يتزامن الاشتباك الفعال للولايات المتحدة مع قضايا منطقة الشرق الأوسط.. أعقاب الحرب العالمية الثانية وتوابعها، لنحو ثمانية عقود تالية إلى اليوم الذى اعتلى الرئيس «بايدن» 2021 سدة الحكم فى البيت الأبيض، بوصفه الخامس عشر- تراتبيًّا- من بعد «هارى ترومان»، أول من اعترف بإسرائيل أمميًّا 1948وشارك فى الإعلان الثلاثى الغربى لحماية أمنها، كما وضع مفهوم «قيادة الشرق الأوسط» MEC المرفوض آنئذ على التو من مصر، ذلك قبل أن يخلفه الجنرال «دوايت أيزنهاور» طوال الخمسينيات التى شهدت العديد من صور التنافس فى الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو حول ما يسمى- وفق تعبيره- ملء الفراغ فى الشرق الأوسط 1957، ما زالت تلقى بظلالها على تطور الأحداث داخل المنطقة إلى اليوم، مرورًا بعقد الستينيات- «كينيدى»، «جونسون» – حيث التحالف الإستراتيجى مع إسرائيل فى مطلعه.. إلى إعطائها الضوء الأخضر بالحرب على مصر 1967، وصولًا إلى «ريتشارد نيكسون» أول رئيس أميركى يزور القاهرة 1974 فى أعقاب إمساك بلاده بالأساليب الإجرائية لعملية السلام فى الشرق الأوسط، ومن بعده «جيمى كارتر» مكوك الأزمات فى اتفاقيات كامب ديفيد 1978 بين مصر وإسرائيل، إلى عقد الثمانينيات حيث كان «رونالد ريجان» أول من وصف إسرائيل بـ»الكنز الإستراتيجي» للولايات المتحدة، كما شهدت سنوات ولايته حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، قبل أن يخلفه «بوش الأب» ليقود التحالف الدولى مطلع التسعينيات فى حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت)، ومن بعدها إلى عقد مؤتمر مدريد الدولى للسلام فى الشرق الأوسط نهاية 1991 الذى شارك الفلسطينيون- لأول مرة- فى أعماله ضمن الوفد الأردنى، ما هيأ لهما الاتفاق السلمى مع إسرائيل (أوسلو- وادى عربة) فى منتصف التسعينيات.. برعاية «بيل كلينتون» التى امتدت وساطته بلا نتائج على المحادثات السورية- الإسرائيلية- «الشرع»/ «باراك» – وإلى كامب ديفيد 2 «عرفات»/ «باراك» عشية الألفية الميلادية الثالثة التى شهد عقداها الأولان «بوش الابن»، «أوباما» سيطرة اليمين المتشدد فى إسرائيل على نقاط ومفاهيم الولايات المتحدة لدفع عملية السلام دون قيد أنملة للأمام حتى إعلان «دونالد ترامب» 2017 عن مشروعه للسلام فى الشرق الأوسط «صفقة القرن» التى أهدى لإسرائيل من خلالها السيادة على القدس وهضبة الجولان- المحتلتين- مع دفع عملية التطبيع الخليجى بالدولة العبرية، ربما مقابل سياسته فى التطويق الإستراتيجى لإيران، وصولًا نحو ضم إسرائيل إلى المجال العسكرى للقيادة المركزية الأميركية الذى يشمل دول الشرق الأوسط الأخرى، ذلك قبل أن يعتلى «جون بايدن» الرئاسة الأميركية يناير 2021.. فيما تسود الشرق الأوسط أجواء من الترقب والحذر بانتظار رؤية إستراتيجية جديدة تعمل إدارة «بايدن» على صياغتها، لا يستشف منها بادئًا ذى بدء، وفق خطابه المركزى حول السياسة الخارجية مطلع فبراير الحالي، وجود تطابق بين أولوياته التى ليست بالضرورة وفق الأولويات العربية، إذ شملها الخطاب الرئاسى الأميركى بالغموض، ما لم يحصل توافق عربى صلب موحد لجبهة فعالة قادرة على لعب أدوار مهمة فى مناطق الأزمات الفلسطينية فى بلاد المتاعب المعنية مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا التى لا يميل ميزان القوى لصالحها بقدر جنوحها إلى جانب الإقليميات الأخرى غير العربيات التى تلقى الترياق بشكل أو آخر، ولأسباب متعددة، من الجهات الخارجية، كأكثر العوامل السلبية تأثيرًا على الموقف العربى، خاصة مع عودة «بايدن» إلى التوافق القديم، لـ»أوباما» مع إيران حول الاتفاق النووى، إلى التفاهم معها على بعض مناطق النفوذ التى طالب الأخير العرب فى 2016 بـ»اقتسامها» مع إيران، ربما مقابل تبادل الخدمات ما بين إمبريالية دولية وصنوتها الإقليمية.. سوف يستغرق الاتفاق بينهما وقتًا ليس لما لا نهاية، ما يمثل أزمة وجود عربية، خاصة بالنسبة للسعودية ومنطقة الخليج وفى شرق البحر المتوسط، الأمر الذى يثير قلقًا كذلك لإسرائيل من زاوية تنافسها مع إيران (وتركيا) للحصول فحسب على قصب السبق الإقليمى، ومن ثم إلى تعزيز مركزها الدولي، خاصة مع تجاهل خطاب «بايدن» ذكر إسرائيل كحليف أساسى- كالمعتاد- ما يمثل رسالة تنضم إلى إشارات أخرى «غير ودية» قد يكون وراءها تداعيات فى القضايا الكبرى، كالمسألة الفلسطينية والملف النووى الإيرانى.. وما إليهما من مواقف ذات أولوية خاصة لدى الإدارة الأميركية الجديدة، لأسبابها، لا تحول دون متانة التحالف الأميركى- الإسرائيلى، لئلا يكون من شأنه الإضرار بالدعم الأميركى الذى يعتبر أحد أهم أركان وأصول إسرائيل التى يبدو وكأنها تجاوزت حدودها فى التعامل مع الإدارة الديمقراطية السابقة «أوباما»، ما تحتاج معه إلى تجفيف أداء اليمين الإسرائيلى، الأمر الذى ينطبق كذلك فى المعاملة المستحدثة مع نوعية «الشريك الإستراتيجي» التركى من زاوية تطويع شراكاته مع روسيا فى مسائل عسكرية بالغة الحساسية، سواء كان ذلك من خلال تشجيع الإدارة الأميركية الجديدة.. المعارضة التركية فى مواجهة «أردوغان» الذى يصفه «بايدن» 17 يناير الماضى بأنه رجل «مستبد»، إلا أن واشنطن رغم المسائل الخلافية بينها وبين أنقرة، كما تل أبيب (وطهران)، لن تسعى إلى المواجهة الحادة معها، حيث المصالح المتقاطعة (..) بينهما ما زالت قائمة، كما تتطلع الولايات المتحدة من خلال الترغيب والترهيب إلى إعادة الجارات الإقليميات الثلاث غير العربيات (إيران- تركيا- إسرائيل) للالتزام بسابق النواهى الإستراتيجية الأميركية فى الشرق الأوسط، شأنهم فى ذلك كالسعودية (مثالًا) حين تصرح واشنطن حول شطب «الحوثيين» الذين هم فى حالة حرب مع التحالف السعودى فى اليمن، من قائمة الإرهاب، وإلى وقف الدعم العسكرى للسعودية، مع التدخل فى شئونها الداخلية.
خلاصة القول إن الولايات المتحدة وهى بإزاء التصدى إلى «عدوانية» روسيا والصين، تعيد ترتيب تحالفاتها الإقليمية من خلال ما يعرف بـ»الحزم الودود»، الأمر الذى سيصبغ فى السنوات المقبلة سياسة الرئيس الأميركى 15 «بايدن» فى الشرق الأوسط