من تراب الطريق(849)

من تراب الطريق(849)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:09 ص, الخميس, 30 أبريل 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (58)

يروى مرتضى المراغى أنه فى التاسعة مساءً اتصل به إسماعيل شرين، مستفسرًا عن اتصاله به عدة مرات، فأخبره بشكوكه حول ما أخبره به حكمدار القاهرة، وكيف أنه حاول الاتصال بحيدر دون جدوى، وبه فوجده يصطاد، وبالملك فوجده يعوم فى البحر، والهلالى يقول اتركهم يتفلقوا، ولكن يبدو أنه الوحيد المفلوق.

فأكد له إسماعيل شرين أنه سيتصل بحيدر، ويعرف أين يجده، وفى التاسعة والنصف عاود شرين الاتصال به ليخبره أن حيدر تكلم معه، ولما أخبره بكلام حكمدار البوليس قال حيدر : إن بوليس مصر يخالطون كثيرًا الحشاشين ولهذا كثيرًا ما يتخيلون مثلهم خيالات عن انقلابات!

قال له المراغى: يا إسماعيل لن تمضى هذه الليلة حتى تفيق أنت وحيدر والملك من سطوة المخدر المخيمة على رءوسكم، بس ربنا يستر ويحفظ البلد.

وفى الساعة العاشرة راودت المراغى فكرة أن يجرب شيئًا آخر فاتصل باللواء محمد نجيب ليقول له: يا لواء نجيب، إن فريقًا من الضباط يتجمعون للقيام بانقلاب، ومعظمهم من سلاح المشاة الذى أنت قائده. وأنه يخشى من تدخل القوات البريطانية، ويعود حادث عرابى والخديوى توفيق.

قال محمد نجيب : أقسم بالله العظيم أنى لا أعرف شيئًا.

قال المراغى: حاول أن تعرف شيئًا. وأنت تستطيع مع أولادك أن تكبح جماحهم.

ولكن شيئًا أدهشه بل أذهله، ففى الساعة العاشرة والنصف اتصل به مأمور ميناء الإسكندرية وقال له إن اليخت الملكى المحروسة، أمر بالتأهب للإبحار فى فجر الغد وأن البحارة والضباط الذين فى أجازة يبحث عنهم للعودة إلى اليخت قبل منتصف الليل. إذن ففاروق يريد أن يهرب!!

حجز قائد المدفعية

يروى المراغى أنه فى الساعة الحادية عشرة مساء أتصل الفريق حيدر باللواء حسين فريد وطلب إليه التوجه إلى مكتبه فى قيادة الجيش فى العباسية لأن معلومات وزارة الداخلية تقول إن هناك بعض مظاهر التذمر فى صفوف بعض فرق الجيش، ويحسن أن يكون فى مكتبه لمراقبة الحالة.

سأل حسين فريد: هل أعلن حالة الطوارىء فى الجيش ؟

قال حيدر: لا.. لا داعى إطلاقًا لذلك، وعلى كل حال انتظرنى فى المكتب وسأمر عليك .

قال حسين فريد: هل أستدعى اللواءات قواد الفرق ؟

قال حيدر: لا.. لقد طلبت من طنطاوى قائد المدفعية أن يذهب إلى مكتبه من باب الاحتياط.

قال حسين فريد: وبقية القواد؟

أجاب حيدر : لم أجد داعيًا لاستدعائهم.

وفى الساعة الثانية عشرة ذهب ضابطان إلى غرفة اللواء طنطاوى وقالا له: حيدر باشا يطلب سعادتك على التليفون.

سأل اللواء طنطاوى : ولماذا لا يكلمنى فى مكتبى؟

قال أحد الضباط : تليفونك عطلان يا أفندم، فتفضل إلى غرفة الضابط النوبتجى.

كان اللواء طنطاوى جالسًا يمسح عرقه المتصبب على الرغم من وجود مروحه أمامه، وكانت أزرار جاكيته التى كانت تخنق كرشه الغليظ مفكوكة، فقام متثاقلاً وسار، وأمامه ضابط ووراءه الآخر ودخل غرفة التليفون، وأقفل الضابط المتأخر الباب بالمفتاح وأخرج الضابط الأول مسدسًا وضعه فى كرش اللواء وقال :

سعادتك ستظل هنا محبوسًا وأرجو ألا تقوم بأية حركة.

قال اللواء طنطاوى : إيه ده يا ولاد، هذه دعابة سخيفة.

قال الضابط: ليست دعابة، وإياك أن تصرخ وإلا خرجت أمعاؤك.

وتحركت عند منتصف الليل كتيبة من المشاة يبلغ أفرادها ستمائة جندى بقيادة البكباشى يوسف صديق إلى مقر رئاسة أركان الحرب، واقتحموا الأبواب الخارجية، فأطلق أحد الحراس النار وكانت طلقة واحدة رد عليها بمدفع رشاش أصيب الحارس بجراج، وقبضوا على رئيس الأركان ولم يكن معه إلا ضابط واحد وجندى واحد، ثم تحركت وحدة صغيرة من سلاح الفرسان وتبعتها وحدة من سلاح المدفعية بقيادة ضابط برتبة صغيرة.

وعند تحرك كتيبة المشاة اتصل بالمراغى تليفونيًا أحمد طلعت حكمدار العاصمة وأبلغه النبأ وطلب منه التعليمات.

قال له المراغى أن ينتظر قليلاً، واتصل بإسماعيل شرين فوجده نائمًا فطلب ايقاظه، ورد عليه متثائبًا خير أنشاء لله؟

فقال له المراغى: اسمع يا إسماعيل لقد حذرتك الساعة التاسعة من قيام انقلاب وقلت لى بعد أن اتصلت بحيدر أنه يقول : إن هذا كلام حشاشين، والأن قامت كتيبة مشاة واستولت على مقر قيادة الجيش وأنت وزير الحربية لا علم لك بشىء فمن هو الحشاش ؟

قال إسماعيل شرين : وماذا أصنع بحيدر، هو الذى قال لى ذلك.

قال المراغى : اتصل الآن بحيدر يا إسماعيل.

قال شرين: اتصل به أنت فأنا نعسان ومتعب.

قال المراغى ساخطًا: إذن اذهب إلى الجحيم أنت وحيدر، وأنهى المكالمة.

وعاد المراغى للاتصال بحكمدار القاهرة يسأله عن مجريات الأمور. فقال: إنهم يتوجهون إلى الإذاعة فماذا أصنع؟

قال المراغى: هل تستطيع أن تصنع شيئًا؟

قال الحكمدار: يا فندم هل من الممكن أن أقاوم دبابات الجيش ببنادق رمنجتون وموزر؟

قال المراغى: لم أقل لك أن تقاوم.

قال الحكمدار: على فكرة اتصل بى قومندان بوليس السراى الملكى منذ عشر دقائق وقال إن جلالة الملك يقول لك لا تحاول المقاومة، وامنع البوليس من الخروج للاصطدام بالجيش.

قله له: حسنًا وإذا وجد شىء فاتصل بى.

www. ragai2009.com