نذر‭ ‬حرب‭ ‬ليست‭ ‬غير‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬أميركا‭ ‬والصين

نذر‭ ‬حرب‭ ‬ليست‭ ‬غير‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬أميركا‭ ‬والصين
شريف عطية

شريف عطية

10:29 ص, الثلاثاء, 19 مايو 20

من‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الأولى‭ ‬1947‭ ‬بين‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربى‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬السابق،‭ ‬لأسباب‭ ‬أيديولوجية‭ ‬وجيوسياسية،‭ ‬انتهت‭ ‬عشية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى،‭ ‬قبل‭ ‬استئنافها‭ ‬مجدداً‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬2006‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخطاب‭ ‬الحاد‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسى‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬‭ ‬فى‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمن‭ ‬والتعاون‭ ‬الأوروبى،‭ ‬انتقد‭ ‬مشدداً‭ ‬أحادية‭ ‬سياسات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬إذ‭ ‬تبدو‭ ‬اليوم‭ ‬فى‭ ‬الأفق‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬نذر‭ ‬‮«‬عاصفة‭ ‬مثالية‮»‬‭ ‬لحرب‭ ‬باردة‭ ‬ثانية‭ .. ‬طرفاها‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أميركا‭ ‬والصين،‭ ‬لأسباب‭ ‬تجارية‭ ‬وقيمية،‭ ‬مهدت‭ ‬لها‭ ‬كارثتان‭ – ‬صحية‭ ‬واقتصادية‭- ‬من‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تلحقهما‭ ‬كارثة‭ ‬ثالثة‭ – ‬تصادمية‭ – ‬تتماثل‭ ‬مقدماتها‭ ‬الكارثية‭ ‬مع‭ ‬سابقتيها‭ ‬،‭ ‬وإذ‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬التصعيد‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬تحديات‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬ثانى‭ ‬اثنتى‭ ‬أقوى‭ ‬اقتصادات‭ ‬العالم،‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التوأمة‭ ‬من‭ ‬الرأس‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بينهما‭ ‬بالمنح‭ ‬التعليمية‭ ‬والمبادلات‭ ‬التجارية،‭ ‬وفى‭ ‬المجال‭ ‬السياحى،‭ ‬وسندات‭ ‬الخزينة‭ ‬الصينية‭ (‬124‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭).. ‬إلخ،‭ ‬ناهيك‭ ‬عما‭ ‬تتهدده‭ ‬الحرب‭ ‬للجهود‭ ‬الإفتراضية‭ ‬فى‭ ‬مكافحة‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬ساخنة‭ – ‬ولو‭ ‬محدودة‭ – ‬‮«‬مزاجية‮»‬‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركى‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ .. ‬و«واحدية‮»‬‭ ‬الرئيس‭ ‬الصينى‭ ‬‮«‬تشى‮»‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬حرج‭ ‬الاختلافات‭ ‬القيمية‭ ‬بين‭ ‬نموذجيهما،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬متغيرات‭ ‬فى‭ ‬النظام‭ ‬العالمى‭ ‬القديم‭.. ‬أشبه‭ ‬بإسقاط‭ ‬تيار‭ ‬كهربائى‭ ‬استثنائى‭ .. ‬قد‭ ‬يخلخل‭ ‬التوازنات‭ ‬القطبية‭ ‬القائمة‭ (‬على‭ ‬حرف‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬إرباك‭ ‬العمل‭ ‬الجماعى‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬المؤثرة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬تحديداً‭ ..‬‭ ‬الذى‭ ‬يبدو‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬منهكاً‭ ‬وغير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الانقسام‭ ‬القطبي،‭ ‬ذلك‭ ‬بينما‭ ‬تتطلب‭ ‬الاهتمامات‭ ‬الأمنية‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬التعبئة‭ ‬الجماعية‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬المستجدة،‭ ‬تفوق‭ ‬قدرة‭ ‬أى‭ ‬دولة‭ ‬منفردة‭ ‬،‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.. ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬انزلاق‭ ‬النظام‭ ‬العالمى‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة،‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬واشنطن‭ ‬نواياها‭ ‬عن‭ ‬احتمالات‭ ‬قطع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬الأميركى‭ ‬ليس‭ ‬واثقا‭ ‬من‭ ‬ملاءمة‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬لولا‭ ‬استمرار‭ ‬الحملة‭ ‬الدعائية‭ ‬لإقناع‭ ‬الأميركيين‭ ‬بأن‭ ‬الحكرمة‭ ‬الصينية‭ ‬تشكل‭ ‬بعض‭ ‬التهديد‭ .. ‬ليس‭ ‬للنظام‭ ‬الأحادى‭ ‬الأميركى‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬تشكل‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدوارها‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجائحة‭ ‬الفيروسية‭.. ‬خطراً‭ ‬مباشراً‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬حلفائها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬بات‭ ‬ينعكس‭ ‬كعامل‭ ‬محورى‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأميركية‭ ‬بين‭ ‬المتنافسين،‭ ‬وعن‭ ‬أيهما‭ ‬سيكون‭ ‬الصقر‭ ‬الأكثر‭ ‬جسارة‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الصين،‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬توابع‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬يهدد‭ ‬بوضع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬موقف‭ ‬ردىء‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحقائق‭ ‬والأرقام‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالموازنة‭ (‬قيمة‭ ‬العجز‭ ‬600‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ )‬،‭ ‬ما‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬ميزانية‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ (‬700‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ )‬،‭ ‬بمعدل‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬فى‭ ‬العام،‭ ‬ولخمس‭ ‬سنوات‭ ‬مقبلة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأميركية‭ ‬لإيقاف‭ ‬هجوم‭ ‬صينى‭ ‬محتمل‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬تايوان‮»‬‭ – ‬مثالاً‭ – ‬أو‭ ‬فى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬حلفائها‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬غرب‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مباشرة‭ ‬التزاماتها‭ ‬الأخرى‭ ‬بمختلف‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬أميركا‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬محدودة‭ – ‬مقارنة‭ ‬بسابق‭ ‬الإجماع‭ ‬العالمى‭ ‬المتنامى‭ ‬فى‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬1947‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اضطرار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬فى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬القروض‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الصينية،‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين،‭ ‬مفارقة‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬التعامل‭ ‬بجدية‭ ‬مع‭ ‬التحدى‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬وفى‭ ‬وقت‭ ‬باتت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الوهن‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬مواجهة‭ ‬نذر‭ ‬حرب‭ ‬ليست‭ ‬غير‭ ‬باردة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭.‬