من تراب الطريق(857)

من تراب الطريق(857)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:01 ص, الثلاثاء, 12 مايو 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (66)

لم تكن علاقة بالإنجليز علاقة طيبة منذ قيام الحرب العالمية الثانية ، وازدادت سوءًا بحادث 4 فبراير، ثم هدأت بعض الشئ ونسى فاروق الإنجليز وهو يلعب الورق فى نادى السيارات أو يذهب إلى الأوبرج ونسيه الإنجليز ببرودهم المعهود حتى سنة 1951 حين أعلن النحاس رئيس الحكومة إلغاء معاهدة الصداقة والتحالف التى عقدها مع إنجلترا سنة 1936 قائلاً فى البرلمان كلمته المشهورة : « من اجل مصر عقدت معاهدة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها ».

وكانت صدمة شديدة للحكومة البريطانية لأنها فوجئت بالإلغاء ولم تخطر به مسبقًا من سفارتها فى القاهرة وكانت لطمة عنيفة للسفير البريطانى السير رالف ستيفنسون وأقر الملك فاروق الإلغاء.

ولعل الإنجليز كانوا يظنون أنه يستطيع منع النحاس من إلغاء المعاهدة، ولكن المراغى يرجح أن الإنجليز وصلتهم معلومات بأن الملك فاروق هو الذى أوحى إلى النحاس بإصدار قرار الإلغاء، بحجة أن الإنجليز طولبوا بالجلاء عن قناة السويس وأنهم يماطلون.

وبدأت كتائب من الفدائيين تشكل من صغار الضباط والإخوان المسلمين والوفديين

والحزب الإشتراكى وترسل إلى منطقة القناة لمهاجمة القوات الإنجليزية ووسائل مواصلاتها ومعسكراتها.

واشتعل صدر الإنجليز غضبًا لما أذاعته الصحف من أن الملك فاروق تبرع للفدائيين بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه، وأن حكومة الوفد تمد الفدائيين بالأسلحة والمال 0

وكان الإنجليز يعلمون بواسطة قلم مخابراتهم الكثير عن حركة الضباط الأحرار ويعلمون أسماء مقاتليهم فى منطقة السويس.

وكان من زعماء تنظيم الكتائب فى منطقة قناة السويس وجيه أباظة وعبد اللطيف واكد، وفى اصطدام بين دورية بريطانية ودورية من الكتائب أسر البريطانيون ضابطًا مصريًا، وأخذوه إلى المخابرات البريطانية لاستجوابه ودخل الضابط المصرى غرفة ضابط المخابرات البريطانى الذى بادره بالسؤال عن اسمه : فأجاب الضابط المصرى اسمى محمود.

سأل ضابط المخابرات : وما صناعتك؟

قال الضابط المصرى : طالب فى الجامعة.

قال ضابط المخابرات ضاحكًا بسخرية : إن اسمك هو عصمت وصناعتك ضابط فى الجيش المصرى أرأيت أننا نعرف كل شىء عنكم ؟ والآن قل لى لماذا تقاتلوننا ؟

قال الضابط المصرى : لأنكم تحتلون بلادنا ولا تريدون أن تذهبوا.

قال ضابط المخابرات : ولكن قبل أن ترحلونا ألا يحسن بكم أن ترحلوا الملك فاروق ، نحن نعلم أنكم تنظمون حركة ضده فلماذا لا تعجلوا بالخلاصة منه ؟ أذهب إلى وجيه أباظة وعبد اللطيف واكد وقل لهما هذا الكلام.

فهل أراد الإنجليز أن يطلقوا بهذه الرسالة الضوء الأخضر لحركة الضباط الأحرار للقيام بحركتهم بغير خشية أو رهبة من أن يقاومها الجيش الإنجليزى، كما حدث فى حركة عرابى ضد الخديو توفيق.

لقد أراد الملك فاروق فعلاً أن يستعين بالإنجليز فى اليوم التالى لقيام الثورة فأرسل ـ فيما يقول المراغى ـ مبعوثًا إلى السفارة البريطانية قابل فيها الوزير المفوض مستر كرسويل الذى كان قائمًا بأعمال السفير.

وقال المبعوث للوزير المفوض : إننى موفد من الملك فاروق برسالة إليك.

سأل المستر كرسويل ( بسخرية ) وما هى الرسالة ؟

وقال المبعوث : إنه يود معرفة ما إذا كنتم تستطيعون مساعدته ؟

أجاب المستر كرسويل : وهل تظن أننا نساعد مجنوننًا ملعونًا ( Dam FOOL) !!

وترك الإنجليز فاروق لقدره !

هل خدعوا فاروق ؟

أم هو الذى خدع نفسه ؟!

هكذا ذهب فاروق وتخلى عن العرش، لأنه كان لم يعرف كيف يصونه كما صانه والده بالصبر والجد وتتبع مجريات الحوادث بعين حذرة وبصيرة، اما الإبن : فاروق فكان لاهيًا عن كل شىء إلا طمعه وملذاته، مستهترًا بكل شىء إلا حب المال وحب الميسر، استهتر بالشعب واستهتر بحكومته، وكان استهتاره إستهتار طفل عنيد مشاغب ظن أنه يستطيع أن يفعل أى شىء حين لم ير أحدًا ينهره أو يزجره.. كان يتظاهر بالقوة والجبروت، ولكن ما إن بدا له فى الأفق أن هناك ثورة قد يكون فيها خطر على حياته حتى انهار وخارت قواه، أمر يخته « المحروسة » بالاستعداد للإبحار فى الساعة العاشرة من مساء يوم 23 يوليو، وأمر قائد بوليس السراى بأن يتصل بحكمدار بوليس القاهرة لكى يخبره ألا يقوم البوليس بأية محاولة ضد الجيش، وأقال الوزارة قبل أن يتمكن مبعوثه من الاتصال بقيادة الثورة.

كان يريد الفرار بأى ثمن، يريد النجاة بجلده ورقبته ويحقق الرغبة التى طالما عاشت فى صدره وهو أن يترك مصر ليعيش فى الخارج.

ومن سخرية القدر ـ فيما يضيف المراغى ـ أنه أراد أن يصطحب معه أنطون بوللى سكرتيره المالى الذى كان يعرف كل شىء عن أموال الملك فاروق، ولكن ضباط حركة الجيش قبضت على هذا السكرتير وخرج الملك فاروق من دونه.

وذهب فاروق إلى أمه حين خلع عن العرش يبكى فقالت له شيئًا يقرب من بيت الشعر الذى قالته أم ملك اندلسى خلع عن العرش لفساده « ابك مثل النساء ملكًا لم تحافظ عليه مثل الرجال ».

ولم تكن المفاجأة الكبرى لدى فاروق فى فقده العرش، وإنما كانت بعد وصوله إلى أوروبا واكتشافه ان أكثر المال الذى كان يعطيه لبوللى ليودعه فى مصارف أوروبا ؛ قد أودعه بوللى باسمه هو لا باسم فاروق، وعاش فاروق الذى ظن العالم أن عشرات الملايين من الجنيهات كانت مودعة باسمه.. عاش بأقل من مليونى جنيه أطاحت بأكثرها عصابة من المحتلين الأجانب اتصلت به وأغرته بتوظيف أمواله فى مشاريع احتيالية وهمية، وضيع هو الجزء الآخر فى كازينوهات مونت كارلو وفينسيا وسان ريمو.

ويؤكد المراغى أنه كان على يقين أن فاروق ظل يعانى ضائقة مالية شديدة، وأنه كان يحصل على معونة سعودية شهرية قدرها ثلاثون ألف جنيه استرلينى شهريًا، وعندما قطع عنه الملك سعود هذه المعونة راح يفكر فى وسيلة يستعيد بها ما فقد !

rattia2@hotmail.com