الإمام الطيب والقول الطيب
(2)
المجلدات الثلاثة للقول الطيب، ليست موضوعًا واحدًا كتبه الإمام الطيب ليكون كتابًا كالكتب التى تدار على موضوع واحد، تجرى دراسته وتحليله وسبر أغواره وإقامة بنيان ترتبط أجزاؤه وتترابط مع غيرها لتغطية الموضوع الواحد.
ولكنها عبارة عن موضوعات شتى كتبت فى أزمنة شتى ومناسبات متغايرة، قد تكون تلبية لظروف ما، أو بيانًا لمناسبات معينة.
والذى دعا الإمام الأكبر لجمع هذه المتفرقات، كما يفصح فى طليعة أو مقدمة المجلدات، أمران : أولهما أن على تعددها وتنوعها، إنما يجمع بينها فى جوهرها محور واحد هو البحث عن «السلام». وعلاقته الوثيقة بالإسلام الذى يتغياه فى كل دوائره بدءًا بالمستوى الفردى والجمعى، وانتهاءً بالسلام العالمى للإنسانية كلها.
ويفصح الدكتور الطيب عن أن الأمر الثانى ؛ إنما يكمن فى أن هذه الكلمات، كتبت جميعها فى زمن متوتر قلق، هو تلك السنوات التى امتد فيها القلق والتوتر نحو سبعين عامًا، شغلتها توترات وتضاعيف العدوان الثلاثى الذى بدأت مشاهده منذ إعلان الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية، وجعلت تتصاعد حتى بداية العدوان الإسرائيلى الفرنسى الإنجليزى فى آخر أكتوبر 1956، وقد زامن هذا العدوان السنوات الأولى فى عمر صاحبنا، صبيًّا يجول ويرتع فى قريته القونة وما حولها فى الأقصر ومعابدها ووديانها للملوك والملكات، واختلاف الأجانب من شتى دول العالم للإطلال على تلك الآثار الفرعونية التليدة التى طبعت الأقصر بطابعها الخاص وبالزيارات التى تأتى لارتيادها من جنبات مصر، ومن شتى بقاع المعمورة.
تصادف أن بدأ الصبى دراسته الابتدائية فى المعهد الدينى الابتدائى بإسنا، فى ذات شهر أكتوبر 1956 الذى بدأت فى نهاياته العمليات العسكرية البرية والبحرية والقصف الجوى. للعدوان الثلاثى، فأعادهم العدوان من إسنا إلى القرية، ليعانوا من القلق والتوتر واحتياطات الدفاع إزاء الغارات الجوية الليلية، واستمر هذا التوتر والقلق حتى اندحاره فى بورسعيد واضطراره إلى الانسحاب فى 23 ديسمبر الذى صار عيدًا للنصر.
ولم تكد تمضى عشر سنوات، حتى جاءت حرب الأيام الستة فى السادس من يونيو 1967، ووقعت بصورة أمر وأقسى، وخلفت نكستها ندوبًا، ومضت السنوات ثقيلة مليئة بالقلق والتوتر والمعاناة، والمقاومة المتصاعدة بدءًا من معركة رأس العش وإغراق إيلات، ومرورًا بمراحل الصمود ثم الاستنزاف ثم الردع، واستشهد من استشهد، ودمرت مرافق ومنشآت ومدارس فى بحر البقر وغيرها، ولم تنج قناطر نجع حمادى فى أعماق الصعيد من محاولات العدو الصهيونى تدميرها.
ومن الأعوام الستة المشحونة بالحرب، دخلت مصر أشرف معاركها فى رمضان / أكتوبر 1973، ومع النصر العظيم، لم تسفر الأعوام التالية عما يتناسب مع هذا النصر، فظلت السنوات حُبْلى بالقلق والتوتر، وداخلتها عمليات الاغتيال وموجات الإرهاب والقتل العشوائى الذى طال النساء والأطفال، وتدمير المرافق، وإهلاك الزرع والضرع، إذْ تحول الجهاد الذى أعلن من تنظيم « القاعدة » فى أغسطس 1996 أنه ضد الولايات المتحدة، تحول ليطول المسلمين فى كل مكان، وأحدث فيهم خسائر ربما زادت عن خسائر الحروب الصليبية.
وانتهز الإعلام الصهيونى والغربى هذا العماء، للحملة على المسلمين بعامة، وعلى الإسلام ونبيه، وتصويره بأنه دين العنف والقتل، والسيف والخنجر والمدفع القنبلة، وقدمت أحداث سبتمبر 2001 المادة الخصبة لتكريس هذا الهجوم الظالم على الإسلام وعموم المسلمين، وظلت هذه الموجات تتلاحق تشحن الأيام بالقلق والتوتر، فضلا عن المكابدة والمعاناة.
فى تلك السنوات المفعمة بالحروب المتتالية، المهددة بهجمات الإرهاب، وتهجم الغرب على الإسلام، تخرّج صاحبنا فى كلية أصول الدين بالقاهرة عام 1969، حيث عين لتفوقه معيدًا بها، وتدرج فى الدراسات العليا حتى حصل على العالمية ( الدكتوراه ) عام 1977، ودرَّس فى جامعة الأزهر والجامعات العربية والإسلامية بالرياض والدوحة والصين وإسلام أباد. حتى إذا ما حل عام 2002، تقلّد منصب مفتى الديار المصرية.
وشاءت الأقدار لصاحبنا أن يتولى رئاسة جامعة الأزهر ـ أقدم جامعة فى التاريخ ـ فى سبتمبر عام 2003، حاملاً أعباءً كبيرة فى زمن صعب، وظل شاغلاً رئاستها حتى عام 2010 حيث تولى مشيخة الأزهر خلفًا للإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى.
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com