رشاد العقل بين سلطان الذات وقبضة الأرض ونواميس الحياة
(6)
التفات الآدمى لخارج ذاته قديم جدًّا جدًّا.. لأن خارج ذاته هو ميدان سعيها لتمويل حاجات حياته المادية والعاطفية.. وهذا التمويل هو إلى اليوم سلم القفز الأول ـــ لاستخدام ما يمكن استخدامه للنفوذ والقوة والسلطة والمكانة واليسار.. قد تطول هذه القفزة وقد تقصر.. لأن لها حتمًا نهاية دائمة قد لا تتغير قط.. ويبدو أن هذه القفزة الأولى قد أنهكها تهافت ألوف الألوف عليها فى كل مكان.. فلم يَعُدْ يمكن أن يطول أمد بقاء الموجودين أو المستجدين ـــ من ذوى النفوذ والقوة والسلطة والمكانة واليسار.. خاصة بعد فشل الاشتراكية وبعد الولع المجنون الواضح لدى ملايين مدعى اليسار الكاذب فى كل مكان ـــ الذين يقتنون بالقسط جديد السيارات وغالى الملبس والزينة ويترددون على مطاعم الشهرة والملاهى ويظهرون فى المصايف وأحيانًا فى المشاتى.. وهذه معالم انحدار اجتماعى سريع الانهيار عواقبه أكبر بكثير جدًّا منه!
وقد لا ينجى بشرية البشر من نهايتها ـ كما قد حدث من قبل لمخلوقات لا حصر لها كانت حية زالت وبادت ـ إلاّ فريق هام من الآدميين يقظ واعٍ عاقل حازم يأخذ ـــ بتماسكه وإصراره وجده ـــ بقيادة أهل الأرض إلى الإفادة الجادة من اتصال البشرية بالفضاء الواسع العالمى فى الكون العظيم بموارده وخزائنه وقواه وطاقاته التى عرفنا الآن أنها لا حدود لها، وأنها واسعة سعة أعطت وأتاحت لنا حتى الآن إنجازات هائلة لم يكن آخرها ـــ بداهة ـــ إمكان الانتقال جوا بسرعة تضاهى وتزيد على سرعة الصوت، ولا الأقمار الصناعية وما ترصده من حركة على الكرة الأرضية وما تكشفه من تضاريسها أو مكنونات جوفها، وإنما تحققت عبر الفضاء إنجازات اللاسلكى والفاكس والفضائيات وشبكات الإنترنت، والطاقة الشمسية وغيرها مما لا مجال الآن لحصره مما تحقق بسبب الخروج من قبضة الأرض إلى عالم الفضاء الواسع وخزائن الكون العظيم التى لا تبخل ويستحيل أن تبخل بإمداد البشر بما ينفعهم وينقذهم ـــ من ضائقة أرضهم وآلامها وأهوالها ـــ فى عزلتها الحالية الكئيبة التى يتضور أغلبنا فيها بغير منفذ أو منقذ!
ونحن فى يقظتنا دائمو التصور الارتجالى التائه الذى يتخلله من آن إلى آخر غرض أو أغراض تسوق إلى تصور متتابع قد يبرز غرضًا أكثر وضوحًا ـ إيجابيًا أو سلبيًا ـ نحاول تحقيقه أو العدول عنه.. وذلك فى الأغلب الأعم سطحى وقتى لا يحرك أعماق صاحبه، وإنما يؤدى به إلى الانكباب السريع على تنفيذ مراده وما يستدعيه أو بالعكس.. هذا الانكباب الذى يملأ الآدمى همًا أو قلقًا أو أسى أو يأسًا.. وهى أمواج دائمة لا ينقطع تواليها فى أى آدمى من بدايات طفولته إلى آخر حياته يستحيل قطعها أو حصرها أو ترتيبها أو تنظيمها إلاّ نادرًا.. ولذلك بدت القواعد العامة فى الجماعات البشرية منذ عرفت حتى الآن دائمًا نسبية الالتزام نسبية الاتباع لدى الملتزم بها.. هذا ولاستحالة تصور الاتفاق الدائم أو حتى التشابه الدائم ـ قنع الناس من أول الدهر إلى اليوم باتباع القاعدة العامة الملائمة لمناسبتها كلما حانت فرصتها فى نظر الأغلبية.. وهذا قد أفسح دائمًا الفرص لظهور الجديد فى الجماعة البشرية والحماسة لنشره حتى مع شدة المقاومة. وهذا هو بداية التغييرات المطردة الدائمة الطروء على أحوال الجماعات.. سديدًا كان ذلك أو ظهر فيما بعد أنه لم يكن سديدًا!
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com