من تراب الطريق (992)

من تراب الطريق (992)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:36 ص, الأثنين, 7 ديسمبر 20

علمنا النسبى فى رحاب العلم اللدنى

(5)

لغات الآدميين فى كل زمان ومكان تقابل وتخدم ذلك المزيج وتزوده بحاجاته من الألفاظ والعبارات وتراكيب الأساليب بغير تميز فى الخدمة بين عنصر وآخر.. والمحاولة الجادة للفصل لغةً بين هذه العناصر ـ قد ينجح فيها المفكر أو العالم أو الباحث نجاحًا جزئيَّا، وهو عندئذ يعتبر ما عدا ذلك خاليًا من المعنى الحقيقى، ويراه مجرد تصوير للانفعال أو الخيال أو الاعتقاد، ولكن هذا النجاح الجزئى لا ينجى صاحبه من الاستمرار فى حمل ذلك المزيج المتداخل فى وعيه، ولا يمكن أن ينجح فى الوصول إلى وعى الآدمى وإقناعه بجدوى الفصل الحاد بين تلك العناصر على الوجه الذى قد يجريه المفكر أو العالـم أو الباحث!

ولعل ذلك الامتزاج أو الاختلاط فرع على حياة كل منا التى نحياها أنفاسًا ورشفات ونتفا وثوانى وساعات، وأيامًا وليالى وأجزاءً فقط.. ولا نحياها كتلاً وكليات متماسكة.

ووراء ذلك الامتزاج أو الاختلاط سر امتزاج حيوانية الآدميين بإنسانيتهم، ومرجع اشتراكهم مع الثدييات فى الاحتياج الذى لا ينقطع إلى الطبيعة الجامدة أجسامًا وسوائل وغازات وطاقات، وتشابههم مع هذه الثدييات فى الولادة والصغر وفى الشباب والشيخوخة والموت، وكذا سر أشواق الآدميين للبقاء والخلود، وسر اعتمادهم على الحواس والخيال فى نفس اللحظة ـ فى الماديات والمعنويات، وسر انصرافهم المتزايد إلى الجوامد وطاقات الجوامد ـ مع الخضوع والحيرة أمام الحياة وحيلها فى مقاومة الفناء، ثم سر عجز البشر عن رفع حجاب الغيب الكثيف الذى يحول دون فهمهم لحقيقة الكون فى عظمته أو فى أدنى أجزائه وظواهره وأقلها شأنًا.. لا فرق بين ما فى داخل الآدمى أو خارجه!

ذلك الامتزاج أو الاختلاط ـ قد يكون حدًا من الحدود الكونية المستورة.. يكفل بقاءنا فى الإطار العام المرسوم لنا.. لا تتجاوزه أطماعنا وخيالنا الذى لم نبلغه بعد ولن نبلغه فى أى مستقبل قريب!.. هذا إلى أن ذلك الامتزاج وذلك الاختلاط ـ قد يكونان من وسائل اتصال حاضرنا بماضينا.. يتم على أساس اكتشاف التماثل والتشابه واختفاء وجوه التناقض.. وهى أمور لا يخفيها إلا المخيلة التى تتجاوز عن النقائص والفوارق إذا محا مرور الأيام بروزها وحجمها فتتوارى شيئًا فشيئًا مفسحة المجال لما يستطيع الإنسان أن يضيفه فى رحلة الحياة التى لا تكف عن الحركة والدوران!

مهما ضرب الإنسان بسهم فى العلم ـ كبر أم صغر، فإنه لاشىء فى علم الواسع المحيط عز وجل.. فى القرآن المجيد: «وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» (الإسراء 85).. لا يعلم ضآلة العلم البشرى أمام العلم اللدنى إلاّ الراسخون فى العلم.. فيهم يقول القرآن الحكيم: «وَالرَّاسِخُونَ فى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا» (آل عمران 7).. كلما اتسع علم الإنسان، كلما أدرك قصور وضآلة ما يعرفه.. لسان حالهم ينطق بما يقوله الرسل لرب العزة يوم المشهد العظيم.. «قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ» (المائدة 109).

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com