بعد عشر سنوات من التفاوض حول شروط تشغيل سد النهضة، باءت بالفشل، ومع اقتراب المرحلة الثانية لملء خزاناته بقرار أحادى من إثيوبيا فى يوليو المقبل، دون اتفاق قانونى ملزم، ما يمثل تهديدًا صريحًا للأمن القومى لكل من دولتى المصب- السودان ومصر- بحيث لم يعد أمامهما من سبيل- وظهراهما للحائط- غير اللجوء إلى تجريب أدوات القوة دفاعًا عن شريانهما المائى، ابتداءً من التلويح بها.. إلى التحريك المحدود لاستخداماتها، قبل تفعيل الوساطة الدولية لإجبار إثيوبيا على التفاوض الجدى، كدولة وإن تكن لصيقة الجذور أفريقيًّا.. إلا أنه يجرى تطويعها لإرضاء الخصوم أو إرواء ظمئهم بسيان.
فى هذا السياق، تتواتر أنباء عن مهلة مصرية لإثيوبيا حتى منتصف أبريل المقبل، للوصول إلى اتفاق تفاوضى مُلزم بشأن كيفية تشغيل سد النهضة.. بما لا يضر المصالح الحيوية لدولتى مصب نهر النيل أو اللجوء عندئذ، بحسبهما، إلى وسائل أخرى بديلة للتفاوض فى مواجهة إثيوبيا التى تدفع حماقاتها الأمور إلى حافة الهاوية حيث الكل خاسر.
على صعيد موازٍ، أجرت مصر مؤخرًا مناورات جوية مشتركة مع السودان فى منطقة «مروى»، حيث يوجد أكبر السدود المائية، بالتوازى مع مناورات بحرية مشتركة مع إسبانيا فى منطقة «رأس بانياس» الإستراتيجية الهامة، كذلك بالنسبة لمناوراتها البحرية مع إيطاليا فى محيط البحر الأحمر، وبالتعاون مع الأسطول الجنوبى لمصر ذات الإمكانيات المتقدمة المختلفة (..)، ذلك فيما تحرص مصر من جانب آخر على تهيئة مناخ من الاستقرار النسبى لجبهتيها على الحدود الشرقية (سيناء)، والغربية مع ليبيا، كذلك الأمر من تسريع استكمال العلاقات مع قطر، ناهيك عن إعلان المتحدث الرئاسى لتركيا 8 مارس الحالى الرغبة فى تحسين العلاقات مع مصر (ودول خليجية)، ربما كردّ فعل لمراعاة مصر مؤخرًا حدود الجرف القارى لتركيا فى شرق البحر المتوسط، كما قد يكون الموقف التركى الجديد راجعًا كاستجابة ضمنية لقرارات مجلس وزراء الخارجية العرب 3 مارس الحالى التى نددت خلالها بتدخلات تركيا فى الشئون الداخلية للدول العربية. إلى ذلك، تبدو مصر فى ضوء استشعارها الخطر القادم الأكثر فداحة على أمنها القومى من جانب إثيوبيا، لئلا تدخر ما فى وسعها لتهيئة أفضل الظروف للحيلولة دونه، سواء بتجريب وسائل السياسة مع القوة فيما يطلق عليه «دبلوماسية الحرب» أو بالتفرغ للقتال إذا لزم الأمر على الجبهة الإثيوبية وحدها، ذلك لو أنها حددت بالفعل مهلة أربعون يوما لأثيوبيا-سابقة لمنتصف أبريل المقبل-للوصول إلى إتفاق قانونى ملزم، أو المضى نحو ساعة الصفر لحسم أزمة سد النهضة عن غير الطريق التفاوضي وحده.