من تراب الطريق(1007)

من تراب الطريق(1007)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:00 ص, الأثنين, 28 ديسمبر 20

الآدمى بين النضج والضمور!

(3)

يبدو أن غالبية البشر لم تعد الآن حريصة متعصبة للأهل والأسرة كما كانت فى الماضى القريب والبعيد.. ربما حدث ذلك الوهن لسهولة ويسر التحرك والانتقال فى كل لحظة من نهار أو ليل لقريب أو بعيد برًا أو بحرًا.. فهان جدًّا الابتعاد زمانًا ومكانًا لسائر الأفراد خاصة فى الأزمات وأحيانًا عند اشتداد الرواج وكثرة المضاربات والمغامرات للطامعين فى الثراء وأوانه. فأى منا لا يلتفت إلى ملاقاة زمانه فى وقته. بل متأخرًا أو متعجلاً بعده أو قبله.. وهذا يعرضه لاحتمالات ملائمة وغير ملائمة، ويجعله باستمرار فى كف الأقدار.. قد يواتيه زمن يقصر أو يطول، وقد يخذله جيل أو أجيال، وينتقل ما نسميه الطالع الحسن أو غير الحسن من يد إلى يد بغير انضباط تنتظم عليه حياة الآدمى من الوالد إلى الولد ومن الولد إلى تاليه.. وهذا الاضطراب الملازم للحياة والأحياء بعامة اعتدنا فيما يبدو أن نسميه بالحظ أو النصيب.. الحسن والسيئ.. ونحاول بطريقة أو أخرى الالتصاق بالحسن بقدر ما فى وسع كل منا.. ومنا من يوفق، ومعظمنا يعانى على درجات بين الأمل والرجاء، والنجاح والفشل.. فتنافرت تبعًا لذلك الأوساط والأجيال، ولم نفارق قط أوضاعنا القلقة غير المستقرة، بل لم نحاول جادين الخلاص منها.. ومازلنا كما كنا دائمًا فى الماضى نتكالب ما استطعنا على التميز متناسين أنه غير دائم. بل ويقنع معظمنا بما أمكنه الحصول عليه مع قلته أو مع ضآلته أو ندرته!.. ربما لأن غالبيتنا فى كل جماعة محدودة الإمكان والمقدرة.. يكفيها البقاء والزهو المشترك بما يحدث من سعى وقدرة القلة الناجحة وفق ما يسمح به زمانها الواعد.. هنا يجد الاعتياد دائمًا طريقه وعمله، ويتسلم كل فرد وكل فريق نصيبه من حظه أو من قدره الذى يَلْزمْنا ولا يُلزمُه أىٌ منَّا والله تعالى أعلم.

* * *

وبرغم أن الكون العظيم أقدم من خلقنا وأكبر من قدراتنا بما لا نستطيع أن نعرفه، فإننا دون باقى الأحياء لا نكف عن محاولتنا للتعرف عليه فضولاً أو انتباهًا أو حاجة.. وبرغم أن هذه المحاولة دائبة فإنها ما زالـت بالغة الفضول.. لأننا ما عشنا مغرمون بما يبدو أنه جديد طارئ لم يسبق لنا الاطلاع عليه.. ثم لا نلبث أن نعتاده ويفقد طلاوته.. وكثيرًا ما نتجاوزه أو لا نلتفت إليه أو ننساه.. وهذه الأطوار فى تدرجها من الشغف والاهتمام إلى الاعتياد والنسيان.. تجعل حياة كل منا وقتية يطويها توالى النهار والليل.. بالغة القصر برغم ضوضائها ولغطها وكثرة ما يجرى ويتردد فيها بما هو سريع الفوات والزوال!

وحياة جميع الأحياء على الأرض ليس لها مثيل قريب.. وهى لا توجد على الأرض إلاّ مع الإحساس بالوجود ضئيلاً كما فى النمل.. أو فسيحًا كما فى الآدميين.. فإن زال هذا الإحساس نهائيًا زالت الحياة فى نظرهم ولو بقى شىء يراه الأحياء ساكنًا أو متحركًا.. ولأن البشر أكثر وعيًا وأوسع تصورًا يسمون زوال الوجود على الأرض موتًا لأن وراءه حياة أخرى.

ولا يزال البشر فى عمومهم غرقى كما كانوا دائمًا فى سطحية حياتهم!.. هذه السطحية التى تعرضهم للمخاطر صغيرها وكبيرها قريبها وبعيدها وما اُعتيد عليه منها حسب الأجيال والعصور وتواليها.. فنحن حتى اليوم نحيا حياة إن لم تكن متطابقة فهى متشابهة.. معظمها عشوائى غامض.. أغلبه مصادفات أو اعتيادات أو تقاليد أو عقائد متحركة فى بطء وليست ثابتة كما يعتقد كل حى فى زمنه.. وما زالت أقلية الأقلية فينا هى التى بعدت وأمعنت فى البعد عن هذا المسير المتشابه العام الذى يرى فى كل مكان وزمان ووسط وطبقة.. هذا المسير الذى لا يفارق أمثاله ولا يشذ عما يراه الحى فى اليقظة والنوم، ولا يمكنه مهما تعمد المحاولة أن يفهم حياته فهمًا سلسًا عميقًا جادًا!

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com