من تراب الطريق(836)

من تراب الطريق(836)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:11 ص, الخميس, 9 أبريل 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (45)

لماذا اختاره الهلالى وزيرًا للحربية؟

لم تدم رئاسة على ماهر للوزارة بعد حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 سوى ثلاثين يومًا، ولكنها كانت حافلة بالأزمات بينه وبين المراغى كما رأينا. ولا يكتم المراغى سرًّا فيبدى أن على ماهر لم يكن يحمل ودًّا لوالده الشيخ مصطفى المراغى شيخ الأزهر.

كانت بينهما جروح قديمة، زاد عليها أن المراغى الإبن لم ينضو تحت جناحه فى حين كان على ماهر يميل إلى احتواء الذين يعملون معه.

ويروى مرتضى المراغى الذى كان قد سبق له التقدم بإستقالته ثلاث مرات، أن التليفون دق جرسه فى مكتبه: وإذ بصوت ــ عرفه ــ يصيح به بغير تحية أو سلام: « إزاى يا مرتضى تقبض على الإخوان المسلمين الأبرياء بغير ذنب؟ مش بلاش بقى الإجراءات التعسفية اللى أنت بتستخدمها معاهم؟!

عرف مرتضى صوت المتكلم وقال : تقدر تذكر لى يا رفعة الباشا أسماء الذين قبضت عليهم؟

قال على ماهر : أنت تعرفهم أكثر منى. انك تقبض عليهم بغير علمى .

وقطع على ماهر الحديث التلفونى وترك المراغى قابضُا على السماعة فى حيرة .ويعقب المراغى بأنه أيقن أن فى مكتبه جماعة من الإخوان المسلمين وأنه يريد أن يوغر صدر الإخوان عليه، وأن يظهره بمظهر المتعسف معهم.

واستدعى المراغى مدير الأمن العام وطلب منه إحضار كشوف المقبوض عليهم. وراجعها فلم يجد فيها إلاَّ عشرة من جماعة الإخوان قبض عليهم على أثر حريق القاهرة بأمر من السلطة العرفية. وقد صدَّق على ماهر بصفته الحاكم العسكرى العام على قرار القبض ووقع عليه. وتوجه المراغى إلى مكتب على ماهر ودخل عليه. ولم يخب ظنه. فقد كان فى مكتبه عدد من كبار جماعة الإخوان. وفوجىء بدخوله عليه ولكن ابتسم وقال : قد جئت لتحل المشكلة.

قال المراغى: المشكلة تحلها أنت وليس أنا. إنك أنت الذى صدَّقت على أمر القبض. وهذا هو توقيعك. تفضل بالإفراج عنهم !

قال على ماهر : إنك أنت الذى أشار بالقبض عليهم .

قال المراغى: لست أنا الذى أشار بالقبض. إنما النيابة هى التى اتهمتهم وأنت الذى صدَّقت على قرار القبض. ومن حقك ألا تصدَّق، ومن حقك أن تفرج عنهم.

قال بسرعة : قدم لى مذكرة بحالتهم .

قلت : لن أقدم لك مذكرة. وهذا هو الكشف أمامك لتتصرف فيه ولكنى أقول: إنك تريد أن تحرض علىَّ جماعة الإخوان . هذا هو هدفك الوحيد.

قال على ماهر : لا أقبل أن تقول لى: إنى أحرض عليك الإخوان .

قلت : إنك اتهمتنى أمامهم بأنى أقبض على الأبرياء، وإنى أتعسف فإن لم يكن هذا تحريضًا، أليس على الأقل هو تعريض. وهل يليق بك ان تكلم وزيرًا فى وزارتك أمامهم بهذه اللهجة؟

وخرجت إلى مكتبى وكتبت استقالة، وأرسلت نسخة منها إليه ونسخة أخرى إلى ديوان الملك، وجمعت أوراقى وذهبت إلى بيتى.

مر يومان لم أسمع فيهما شيئًا. وفى العاشرة صباحًا اتصل بى على ماهر وقال : إنه يرجو حضورى إلى جلسة يعقدها مجلس الوزراء .

قلت له: ألم يصلك خطاب استقالتى ؟

قال : ولهذا أرجو حضورك.

توجه المراغى إلى رئاسة مجلس الوزراء ودخل مكتب على ماهر .

وكان كل الوزراء مجتمعين عنده. فحياهم وجلس .

قال على ماهر : إن أخانا مرتضى قدم إلىَّ استقالته، ورأيت أن أجمعكم لعرضها عليكم.

إنى أريد منك (وتوجه إلى المراغى بالخطاب) أن تسحب الاستقالة لأنه يسعدنى أن تكون زميلاً لنا، وإنى أريد إنهاء الخلاف المؤسف بينى وبينك.

قال وزير التجارة : ونحن جميعًا يسعدنا أن تظل بيننا.

وقال وزير الخارجية : وأضم صوتى ألى صوت زميلى.

قال المراغى: وأنا يسعدنى أن أكون معكم. ولكن بغير الطريقة التى يتبعها رئيس الوزراء. إما أن نكون وزراء وإما ألا نكون.

قال على ماهر : إنى أحافظ على كرامتكم بقدر ما أحافظ على كرامتى.

قال المراغى: وهل من المحافظة على الكرامة أن تفعل مثل ما فعلت بحضور جماعة الإخوان .

قال على ماهر : إنى آسف.

وانتهى المجلس وسحب المراغى استقالته ليصطدم بمفاجأة عجيبة.

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com