من رؤية جيل الوسط لتاريخ مصر المعاصر

من رؤية جيل الوسط لتاريخ مصر المعاصر
شريف عطية

شريف عطية

8:34 ص, الأحد, 21 يونيو 20

«كونفيدراليات».. أوهام مشروعة لجمع الشمل العربى

فى فترة المدّ القومى الذى قادته الرئاسة المصرية منذ خمسينيات القرن الماضى، تمتد جذوره المباشرة للعقد السابق.. وللدبلوماسية الشخصية لملك البلاد آنئذ، وحكوماته، لتذليل الخلافات القبلية الحائلة لالتئام تشكيل الجامعة العربية 1945، قبل أن تتزاحم النزعات التفتيتية من خصوم الخارج.. وعن الحرب الباردة العربية، لإجهاض تلك الضرورة القومية، إذ توحدت مصر وسوريا 1958، فى دولة واحدة.. تصدت حتى انفصالهما 1961.. لكل من أطماع تركيا التوسعية، وللأيديولوجيات غير القومية – شيوعية أو إسلامية .. إلخ، ذلك قبل أن تعاود كل من سوريا والعراق 1963 – عبر القيادتين القطريتين لحزب البعث – بحث مسألة الوحدة مجدداً مع مصر، والمطروحة سلفاً مع العراق منذ ثورة 1958، لولا أن فشلت المحادثات الثلاثية فى الستينيات بسبب التنافس على الزعامة بين الناصريين والبعثيين، رغم انتمائهم القومى المشترك، الذى تحول فى العقود التالية إلى أقرب ما يكون لحالة العداء بين بعضهم البعض، خاصة بين حزبى البعث السورى والعراقى، كما فى محاولات الأخير اختراق الداخل المصرى 1968 فى صفوف العمال والقوات المسلحة، ما تسبب فى عدم التوازن فى السياسة الخارجية للدول الثلاث الرئيسية فى العالم العربى، ولأن يتناولهم الخصوم بشكل أو آخر منذ السبعينيات، سواء بتحييد القدرات العسكرية بمصر عقب انفرادها عن سوريا.. بتوقيع اتفاق فض الاشتباك الثانى مع إسرائيل سبتمبر 1975، أو سواء بإنهاك الجيش العراقى فى حربى الخليج الأولى والثانية 80 – 1991 قبل اجتثاثه إبان وعقب الغزو الأميركى للعراق 2003 وبالتزامن مع قرار الكونجرس «محاسبة سوريا» وإجبار الجيش السورى للانسحاب من لبنان 2005 .. قبل سنوات من تورطه فى حرب إقليمية – أهلية منذ العام 2011 ولنحو عقد تال إلى اليوم، ذلك فى الوقت الذى كان من المتوقع أن تلقى مصر نفس مصير العراق وسوريا، لولا أن أفلتت منه عبر ثورة الشعب والجيش فى منتصف 2013، لإسقاط حكم «الإخوان»، ومن ثم إلى دعم تسليح الجيش المصرى بالعتاد المتقدم غير المسبوق، ليتمكن من الدفاع عن الأمن القومى عبر الحصون الطبيعية الأربعة لمصر، والمهددة سواء من سيناء شرقًا، أو من ليبيا عبر الصحراء الغربية، ومن وادى حلفا جنوبًا (السودان)، وعبر تركيا عند الثقب الأسود شمال شرق البحر المتوسط، حيث تقاتل مرتزقة تركيا – وقواتها – فى سوريا كما فى ليبيا، بينما تنشب مخالبها فى شمال العراق، ومستهدفة كذلك استقرار مصر عبر الصحراء الغربية.. فى حال نجاح مخططها فى الهيمنة على ليبيا، التى سبق أن أعلنت مع مصر فى العام 1972، عزمهما الدخول فى «وحدة اندماجية» حال دون استكمالها تنازع رئيسيهما حول الزعامة، إذ اعتبر القذافى أن مصر وقتئذ «شعب بلا قيادة».. فيما ليبيا «قيادة بلا شعب»، ولينعكس ذلك.. ليس بالسلب على طبيعة العلاقات بين القاهرة وطرابلس فحسب، بل على مجمل الصيغة التضامنية الناشئة آنئذ بينهما، ومع سوريا، فى إطار «اتحاد الجمهوريات العربية» الذى سرعان ما انفضت عراه الهشة عقب حرب أكتوبر 1973، إيذاناً بمرحلة من التباعد وعدم توازى الخطوات السياسية بين الدول الثلاث، وصلت أحيانًا إلى حد التصادم المسلح لمصر على الحدود الغربية مع ليبيا 1977، ذلك فى الوقت الذى عجز «اتحاد الدول المغاربية» فى الثمانينيات – بمشاركة مصر كمراقب – عن الاجتماع إلا مرتين كتحصيل حاصل دون مضمون حقيقي، وبحيث أصبح من الطبيعى بعدئذ أن تكون ليبيا هى الطرف الثالث لفوضى «الربيع العربى» 2011 عبر جناحيها الشرقى والغربى فى تونس ومصر، ولتصبح بعد تقليم أميركا قدراتها الصاروخية، وغير التقليدية فى ديسمبر 2003 وفى أعقاب غزو قوات الناتو لأراضيها .. واغتيال القذافى أكتوبر 2011، دولة مستباحة من الجميع أقرب إلى «الدولة الفاشلة»، وبالتزامن مع خلع «مبارك»، إلا من بقاء السودان – الطرف الثالث من المثلث الذهبى الاستراتيجى الذى يجمعها مع مصر وليبيا، تحت حكم المؤتمر الوطنى (الفرع المحلى للإخوان المسلمين) التى لا ترعوى ميليشياتها عن إشاعة العنف والفوضى فى الدول الثلاث.. التى سبق أن اجتمعت على العمل التضامنى فى 1971 – ولكن بلا جدوى.. فى إطار ما سمى وقتئذ «ميثاق طرابلس»، كذلك فيما كان من عدم فاعلية اتفاقات «التكامل» بين مصر والسودان 1980، ذلك وسط حالة تكرارية بين دولتى وادى النيل.. من جفاء مزمن بينهما، قبل إعلان استقلالهما عن بريطانيا 1956، وبعده إذ كان من المنتظر أن يسفر تقرير المصير للشعب السودانى عن اختيار الوحدة مع مصر، لولا بعض المعوقات، فى صدارتها -مجازاً- عزل الرئيس «نجيب» ذى الجذور السودانية عن الرئاسة المصرية فى العام 1954، ليختار السودانيون الاستقلال عن مصر، قبل نحو نصف قرن ونيف من انفصال جنوب السودان عن شماله يوليو 2011 بحيث لم تفلح تطلعات الشعب لتحقيق الكونفيدرالية بين شطرى السودان، كما فشلت من سابق بين السودان ومصر، ما ينعكس بالسلب ليس على العلاقات فى طول الخط الواصل بين «جوبا» و«الإسكندرية»، مروراً بالخرطوم، بل أيضاً على أمنهم القومى، كذلك على حصصهم المائية التاريخية من نهر النيل.

ما سبق، غيض من فيض لمحاولات اندماجية أو فيدرالية أو كونفيدرالية بين الوحدات السياسية للعالم العربى، لم يكتب لها النجاح أو الاكتمال، ليس آخرها ما كان مما يسمى المملكة المتحدة 1972 بين الأردن والفلسطينيين، ربما يمتد بالأمس البعيد أو الغد القريب – للتضامن مع العراق لاستئناف ما كان من الفيدرالية الهاشمية بين الأردن والعراق 1958 قبل شهور من سقوط العرش العراقى، إذ لم تفلح صفقة سايكس بيكو 1916، التى ابتدعت الحدود السياسية لكل من العراق وشرق الأردن، ناهيك عن الوعد بوطن قومى لليهود فى فلسطين، فى توحدهم، بأقله فى كونفيدرالية واحدة، ربما تضم لبنان، بحسب تصريحات لقادة فلسطينيين وإسرائيليين فى تسعينيات القرن الماضى، إلا أنه ومع قرب أفول صيغة سايكس بيكو لصالح صيغ جديدة للإمبريالية الأميركية، ووكلائها الإقليميين ربما يسفر المخطط التفتيتى الجارى للعرب على قدم وساق Fragmentation ربما لما هو أقرب إلى الكانتونات، من الضرورى لاستمرارها على قيد الحياة أن تتشكل معاً فى وحدات كونفيدرالية، على المنظومة العربية أن يكون لها قصب السبق فى تشكيل التضامن بين الكيانات الكبرى قبل محاولة تفتيتها وفقًا للمخططات الإمبريالية القائمة، ولمواجهة الأوضاع العالمية والإقليمية.. المنطوية على تهديدات مختلفة للنظام العربي، المطالب بدور فاعل ومؤثر فى تسوية النزاعات والحروب الأهلية فى الجسد العربي، فيما يد الجامعة العربية مغلولة، ودورها يبقى محدودًا فى مواجهة أطراف من خارج المنطقة ممسكة بمفاتيح التسوية، ذلك باتخاذ مواقف عربية جماعية تتصف بالتحرك العملي، ما يقتضى بالضروة أجندة للأمن القومى العربى، تقوم على تنسيقها الجامعة العربية، ضمن آليات قائمة بالفعل، وبالتعاون مع منظمات المجتمع الأهلى، القانونية والبرلمانية.. وما إليها، تخاطب الرأى العام العالمى، والفاعليات السياسية المختلفة، وبحيث تنهى بادئ ذى بدء عقوداً ممتدة من الخلافات والانقسامات.. بين ما تسمى الدول التقدمية والمحافظة، وبين الناصريين والبعثيين، وبين القومية العربية والأممية الإسلامية، وبين الطائفية والمواطنة، والغيرة الدبلوماسية لأجل الزعامة العربية، لمنطقة باتت كأرض صراعات للوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، ولتتحول من ثم إلى أشكال جديدة متقدمة من العمل السياسى والاقتصادى والاجتماعى غير المسبوق فى التاريخ العربى المعاصر، ربما فى سبيل كونفيدراليات واعدة لمشاريع غير وهمية تجمع شمل العرب.