من تراب الطريق(807)

من تراب الطريق(807)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:54 ص, الأحد, 1 مارس 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (16)

فى شهادته على حكم فاروق، يورد أنه حين كان الملك تحت الوصاية، عين مجلس الأوصياء بعضًا من كبار الأساتذة فى القانون والعلوم السياسية وفى الدين لتثقيف الملك؛ بيد أن تصرفاته معهم كانت مخيبة للآمال، حالة كونه كان يضيق ذرعًا بالدروس، فصدر منه تصرفات غير مقبولة، مما جعل هؤلاء الأساتذة يعتذرون عن الذهاب إلى القصر الملكى بحجة المرض، ولم يكن ذلك الاعتذار بغيضًا إلى فاروق.

ويروى مرتضى المراغى، أنه فى ذات شتاء توجه الملك فاروق إلى مدينة أسوان كعادته كل شتاء. وبعد أسبوع من إقامته أمر رئيس ديوانه أن يطلب من محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء فى ذلك الوقت والوزراء التوجه إلى أسوان لعقد اجتماع لمجلس الوزراء تحت رئاسة الملك. وكانت حجة الملك أنه يريد عقد المجلس لبحث اضرابات قامت فى بعض المصانع احتجاجًا من العمال على عدم زيادة أجورهم. وتوجه الوزراء فى القطار فرحين، لأنهم سينعمون بدفء أسوان وشمسها الساطعة. وبعد انعقاد المجلس أقام لهم الملك حفل غداء كانت قائمة الطعام فيه مليئة بألوان الغذاء الدسمة التى لا تستطيع معدة رجال فى حدود الستين من عمرهم تحملها إلاَّ بمشقة، وشكر رئيس الوزراء الملك على كريم حفاوته وبالغ عطفه واستأذنه فى العودة إلى القاهرة، ولكنه فوجئ بالملك يقول له لقد أمرت بإعداد طائرة خاصة من طائرات السرب الملكى لتنقلهم إلى القاهرة لتصلوا على عجل، إذ إنى أخشى من استفحال الإضراب. فزاد شكر الوزراء على تلك اللفتة الكريمة، وتوجهوا إلى مطار أسوان وكان ضيقًا جدًّا وكان مدرجه قصيرًا وغير ممهد بالأسفلت، وتحيط به الجبال مباشرة عند نهاية المدرج. وكانت الطائرة التى تقلهم من طراز داكوتا وهى طائرة بطيئة جدًّا، وقائدها يدعى البكباشى عاكف. فلما ركب الجميع طلب منهم قائد الطائرة أن يشدوا الأحزمة حول بطونهم وأنذرهم بأن صعوده إلى الجو سيكون شبه عمودى نظرًا لقصر المدرج، وخوفًا من الارتطام بالجبل، وكان قوله هذا نذير شؤم ارتعدت منه فرائصهم، ودب الرعب فى أوصالهم، وترددت فى الطائرة تمتمات العياذ بالله، والطائرة تنطلق إلى الجو. واطمأنت نفوسهم حين أصبح طيران الطائرة أفقيًّا واستردوا أنفاسهم الضائعة، ولكن اطمئنانهم لم يدم طويلاً، إذ فوجئوا بقائد الطائرة من خلال الميكرفون يطلب منهم أن تظل الأحزمة مشدودة إلى بطونهم، وحضر إليهم مساعد الطيار ليقول لهم : إن الطائرة ستهبط هبوطًا عموديًّا منقضة على الأرض من ارتفاع خمسة آلاف قدم إلى علو مائتى قدم متجهة نحو الفندق الذى يقيم فيه الملك، وذلك لتقديم التحية لجلالته، وعاد مساعد الطيار إلى مكانه وفجأة انطلقت مقدمة الطائرة فى هبوط مروع سقطت فيه الحقائب المعلقة على رفوف الطائرة وبعضها على رءوس الوزراء، وشعر بعضهم بأنه كأنما يقذف به من قمة بناء شاهق العلو، أما الآخرون فلم يشعروا لأنه أغمى عليهم.

ثم عادت الطائرة إلى الصعود تدريجيّا، وانتهت فترة تحية الولاء، وبقى هولها يدوى فى رءوسهم إلى أن انتقل من انتقل منهم إلى رحمة الله أو من ظل منهم حيًّا. لقد دبر الملك كل ذلك لأنه كان يستثقل دم بعض الوزراء. وأراد النكاية بهم على هذه الطريق السمجة المؤلمة التى كان يحتمل أن تؤدى إلى كارثة، وخاصة لأن الطائرة الداكوتا كانت طائرة بطيئة وثقيلة.

وكان لهذه الأخلاقيات والسلوكيات أصداء ظهرت فى عدة مواضع، منها أنه فيما يبدو للمراغى كان يعانى من السادية ــ وهى لذة تعذيب الغير ــ بالنسبة للحيوان، ويروى من ذلك أقاصيص مروعة !

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com