اتصالًا لما سبق الإشارة إليه من تطورات الأوضاع الداخلية في مصر عبر قرنين (1)، ابتداء من انحسار العصر المملوكى فى أعقاب إنجازاته المتميزة خلال القرون الوسطى، إلى الصدمة الحضارية التى أحدثتها للمصريين – الحملة الفرنسية ،1801-1798 شجعتهم على الإمساك بزمام أمورهم.. باختيار واليهم «محمد على باشا»، 1804 إيذانًا لبناء مصر الحديثة.. بحدودها البحرية الممتدة إلى محيطها الإقليمى المنظور، من قبل أن تضطرها اتفاقية لندن 1840 للانحسار لما وراء بعدها النيلى، لم يحل دون تصاعد الحركة الوطنية العلمية فى النصف الثانى من القرن 19 .. بالتوازى مع تسليم مصر «الخديوية» مقادير البلاد لمراقبى الدين ..وإلى الاستعمار الأجنبى، حتى الحصول على استقلالها الأول فبراير ،1922 وإلغاء المحاكم المختلطة والامتيازات الأجنبية فى الثلاثينيات، وفى ظل حقبة ليبرالية عرجاء بسبب أوتوقراطية القصر الملكى.. وسطوة الاحتلال، وصراع الأحزاب، ناهيك عن تفاقم مخاطر التنظيمات المتطرفة، إسلاموية وشيوعية، ما أربك مسار الحركة الوطنية طوال الأربعينيات.. إلا من قيام حركة الجيش مطلع الخمسينيات التى أعلنت الجمهورية من بعد إلغاء الأحزاب، واستبدالها.. بالتنظيم السياسى الواحد التى امتدت هيمنته- باختلاف مسمياته- على الحياة السياسية لسبعة عقود تالية حتى الآن، كمعوق أساسى لحياة ديمقراطية سليمة.. تسبب غيابها فى استفحال خطر الحركات السرية الإسلاموية التى استطاعت الاستيلاء على الحكم فى البلاد عام ،2012 قبل إسقاطها فى يونيو ،2013 إيذانًا بعهد جديد من المفترض معالجته لأسباب القصور خلال القرن الأخير، من خلال بناء مداميك ليبرالية تكون قادرة على التصدى للتيارات الإسلاموية الساعية منذ نهاية العشرينيات إلى التواصل مع المسئولين الغربيين من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذى أدى إلى تورط مصر لمواجهة ثلاث معضلات مزمنة تتمثل فى اللاليبرالية – الإسلاموية.. والخصوم التاريخيين، يعانى المصريون من تبعاتهم طوال قرنين من الزمان، قبل أن تتفاقم مخاطرها منذ سبعينيات القرن الماضى، سواء بالمشاركة الأميركية «الكاملة» أو بالإفراج عن الإسلامويين والسماح لأنشطتهم الاقتصادية والسياسية، وليس آخرًا بتشكيل أحزاب (ديكورية( برغبات فوقية لتجميل واحدية التنظيم السياسى المهيمن، حتى إذا هل القرن 21.. إلا وقد تزعزعت الشراكة الكاملة مع واشنطن التى لم تعد المزار السنوي للرئيس المصرى منذ 1975، كما جرى السماح بدخول عشرات الإسلاميين برلمان 2005، ذلك فيما كانت مصر تعانى منذ خريف 2003 من آثار الأزمة الاقتصادية المرتبطة بتخفيض قيمة العملة، وبحدوث تضخم فادح أصاب بقسوة الطبقات الشعبية والمتوسطة، كما قويت شوكة المعارضة للتصدى لاحتمالات قيام الجمهورية «الوراثية»، ذلك فيما يتدنى مستوى النظام التعليمى الذى مثل تراجعه أحد الينابيع المغذية للإسلام السياسى الجذرى الذى سبق لمعاهده المتخصصة الانتشار فى أنحاء البلاد منذ منتصف السبعينيات، وفى وقت انطوت عجلة الإصلاح الاقتصادى على مديونيات خارجية أرهقت ميزانية الدولة، خاصة مع تحول الاحتكارات العامة إلى احتكارات خاصة لصالح شخصيات مقربة من دوائر السلطة.. إلخ، وبحيث أصبح لا مناص لئلا تتفتت منجزات النهضة الثالثة الجارية «السيسى» على نفس الغرار لتفتت النهضتين السابقتين فى عهد «محمد على» و«عبدالناصر» ، ما لم يتم العمل على اتخاذ أسباب الحرص لعدم تسلل التنظيمات الظلامية والمتطرفة، من خلال أنظمة عرجاء لا ليبرالية، ذلك للحيلولة دون توغل مثالبهما مع نفوذ الخصوم التاريخيين لإفساد الأوضاع الداخلية لمصر، وتحركاتها الخارجية بسيان، كما سبق أن حصل فى 1804- 1882 1967-وليس آخرًا فى ،2011 ولذلك من الضرورة بمكان – والأمر كذلك- أن تستعد مصر بجدية وصدق لاستحقاقات نيابية قادمة فى العام ،2020 يتشكل على أساسها كل من غرفتى مجلس النواب ومجلس الشيوخ، المفترض أن يتوسدا دعائم الديمقراطية، والسلام الاجتماعى، والمقومات الأساسية للمجتمع.. وقيمه العليا فى الحقوق والحريات والواجبات العامة الممثلة لأهم المداميك اللازمة.. سواء لتعميق سلامة النظام الديمقراطى (المغيب منذ نحو قرنين) أو للاجتثاث الفكرى لأدبيات التيارات السياسية المتطرفة، كما للتصدى لمحاولات التدخل الخارجية أو من داخل الإقليم، ما سوف يضمن آنئذ حسن انتظام كل من التحركات الخارجية، كما سلامة تطورات الأوضاع الداخلية السابق ارتباكها طوال قرنين من الزمان فى مصر.
من قراءة جيل الوسط لتاريخ مصر المعاصر عن تطورات الأوضاع الداخلية عبر قرنين (2-2)
شريف عطية
10:47 ص, الثلاثاء, 7 يوليو 20
End of current post