مصر هبة النيل، محل إجماع متفق عليه، اجتذب واديها الخصيب مختلف الأجناس من محيطها المنظور (…)، يشكلون نسيج جغرافيتها الوسطية التى تغزل تاريخها الطويل، كمحصلة «out come» لامتزاج وانصهار هوياتها الثقافية والدينية والفكرية عبر العصور، بحيث بات من الصعب فصل التصاق تراكيبها «التوأمية».. ما بين القلب والدماغ، ما بين المصرى القديم والفلاح الفصيح، وبين مكونات موروثة أو مستحدثة، منصهرة معاً فى بوتقة الزمن منذ فجر التاريخ إلى أبد الآبدين، مهما توالت المحن أو سعى الطامعون فى الهيمنة على موقعها الوسطى (بين المحيطين)، أو هويتها الحضارية.. عبر نحو 25 قرناً خلت من الزمان، إلى أن حكم المصريون أنفسهم لأول مرة منتصف خمسينيات القرن العشرين.. من دون تدخلات أجنبية، لعشر سنوات تالية، قبل أن تدهمها مجدداً الهجمة الصهيونية 1967… المثلة للتطور الحالى لما بعد الإمبريالية، تستهدف الأرض.. والمياه.. وتفكيك الهوية المصرية- ربما- إلى عناصرها الأولية قبل أن تتشربها السمات المصرية عبر فلاسفة الإغريق أو فقهاء المتصوفة العرب، ناهيك عن التركيب الجينى المتجانس (%85 من السكان).. (موسوعتى الرفاعى وسليم حسن)، سواء من مصريين قدماء، هجرات مسيحية- أغريقية- تركية- مملوكية، انصهرت جميعها فى الشخصية المصرية بعد أن تمحورت جيناتها فى البوتقة الوطنية، فاكتسبت سمات سلوكية وطبائعية.. تبرز فاعليتها المتجانسة أوقات الشدة والمحن والتحدى، كقوة موجهة vector.. للنهج المصرى، بأقله خلال القرنين الأخيرين، لم يكن بعيداً عن الاستنساخ من جانب دول الجوار العربية، لولا ميل حكام «أوتوقراطيين».. إلى جانب شرائح «أوليجاركية»، لأسبابهم، ولا بأس بالمطلق، إن لم يكن ذلك الانحياز المجتمعى خصماً من المكتسبات الشعبية المستحقة لجماهير مسحوقة.. نظير مشاركاتهم البنيوية فى البناء والتقدم، ما يؤدى حال الجور عليهم إلى آثار سلبية، ليس «أدلجة» الدين سياسيا هى أكثرها خطورة، إذ يسارع حينئذ إلى محاولة ملء الفراغ السياسى والمجتمعى الناشئ عن تغول ليبراليات عرجاء- إن جاز التعبير- يتناوبان بالتبادل سويا حاجتيهما الوجودية لبعضهما البعض، عبر فصول مسرحية تراجيدية أقرب إلى الهزل فى موضع الجد، بحيث يتيح ذلك التناقض للقوى الأجنبية معاودة التسلل مجدداً إلى أوضاع مصر الداخلية التى تبقى عندئذ فى إسار معاناة التساؤل.. عمن هم المصريون؟
End of current post