الصحافة الورقية ، والكتاب
نحن نعيش الآن أزمة الصحافة الورقية وما تلاقيه من مصاعب ومعوقـات وتكاليـف لا يتحملها التوزيع، ولا تفى بها الإعلانات، ونعيش مع هذه الأزمة أزمة الكتاب الذى وإن ملأت نسخُه دور النشر ورفوف بعض المكتبات وأرصفة الشوارع ـ إلاَّ أنه يعانى من غروب حقيقى تضافرت عليه عوامل سلب متعددة، ما بين ارتفاع أثمان الورق وتكاليف الطبع، وتواضع التوزيع، أما تواضع القراءة فحدث عنـه ولا حـرج، وحتـى باتت أمـة «إقرأ» لا تقرأ، اللهم إلاَّ فى توافه الأمور وما يشبع حب الاستطلاع وأمراض النميمة.
وحين تقارن ما صار يجرى بما كنا عليه إلى عهد قريب، يصيبك الأسى والغم. أمامى وأنا أكتب هذه السطور بعض أعداد سلسلة «أعلام العرب» ؛ وكانت تصدرها من ستينات القرن الماضى، الإدارة العامة للثقافة التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد القومى حسب مسماها فى ذلك الوقت، تباع إلينا ـ بثوبها القشيب وغلافها الجميل وصفحاتها التى تدور حول الثلاثمائة صفحة، بخمسة قروش.. نعم خمسة قروش، وأنت تكاد لا تعرف الآن هذا القرش، فقد حل محله الجنيه الذى كان ينطوى على مائة قرش، ولكن النقد المعدنى قد اختفى، واختفت معه الأوراق المالية ذوات الخمسة قروش والعشرة قروش والخمسة وعشرين قرشًا والخمسين قرشًا، ويكاد الجنيه نفسه أن يختفى، لتحل محله الورقـة ذات الجنيهات الخمسة!
استقطبت سلسلة « أعلام العرب » كبار المفكرين والأدباء والكتاب، وصفوة العلماء، فكتب إليها عباس العقاد، وزكى نجيب محمود، وعلى أدهم، وإبراهيم الإبيارى، والدكتور محمد يوسف موسى، والدكتور أحمد أحمد بدوى، والدكتور على عبد الواحد وافى، وأستاذ الموسيقى الكبير محمود أحمد الحفنى، والشيخ أمين الخولى، والدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، والدكتور أحمد الحوفى، والأستاذ عبد اللطيف حمزة، والشيخ أحمد الشرباصى، والدكتور محمد فؤاد الأهوانى، وبدوى طبانة، وزكريا إبراهيم، ومحمد عبد الغنى حسن، وغيرهم..
أما الموضوعات، فقد انصرفت إلى أعلام العرب وقتما كان المد العربى فى ازدهاره، ودخل فيهم بالطبع أعلام مصر، ولكن الخريطة شملت الوطن العربى الكبير، بمساحته، وبتاريخه الفكرى والحضارى، فقرأنا فى هذه المجموعة النفيسة ـ التى لم تكلفنا أعدادها سوى خمسة قروش ـ قرأنا عن الأستاذ الإمام محمد عبده عبقرى الإصلاح والتعليم، وعن المعتمد بن عباد، وجابر بن حيان، وابن خلدون، وابن تيمية، ومعاوية، وسيد درويش، وعبد القاهر الجرجانى وجهوده فى البلاغة العربية، وعبد الله النديم، والإمام مالك وتجارب الحياة، والقلقشندى صاحب «صبح الأعشى»، وابن الفارض، والظاهر بيبرس، والأصمعى، والطبرى، وقاسم أمين، وشكيب أرسلان، وابن قتيبة العالم الناقد الأديب، وأبو هريرة راوية الإسلام، والخنساء شاعرة بنى سليم، والصاحب بن عباد الوزير الأديب، وشيخ العروبة أحمد زكى، وحسان بن ثابت شاعر الرسول، ورشيد رضا الإمام المجاهد، واسحق الموصلى، وأبو حيان التوحيدى أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، وأبو العلاء المعرى، وأحمد لطفى السيد أستاذ الجيل، والجوينى إمام الحرمين، والزهاوى، والناصر صلاح الدين، وابن حزم الأندلسى، وأحمد فارس الشدياق، وابن رشيق الناقد الشاعر، وعبد الله بن الزبير، وأحمد بن طولون، ورفاعة الطهطاوى رائد الفكر وإمام النهضة، والكندى المؤرخ، وابن النفيس رائد الطب، والمقرى صاحب نفح الطيب، والأفغانى باعث نهضة الشرق، والبارودى رب السيف والقلم والشاعر المجدد فى أوانه، وابن زيدون الوزير العاشق، وإمام الصوفية الحسن الشاذلى، وأمير الشعراء أحمد شوقى، وساطع الحسرى، وابن الأثير المؤرخ، وجرجى زيدان، ومصطفى صادق الرافعى، وعمرو بن العاص، وعبد الكريم الخطابى، والحسن بن الهيثم، والطرطوشى العالم الزاهد، وسفيان الثورى إمام الحديث، وإبراهيم بن أدهم شيخ الصوفية، وعبد الرحمن الكواكبى عدو الاستبداد، والشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى سلطان العارفين، والوزير الأديب لسان الدين بن الخطيب، والمأمون الخليفة العالم، والعارف بالله أبو العباس المرسى، وابن سناء الملك، وياقوت الحموى الجغرافى الرحالة الأديب، والمبرد أديب النحاة، وأبو جعفر المنصور، والشريف الإدريسى أشهر الجغرافيين العرب وصاحب أول خريطة للعالم فى زمن لم تتوفر فيه الطائرات والمناطيد والقياسات الحديثة.
عفوًا إن استطردت، فمقصدى أن أشد أشواق القارئ إلى هذه الكنوز التى كان من حظنا أن أطللنا عليها، واتسعت معارفنا وثقافاتنا بها، ونهض عليها جيل كامل أحسن السابقون تهيئة الأسباب لهم للنهل من المعرفة فى شتى بحورها.
ما أحرانا أن نتقدم إلى ما كنا عليه!
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com