تصورات لمسيرة الحرب والسلام بين العرب وإسرائيل (2)
فى إطار سنوات التصدى 67 – 1973 ما بين مصر وكل من إسرائيل فى معيّة الولايات المتحدة، سعت القاهرة للحفاظ على سلامة بوصلتها.. لحين إعادة الأمور لما كانته قبل ست سنوات، ذلك من خلال توازى عمليات الاستنزاف- لثلاث سنوات- بين الجيشين المتواجهين على ضفتى قناة السويس.. مع استبعاد جولات التفاوض غير المباشر مع تل أبيب عبر كل من الوسيط الأممى «جونار يارنج»- الدول الأربع الكبرى- المبادرة الأميركية «روجرز» صيف 1970 التى أدت إلى إيقاف إطلاق النار فى أغسطس، أعقبه مناداة القمة الأميركية – السوفيتية فى مايو 1972، بـ«الاسترخاء العسكرى»، ولعدم تحقيق أحدهما مكاسب استراتيجية على حساب الآخر فى الشرق الأوسط، توقفاً عن المضى فى تنفيذه فى منتصف الطريق من الحرب فى أكتوبر 1973، التى سبقتها فى مطلع العام نفسه محادثات مستشار الأمن القومى لمصر «حافظ إسماعيل» مع كل من الرئيس «بريجينيف» فى موسكو (يناير).. والرئيس «نيكسون» ومستشاره «كيسنجر» فى واشنطن ونيويورك (فبراير – مايو) قبل شهور من الحرب التى ما إن بدأت بأيام إلا وتسارعت (قوى اليمين المحلية) باتجاه السعى إلى إنهائها.. بذريعة ما يسمى «ثغرة الدفرسوار» التى أحدثتها القوات الإسرائيلية فى الخط الدفاعى المصرى جنوب الإسماعيلية، وبادعاء أن المطالبة بإيقاف النار يجيء بناء على رغبة القيادة العامة للقوات المسلحة، المتباين رؤاها وقتئذ بين الاكتفاء بالدفاع الإيجابى على الخطوط الحالية شرق القناة.. وفى معارك تصادمية مع الجانب الإسرائيلى.. الأعجز عن مواصلة المكوث تحت ضغط التعبئة العامة لمدة طويلة، وبين حيوية الاحتفاظ بالاحتياطى الاستراتيجى غرب القناة.. كضرورة لعدم تبديده فيما يسمى تطوير الهجوم شرق القناة.. إلى مناطق (قتل) تنعدم فيها السيادة الجوية المصرية، أو سواء بين «المناورة بالقوات» حال تبادل القوات المتحاربة.. لأراض على ضفتى القناة، الأمر الذى لم تفضله القيادة السياسية، لأسبابها، ما نقل المبادرة آنئذ إلى جانب إسرائيل اعتباراً من 16 أكتوبر، لحين تكوين مصر لاحتياطى جديد لتصفية «الثغرة» التى تسببت فى وضع خطر للجيش الثالث، دارت على أساسه المفاوضات المصرية مع القوتين العظميين.
ومع تعقد الأوضاع العسكرية على كل من الجبهتين المصرية والسورية، حيث كان الطريق إلى عاصمتيهما شبه خال من أية دفاعات، خاصة مع استنفاد مصر لاحتياطيها فى عملية تطوير الهجوم نحو «الممرات» 10/14، وعلى غرار مشاركة المدرعات السوفيتية فى حماية دمشق، فقد اقترح الاتحاد السوفيتى ليلة 10/24 تدخلاً عسكرياً مشتركاً مع الولايات المتحدة لإنهاء القتال على جبهة السويس، إلا من تحذير موسكو القيام بالتدخل منفردة- حال تقاعس أميركا عن المشاركة- لوقف التمدد الإسرائيلى غرب القناة، خاصة مع نفاد الوقت لإتمام المناورة بالقوات المصرية شرق القناة لتصفية الثغرة، إلا من تشكيل احتياطى جديد سوف يستغرق وقتاً لا يتحمله حرج الحصار الذى يتعرض له الجيش الثالث، ذلك فى الوقت الذى استنفرت فيه الولايات المتحدة (ردَّا على التحذير السوفيتى) قواتها النووية التقليدية فى أنحاء العالم.. فى محاولة لردع نوايا التدخل العسكرى السوفيتى، وإذ سوف تكون المواجهة عندئذ خطيرة بين القوتين الأعظم، فقد بادرت الرئاسة المصرية لمباشرة دور (تحويلى).. للحيلولة دون تبديد إيجابيات نصر سبق اقتناصه قبل ثمانية عشر يوماً، ذلك حين أبدت القبول (بناءً/ وعلى غرار المقترح السوفيتى بالتدخل عسكرياً).. بقيام قوات الولايات المتحدة بفرض وقف إطلاق النار، الأمر الذى لم يغب عن واشنطن توظيفه لإكراه إسرائيل على وقف القتال، وللإمساك من ثم بخيوط الأزمة التى تغيرت طبيعتها منذئذ تغييراً حاداً، إذ لم تفلت من بين الأصابع الأميركية منذ ذلك التاريخ- ولعقود تالية- إلى اليوم، حيث كانت الدبلوماسية وليس التهديد العسكرى.. هى ما أوجدت التسوية السياسية فى نهاية الأمر، إذ انتهز «كيسنجر» الفرصة بعد الحرب لبدء عملية تفاوض بين مصر وإسرائيل أدت إلى اتفاقيتين متتاليتين لفك الاشتباك، اغتيل الملك فيصل قبل توقيع ثانيتهما التى أنهت حالة الحرب بين مصر وإسرائيل، قبل توقيعهما اتفاقيات كامب ديفيد سبتمبر 1978.. واتفاقية السلام فى العام 1979، حيث كان الاتحاد السوفيتى مستبعداً بالكامل تقريباً من هذه العملية، فيما حققت الولايات المتحدة أهدافها الاستراتيجية فى قلب الشرق الأوسط، إذ أنجزت اتفاقية سلام كانت تسعى إليها منذ منتصف الخمسينيات بين أقوى طرفين فى الصراع العربى الإسرائيلى، ذلك فيما أدت المساومة المعيبة إبان أزمة حرب أكتوبر 1973.. إلى بداية النهاية لسياسة «الوفاق» بين القوتين العظميين، ما أسهم فى نشوب «الحرب الباردة الثانية» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.. التى استمرت بعد ذلك أكثر من عشر سنوات، قبل الانفراج العام غير المحدود بينهما عشية تسعينيات القرن الماضى.
على صعيد موازٍ، فقد أفضت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل إلى عزلة مصر عربياً طوال عقد الثمانينيات تقريباً.. فى مواجهة معارضة ما يسمى «جبهة الصمود والتصدى» بقيادة العراق.. الذى سرعان ما التمس مساعدة مصر فى حرب الخليج الأولى مع إيران، أعقبها استدراج القاهرة للانضمام إلى ما سمى «مجلس التعاون العربى»، المتطلعة «بغداد» من وراء ز عامته.. الهيمنة على ما اعتبرته «مشيخات» منطقة الخليج، إلا أن مصر سرعان ما رفضت غزو العراق لدولة الكويت أغسطس 1990، لأسباب مبدئية قد لا تتصل بإعفاء مصر من ديونها، ولتسهم مع التحالف الدولى فى تحرير الكويت فبراير 1991، من خلال صيغة دمشق 2+6 التى سعت دول الخليج لانفضاضها بعد الحرب، مفضلة أن يقتصر الدفاع عنها على تحالف النظم الملكية مع القوات الدولية، ذلك قبل أن تنجح الولايات المتحدة فى جمع شمل الأطراف المعنية وذات الصلة بالصراع العربى – الإسرائيلى.. لحضور مؤتمر «مدريد» الدولى للسلام نهاية 1991 الذى تضمنت توصياته النص على اعتماد المسارات «الثنائية» و«متعدة الأطراف»، ما يساعد إسرائيل بالتفاوض على انفراد مع كل دولة عربية، كبديل للتسوية من أجل السلام الشامل، حيث تتكامل الرؤية العربية فى مواجهة المشروع الصهيونى، وإذ سرعان ما أبرمت إسرائيل اتفاق «أوسلو».. و«وادى عربة» مع كل من الفلسطينيين والأردن منتصف التسعينيات، كآخر التفاهمات (المجهضة) قبل جمود عملية السلام لربع قرن تال إلى اليوم.