مع تعدد السجالات والتصديات التى تستهدف حصون مصر الطبيعية من جانب اتجاهاتها الأصلية الأربعة بلا استثناء، فإن صحراءها الغربية- إن لم تكن أخطرها- تمثل بأقله منذ أربعينيات القرن العشرين- الممر الرئيسى لمحاولات حصر مصر لعزلها – من جانب قوات «البانزر» الألمانية شتاء 1942 إلى متاخمتها بالقواعد العسكرية البريطانية والأمريكية فى ليبيا حتى نهاية الستينيات، إلى المسيرة الليبية بعشرات الآلاف 1973 فى اتجاه الإسكندرية والقاهرة لفرض الوحدة الاندماجية بذرائع ومقولات ملتبسة بين قيادة ليبية (بلا شعب) وبين جماهير مصرية (بلا قيادة)، إلى اشتباكات عسكرية حدودية 1977 بين مصر وليبيا التى لم تكف بدورها حتى أحداث الربيع العربى 2011 عن التدخل بشكل أو آخر فى الشأن الداخلى لمصر، ذلك قبل غزو قوات «ناتو» ليبيا إلى جانب المرتزقة من مختلف الأرجاء، ما يفرض على مصر- اليوم كما الأمس- مواجهة التهديدات التى يتعرض لها أمنها القومى من جهة الغرب، حيث تتدخل العديد من القوى الدولية والإقليمية، لأسبابهم، فى الشأن الليبى، مستهدفين من خلاله عزل مصر عن امتدادها الاستراتيجى باتجاه الدول المغاربية العربية التى ترتبط بمنظومتها من خلال عضويتها – كمراقب- إذ تمثل بوضعيتها الجيوسياسية الوسطية دور «الوصلة» للسياسات العربية بين غرب وشرق البحر المتوسط، انطلاقاً من مسئوليتها التاريخية، وبما يضمن مصالحهم إزاء التطورات الأخيرة الجارية بصفة خاصة فى الحالة الليبية وتأثيراتها على استقرار المنطقة، الأمر الذى يدعوها إلى تكثيف جهودها فى الشرق الليبى إلى جانب جيشها الوطنى، سواء فى الجانب العسكرى أو الدبلوماسى، ذلك رغم محاولات تهميش دورها من جانب الأطراف المتداخلة المتعددة فى ليبيا سواء من التنافس الأميركى – الروسى لإزاحة أحدهما الآخر أو بين الأدوار الأوروبية المتباينة على الضفة الشمالية للبحر المتوسط، أو من جانب تركيا وقطر اللتين تلاحقهما الاتهامات بمحاولة تخريب عملية السلام الجارية لاحقاً فى تونس بين المشاركين الليبيين الذين توصلوا إلى تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى ديسمبر 2021 وسط الخشية من حدوث تجاذبات إقليمية ودولية من شأنها تعقيد الأزمة وتأخير التسوية، ما يجعلها بعيدة عن أيدى الليبيين، ربما على غرار مخرجات مؤتمر الصخيرات بالمغرب ديسمبر 2015 التى ركزت على سلطة ضعيفة، تصبح فيما بعد جزءاً من المشكلة، وهو أمر وارد ما دام تجسدت ظاهرة «من يملك السلطة والثروة فهو الحاكم.. ومن لا يملك فهو المحكوم»، الأمر الذى محل التنازع بين ممثل لمدينة مصراتة (باشاغا) المدعم بعلاقات خارجية واسعة ونفوذ قوى مع الميليشيات، وبين رجل الأعمال (معيتيق) الأكثر قبولاً من معسكر الشرق، أو اللجوء إلى طرح اسم أحد الدبلوماسيين (البديرى) كبديل توافقى محايد- لمباشرة هذا الدور السياسى المهم لرئاسة الحكومة الليبية.
إلى ذلك، وفى حالة الاتفاق على توصيات منتدى تونس، ووضعها موضع التنفيذ من حيث تشكيل المجلس الرئاسى والحكومة المؤقتة، والاتفاق حول مقرها- فى سرت أو غيرها، إلخ، فسوف يكون العام 2021 عاماً حاسماً بالنسبة لإنهاء الأزمة الليبية من عدمه، ومن ثم فإن على مصر من خلاله أن تحشد كل طاقاتها لتطبيق ما لديها من عناصر قوة «دبلوماسية الحرب» لمواجهة أكثر التداعيات خطورة منذ أربعينيات القرن الماضى على حصنها الغربى.