فى أعقاب إعلان طارق عامر، محافظ البنك المركزى، والدكتور ، وزير المالية، التوصل لاتفاق مبدئى بين الحكومة المصرية وبعثة صندوق النقد الدولى لإقراض مصر 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات بعد مفاوضات متقطعة بدأت فى أعقاب ثورة 25 يناير، شنت جماعة الإخوان المسلمين عبر بيان لها هجوماً حاداً على القرض والنظام الحالى، مؤكدةً أن اشتراطات الصندوق والقرض سيتحملها الأجيال المقبلة وستغرق البلاد فى الديون التى سيدفع ثمنها الشعب المصرى.
“المال” رصدت موقف الإخوان المتضارب من قرض الصندوق وخلال السنوات الخمس الماضية منذ ثورة يناير وحتى الآن :
خلال تولى المجلس العسكرى الحكم
أعلن صندوق النقد الدولى بعد الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك على لسان مسعود أحمد، مدير قسم الشرق الأوسط ووسط آسيا بالصندوق، استعداده إقراض مصر 3.2 مليار دولار لسد عجز الموازنة إلا أن المجلس العسكرى آنذاك برئاسة المشير حسين طنطاوى أكد رفضه واعتماده على مصادر تمويل محلية وقروض حكومات عربية لتمويل العجز.
ومع تولى الدكتور كمال الجنزورى، رئاسة الوزراء خلفاً للدكتور عصام شرف، أعلنت مصر رغبتها فى الاقتراض من صندوق النقد الدولى إلا أن الدكتور محمد مرسى وذلك خلال رئاسته لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، انتقد تلك الخطوة قائلاً “إن الحكومة لم تقدم حتى الآن خطة الإجراءات الاقتصادية المتعلقة بالقرض، كما أن الحزب لا تتوافر لديه المعلومات المطلوبة حول الاحتياج الحقيقي للموازنة العامة في مصر، وكيف سيتم استغلال هذا القرض وطرق سداده، مشيرًا إلى أنه يمثل عبئا على الشعب المصري ومن حق الشعب أن يعرف مصارف إنفاقه وطرق سداد”.
وتابع: “الحكومة لم تبذل الجهد المطلوب لإيجاد بدائل أخرى لا تزيد من أعباء الدين العام، كما أن البرنامج المقدم من الحكومة حول هذا القرض عام وإنشائي وليس فيه توضيحات كافية تمكن حزب الحرية والعدالة من دراسته بشكل واف يساعده علي اتخاذ القرار النهائي بما يحقق طموحات وآمال الشعب المصري ولا يزيد من أعباءه الاقتصادية والاجتماعية”.
وخلال تلك الفترة وقبيل إجراء الانتخابات البرلمانية أعلن حزب الحرية والعدالة عن توصله لعدد من البدائل لقرض الصندوق والتى كان من أبرزها تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، وضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة، وإلغاء الدعم على المحروقات، وطرح أراضى للمصريين المقيمين بالخارج، وغيرها والتى رأها الحرية والعدالة على لسان الدكتور أحمد مطر، القيادى البارز بالحزب، أنها ستوفر 195 مليار جنيه.
ومع تشكيل مجلس الشعب وحصول الحرية والعدالة على الأغلبية رفض البرلمان قرض صندوق النقد الدولى والذى بلغت قيمته حينها 4.8 مليار دولار.
ووفقاً لتصريحات الشيخ السيد عسكر القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس الشعب عن الحرية والعدلة، خلال مناقشة المجلس للقرض، فإنه رفض بشدة الحصول على أي قروض من البنك الدولي، لأنها تعد إحدى الطرق الربوية”.
خلال فترة حكم محمد مرسى
ومع تولى محمد مرسى مقاليد الحكم بالبلاد فى يونيو 2012 وإسناد رئاسة الورزاء للدكتور هشام قنديل أكد خلال كلمته أمام منتدى الأعمال الصيني المصرى، أن قرض صندوق النقد الدولي ليس ربوياً، لأن معدل خدمة الدين لا يتجاوز ١.١%، مشدداً على أنه لا توجد وصاية من صندوق النقد الدولي على مصر مقابل القرض.
وأشار هشام قنديل خلال مؤتمر صحفي مشترك له ورئيسة صندوق النقد الدولى كريستين لاجارد والذى عقد فى أغسطس 2012 إلى أن الحصول على قرض الصندوق سيعزز مكانة الاقتصاد المصري دولياً، وسيكون بمثابة شهادة على قوة واستقرار الاقتصاد المصري.
وقالت رئيسة صندوق النقد الدولى خلال كلمتها بالمؤتمر الصحفى إن الرئيس مرسي أبدى إعجابه ببرنامج صندوق النقد الدولي، لأنه سيسهم في دعم الاقتصاد.
وعلى الرغم من موافقه الإخوان والحرية والعدالة على قرض الصندوق إلا “مرسى” فشل فى إبرام اتفاق القرض والبالغ قيمته 4.8 مليار دولار في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد والتي زادت حدتها عقب الأحداث التي صاحبت الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير وحكم مجزرة بورسعيد.
ومع تصاعد وتيرة الغضب الشعبى ضد حكم الإخوان واندلاع الموجة الثورية الثانية فى 30 يونيو 2013 توقفت مفاوضات مصر مع الصندوق بشأن القرض.
خلال تولى المستشار عدلى منصور الحكم
شهدت تلك الفترة الانتقالية فى أعقاب عزل “مرسى” وتولى المستشار عدلى منصور مقاليد الحكم بالبلاد وفقاً لخارطة الطريق التى أعلنها الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع آنذاك، فى 3 يوليو 2013 اتجاه الحكومة برئاسة حازم الببلاوى إرجاء المفاوضات مع الصندوق والاعتماد على المساعدات الخليجية فى سد عجز الموازنة العامة.
ووفقاً للتصريحات التى أدلى بها أشرف العربي وزير التخطيط في حكومة الببلاوي قبل آدائه اليمين، فإنه ينبغي تأجيل مفاوضات قرض صندوق النقد الدولي خلال هذه المرحلة، وأن المساعدات العربية – التي وُعدت بها مصر وتقدر بنحو 12 مليار دولار- من شأنها أن تساعد على تخطي المرحلة الانتقالية”.
بعد تولى السيسى رئاسة البلاد
فى بداية تولى السيسى حكم البلاد جاءت تصريحات عدد من المسئولين الحكوميين لتؤكد عدم وجود نية لاستئناف مفاوضات مصر مع الصندوق بهدف إتمام اتفاقية الحصول على قرض لسد عجز الموازنة العامة، فى ظل مراهنة العديد من المسئوليين الحكوميين على المؤتمر الاقتصادى العالمى فى جذب الاستثمارات الأجنبية للنهوض بالاقتصاد.
وقال إبراهيم محلب، أول رئيس وزراء بعد تولى السيسى مقاليد الحكم، فى تصريحات له فى نوفمبر 2014: إن الحكومة أعدت برنامجًا اقتصاديًّا إصلاحيًّا؛ للخروج من الأزمة الراهنة، التي تستهدف زيادة معدلات النمو وزيادة فرص الاستثمار، بدون اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولى.
وفى مايو 2015، قالت وزيرة التعاون الدولي، الدكتورة نجلاء الأهواني، فى تصريحات لها على هامش الاجتماعات التحضيرية للجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة: “إن الحكومة لا تفكر في الوقت الحالي في استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لأن توقيتات الإصلاحات التي يطلبها قد تكون غير متوافقة مع الأوضاع الاجتماعية في البلاد ولظروف الدولة نفسها”.
إلا أنه فى منتصف يونية من العام الحالى ومع تصاعد أزمة عدم توافر الدولار وفقدان السيطرة على أسعار الصرف، أكدت مصادر حكومية، أن مصر عادت لإجراء مفاوضات مبدئية مع مسئولى صندوق النقد الدولى للحصول على قرض لم تتحدد قيمته، وبمبلغ جديد يختلف عما أُعلن فى فترات سابقة، ليعلن الصندوق الخميس الماضى على لسان كريس جارفيس، رئيس بعثة الصندوق إلى مصر في بيان نشر على الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي: “يسرني الإعلان عن التوصل إلى اتفاق على مستوى المسؤولين بين القاهرة وبعثة الصندوق بشأن برنامج تمويلي بقيمة 8.59 مليار وحدة سحب خاصة، ما يعادل 12 مليار دولار، لمصر على مدار 3 سنوات”.
ويقدم القرض برنامج تمويلي يهدف إلى تحسين أسواق العملة وتقليص عجز الموازنة وخفض الدين الحكومي، وأنه من المتوقع انخفاض عجز الموازنة المصرية من 98% من حجم الناتج المحلي في 2015-2016 إلى 88% في 2018-2019.
وبالتزامن مع إعلان جارفيس التوصل لإتفاق بشأن القرض مع مصر، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين فى بيان شديد اللهجة رفضها القرض وعدم اعترافها به قائلةً “حذرت جماعة الإخوان المسلمين من عدم الاعتراف بأي اتفاقيات أو معاهدات يبرمها النظام الحالي، لا سيما وأن تلك الاتفاقيات التي تسمح بالتدخل الأجنبي في إدارة شئون مصر والتحكم في مقدرات الشعب والوطن، وأنه سيعقبه كوارث تعصف بالمواطنين وتسحق الفقراء والمساكين، منها ارتفاعات جديدة في الأسعار وتعويم سعر الجنيه المصري ورفع الفائدة وزيادة نسبة التضخم وخفض الأجور وزيادة الضرائب وخفض دعم الطاقة وسيورط مصر في ديون لا قبل لها به”.