبا.. كضرورة إستراتيجية تاريخية
شريف عطية

شريف عطية

9:08 ص, الخميس, 16 يونيو 22

يرتبط أمن مصر القومى منذ فجر التاريخ المعاصر.. بالاستقطابات الجيوسياسية لمنطقة القرن الأفريقى.. وحول منطقة بوغاز “باب المندب”، أقصى جنوب البحر الأحمر، ذلك منذ رحلات الملكة “حتشبسوت” إلى أراضى بونت (الصومال)، إلى العهد الروماني، فالأيوبيين إلى عصر محمد علي.. وليس انتهاءً بمصر “الناصرية” فى ستينيات القرن الماضى، ناهيك عن إعادة تأكيد الرئيس “السيسى” يونيو 2022 دعم مصر لكل من الصومال واليمن لتعزيز الأمن والتنمية فى ربوعهما، وإلى دعم وحدة أراضيهما، إذ تتضافر الجهود لحماية وتأمين الملاحة فى البحر الأحمر.. وباب المندب، ذلك باعتبارهما المدخل الجنوبى إلى مصبّ العالم العربى بين المحيطين الهندى والأطلسى مرورًا بقناة السويس.
إلى ذلك، ورغم بُعد الشقة الجغرافية بين مصر وكل من الصومال واليمن، إلا من وشائج على الصعيد الشخصى مع تلك الدولتين، إذ قاتلت لثلاثين شهرًا باليمن خلال الستينيات، كما تربطنى مقاعد الدراسة بالزمالة مع رفاق صوماليين من المرحلة الثانوية حتى الانضمام إلى فيلق الضباط- قبل عودتهم لبلادهم بعد استقلالها، ولنتبادل الزيارات كضباط ووزراء ودبلوماسيين، إلى أن ساهمت كل من صنعاء ومقديشيو بدور هام فى حرب أكتوبر 1973 إذ أغلقتا “باب المندب” فى وجه الملاحة الإسرائيلية، ولكن سرعان ما تراجعت العلاقات الثلاثية نظرًا لانحسار دور مصر عن الاستقطابات الإقليمية والدولية الجارية فى منطقة القرن الأفريقى وما حولها، ذلك قبل أن يتحول الصومال مع مطلع التسعينيات إلى “دولة فاشلة” تعانى الإرهاب والحروب الأهلية لثلاثة عقود تالية.. لم تتوفر لمصر خلالها مقتضيات الحماية الإستراتيجية لأمنها القومى جنوبًا، ناهيك لما عانت منه اليمن من اضطرابات طوال العقد الأخير، انتهاءً بتمرد الحوثيين فى العام 2014، وفى الاستيلاء على العاصمة وميناء الحديدة وعلى المدن الكبيرة، فيما تشتعل أتون الحرب الأهلية بدعم من إيران، وبين قوات التحالف برئاسة السعودية، حيث تساهم معها مصر بمجهودها العسكرى على الصعيدين البحرى والجوى.
فى هذا السياق، يصل إلى سُدة الحكم فى يونيو 2022، الرئيس العاشر للصومال منذ 1962 «حسن شيخ محمود»، فى وقتٍ تموج فيه البلاد (15 مليون نسمة) بالاضطرابات الأهلية والسياسية، وليواجه من ثم محاولة السيطرة مجددًا على حركة الشباب المدعومة من تنظيم القاعدة، كما لمواجهة الحالة الاقتصادية المتردية، وخطر المجاعة والجفاف لأكثر من 3 ملايين صومالى، إلا أن المجتمع الإقليمى والدولى يعوِّل على الرئيس الجديد لإنهاء فصول التجاذبات السياسية والأمنية التى تعصف بالبلاد، نظرًا لتبنّيه منهجًا وسطًا توفيقيًّا، سياسية- إسلامية، كما يقبل التعاون مع الغرب لإعادة بناء الصومال من جديد، فيما يرى أن الحل العسكرى له الأولوية لمكافحة حركة الشباب، وبدعم إقليمى ودولى واسع، خاصة من جانب الولايات المتحدة التى قررت إعادة نشر قواتها فى الصومال.. من بعد سابق انسحاب حملتها «استعادة الأمل» فى العام 1993، ما يمثل خطوة تعكس الدعم الأميركى للرئيس الجديد.. حال كانت الولايات المتحدة- وفق تصريحه- «شريكًا موثوقًا به فى سعينا لتحقيق الاستقرار وفى مكافحة الإرهاب»، وإذ إلى جانب تأمين واشنطن ومعظم القوى والمنظمات الغربية والإقليمية للرئاسة الصومالية، فإن مصر، على لسان رئيسها، تستأنف الوقوف مجددًا بجانب الصومال- كما اليمن- لتعزيز الأمن والازدهار، واستكمالًا لدورها التاريخى فى مساندتهما، بأقله منذ مطلع ستينيات القرن الماضى، واتصالًا لتأكيد أمنها القومي- جنوبًا- كضرورة إستراتيجية- منذ فجر التاريخ المعاصر.