تبدو السياسة الخارجية الخليجية رغم حداثتها للأساليب المعاصرة، وربما لأسباب، تعود إلى طبيعة الدهاء الصحراوى.. والمقاصات التجارية، أكثر احترافية عن نظيرات لها فى دول الإطار المباشر لفلسطين المحتلة، ذلك بالنسبة لاتجاهها بعد طول تردد إلى اشتراط تبادل الاعتراف بإسرائيل.. بأولوية الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية تسبق التطبيع مع الدولة العبرية، وكأنما تعود بالدبلوماسية الخليجية (المفترضة) على بدء قبل نحو سبعة عقود.. وقت صدور القرار الأممى لعام 1947 بتقسيم فلسطين الانتداب تحت الإحتلال البريطانى آنئذ إلى دولتين، أو أن تبقى الحال كما هى عليه طوال تلك الحقبة من إنكار الاعتراف العربى بإسرائيل كدولة طبيعية من دول المنطقة، ما لم تنسخ تحفظاتها على قبول المبادرة العربية للسلام فى 2002، كضرورة مرجعية منذ اقترحت السعودية مشروعها على القمة العربية فى بيروت (الأرض مقابل السلام)، للخروج من حالة الجمود التى اعترت عملية السلام دون قيد أنملة للأمام منذ 1995، ولربع قرن تال إلى اليوم، فيما بين ما يعتبره العرب بمثابة الحدود الدنيا التى لا يجوز التراجع عنها من ناحية.. وبين ما تعتبره إسرائيل على الجانب المقابل منافيا لبلوغ غاياتها العليا فى بناء الدولة الصهيونية الكبرى، كهدف لا واقعى سبق لبريطانيا الانتداب رفض مجاراته منذ الأربعينيات، قبل أن تنحاز إليه الولايات المتحدة منذ مؤتمر «بلتيمور» 1942 (الصهيونية الأميركية) حتى المرحلة الراهنة التى تبدو واشنطن وكأنها بصدد مراجعة سياسات صانع القرار الأميركى فى ذلك الأمر.. قياساً على متغيرات دراماتيكية طارئة على الصعيدين الإقليمى والدولى (..)، لم يعد للاحتكار الأمريكى إزاء تعقيدات مسائل الحرب والسلام نفس المكانة المتفردة التى كانت عليه من قبل، خاصة مع تلازم العلاقات العربية المتجددة مع عودة النفوذ لبعض القوى الكبرى المعنية بمستقبل الشرق الأوسط، بحيث لا تعنى المزيد من الخفة السياسية العربية إزاء الانصياع لنواهى المحور الأميركي- الصهيونى.
إلى ذلك، وبرغم ثلاث معاهدات تعاقدية بين إسرائيل وكل من مصر (1979).. والأردن والسلطة الفلسطينية فى منتصف التسعينيات، لم تكن غير اتفاقات جزئية أتت من القمة ولم تنبع من الجذور.. فقد أدت إلى «سلام بارد» يحمل بذور نزاعات استراتيجية متجددة ما لم يكن سلاماً عادلاً شاملاً بين الجميع ومع الجميع، الأمر الذى من المفترض ألا يغيب عن ذهنية الدبلوماسية الخليجية- رغم اتصالاتها غير الرسمية مع إسرائيل- للتمسك بمرجعية المبادرة العربية للسلام التى تؤدى إلى قيام الدولة الفلسطينية، إذ دونها يبقى الفلسطينيون كقنبلة موقوتة، سواء فى أحشاء العالم العربى أو داخل إسرائيل.. التى لا تزال، لأسبابها، على مماطلاتها فى القبول بـ«حل الدولتين»- المتفق عليه إقليمياً ودولياً، باستثنائها، منذ تطبيقات «كامب ديفيد» «أوسلو»- «وادى عربة»، خاصة مع مهادنة البرجماتية الواقعية لحكام عرب بالنسبة لإسرائيل، التى تتجه الآن لاستدراج الدبلوماسية الخليجية إلى حبائلها للتوقيع معها، فرادى أو متتالين، اعترافاً أو تطبيعاً، لولا أن المفاجأة ربما تتبدى عن المواقف المعلنة من السعودية والإمارات والبحرين وعمان.. إلخ، تؤكد اشتراط المضى فى الأساليب الإجرائية للسلام مع إسرائيل.. بقبول الأخيرة الإعلان عن قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، ليس دونها إلا العودة إلى مخاطر سلام ليس غير دافئ يحمل معه تهديدات التحول إلى صدام مشتعل، تمسك بتلابيبها من عدمه.. مهارات (مفترضة) للدبلوماسية الخليجية مع إسرائيل.