من بعد الحرب الباردة الأولى 1947 بين المعسكر الغربى والاتحاد السوفيتى السابق، لأسباب أيديولوجية وجيوسياسية، انتهت عشية تسعينيات القرن الماضى، قبل استئنافها مجدداً على استحياء 2006 من خلال الخطاب الحاد للرئيس الروسى «بوتين» فى مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى، انتقد مشدداً أحادية سياسات الولايات المتحدة حول العالم إذ تبدو اليوم فى الأفق من بعد نذر «عاصفة مثالية» لحرب باردة ثانية .. طرفاها هذه المرة كل من أميركا والصين، لأسباب تجارية وقيمية، مهدت لها كارثتان – صحية واقتصادية- من غير المستبعد أن تلحقهما كارثة ثالثة – تصادمية – تتماثل مقدماتها الكارثية مع سابقتيها ، وإذ رغم أن العالم قد لا يتحمل التصعيد فى اتجاه تحديات مثل هذه الحرب الجديدة بين ثانى اثنتى أقوى اقتصادات العالم، أقرب إلى التوأمة من الرأس فيما يتصل بينهما بالمنح التعليمية والمبادلات التجارية، وفى المجال السياحى، وسندات الخزينة الصينية (124 تريليون دولار).. إلخ، ناهيك عما تتهدده الحرب للجهود الإفتراضية فى مكافحة جائحة «كورونا»، لا يقلل من تحولها إلى حرب ساخنة – ولو محدودة – «مزاجية» الرئيس الأميركى «ترامب» .. و«واحدية» الرئيس الصينى «تشى»، فضلاً عن حرج الاختلافات القيمية بين نموذجيهما، ما قد يؤدى إلى متغيرات فى النظام العالمى القديم.. أشبه بإسقاط تيار كهربائى استثنائى .. قد يخلخل التوازنات القطبية القائمة (على حرف)، ومن ثم إلى إرباك العمل الجماعى المشترك بين القوى الكبرى المؤثرة فى هذا الوقت تحديداً .. الذى يبدو فيه العالم منهكاً وغير قادر على تحمل المزيد من حدة الانقسام القطبي، ذلك بينما تتطلب الاهتمامات الأمنية مزيداً من التعبئة الجماعية لمواجهة التحديات غير التقليدية المستجدة، تفوق قدرة أى دولة منفردة ، وليس العكس.. فى اتجاه انزلاق النظام العالمى إلى حرب باردة جديدة، لا تخفى واشنطن نواياها عن احتمالات قطع علاقاتها مع الصين ، بيد أن الرأى العام الأميركى ليس واثقا من ملاءمة هذه التصريحات من جانب «ترامب»، لولا استمرار الحملة الدعائية لإقناع الأميركيين بأن الحكرمة الصينية تشكل بعض التهديد .. ليس للنظام الأحادى الأميركى فحسب، إنما تشكل أيضاً من خلال أدوارها بالنسبة للجائحة الفيروسية.. خطراً مباشراً على سلامة حلفائها، الأمر الذى بات ينعكس كعامل محورى على مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية بين المتنافسين، وعن أيهما سيكون الصقر الأكثر جسارة فى مواجهة الصين، لولا أن توابع فيروس كورونا يهدد بوضع الولايات المتحدة فى موقف ردىء من الناحية الاستراتيجية خاصة بالنسبة للحقائق والأرقام المتعلقة بالموازنة (قيمة العجز 600 مليار دولار )، ما يؤدى إلى تقليص ميزانية الدفاع عن (700 مليار دولار )، بمعدل 100 مليار دولار فى العام، ولخمس سنوات مقبلة، الأمر الذى يقلل من كفاءة القوة العسكرية الأميركية لإيقاف هجوم صينى محتمل ضد «تايوان» – مثالاً – أو فى الحفاظ على استقرار حلفائها فى منطقة غرب المحيط الهادي، ناهيك عن مباشرة التزاماتها الأخرى بمختلف أرجاء العالم، ما يجعل من فرص أميركا فى حرب باردة جديدة مع الصين محدودة – مقارنة بسابق الإجماع العالمى المتنامى فى الحرب الباردة 1947 مع الاتحاد السوفيتي، فضلا عن اضطرار العديد من الدول فى الاعتماد على القروض والتكنولوجيا الصينية، ما سوف يجعل من انتهاج سياسة مواجهة بين واشنطن وبكين، مفارقة محفوفة بالمخاطر، فيما بين التعامل بجدية مع التحدى الصادر عن الصين، وفى وقت باتت الولايات المتحدة أقرب إلى الوهن ، على نحو لا يمكنها مواجهة نذر حرب ليست غير باردة مع الصين.
شريف عطية
10:29 ص, الثلاثاء, 19 مايو 20
End of current post