من تراب الطريق (854) مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق(63)

من تراب الطريق (854) مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق(63)
رجائى عطية

رجائى عطية

10:15 ص, الخميس, 7 مايو 20

يرى مرتضى المراغى أنه بين المطامع والجيش والحرس الحديدى، كان الملك يمارس هوايته المفضله، فى عزل الوزارات وتبديلها بكل بساطة وسهولة.

ويستوقف المراغى أن «جفرسون كافرى» السفير الأمريكى فى مصر، قد نقل إليها بعد أن كان سفيرًا لبلاده فى فرنسا، ولا يقطع فى علة هذا النقل، ويمضى فى بيان أن مستر كافرى كان يواظب على شيئين مواظبة تامة : شرب الكحول بإفراط والذهاب إلى الكنيسة. وقد تقرب إلى الملك فاروق أو أن الملك فاروق هو الذى تقرب إليه، ظنًا منه أنه سيقوم بحمايته من الإنجليز. وللملك فاروق فى ذلك سابقة تفكير، إذ أنه بعد حادث 4 فبراير

(شباط)، صادق الملحق العسكرى فى السفارة الأمريكية وكان يدعوه إلى القصر ويصحبه معه إلى نادى السيارات ودور اللهو. ويطلب من مصوره الخاص التقاط صورة لهما معًا.

وهذا شىء لم يفعله مع أى شخص آخر. ولعل فاروق أراد من ذلك ــ فيما يقول المراغى ــ أن يشعر الإنجليز بأنه سيلجأ إلى طلب الحماية من أمريكا إذا حاول الإنجليز أن يعتدوا عليه مرة أخرى. ولعله أراد أيضًا أن يشعر أمريكا بهذه الوسيلة أنه صديق لها. أما المستر كافرى فكان شغله الشاغل هو الشيوعية. وكان يشعر بأن الشيوعية خطر داهم على مصر وبالتالى على الشرق الأوسط. ولما كانت مصر هى قلب العالم العربى، فإنها صارت بذلك منطقة استراتيجية حيوية للدفاع عن الغرب. وقد عبر عن ذلك الرئيس السابق ايزنهاور بقوله إن قناة السويس هى شريان الدم بلنسبة إلى الغرب. كان كافرى يتكلم كثيرًا مع كل من يقابله من الساسة المصريين عن مخاوفه من الشيوعية.

وقد قيل لكافرى من سياسى أحجم المراغى عن ذكر اسمه، إنه يبالغ فى خطر الشيوعية فى مصر، فهى لا جذور لها فيها، ولكن المستر كافرى أكد أنه واثق من استفحالها فى القريب، وعزا ذلك إلى سوء الحالة الاجتماعية فى مصر والهوة الواسعة بين الغنى والفقير. وإلى أنه من غير المعقول أن يملك الملك وأسرته مئات الألوف من الأفدنة، وأن تملك أسرة واحدة عشرين ألف فدان بينما ملايين الفلاحين لا يبلغ دخل الفرد منهم أكثر من نصف دولار فى اليوم ؟ مؤكدًا أن هذه هى الأرض الخصبة لكى يضع فيها الشيوعيون البذور.

وعاد السياسى ليتفق مع هذه المخاوف، ويروى أن كثيرًا من الإقتراحات عرضت على الملك، لتقريب الفوارق بين الطبقات ولكنه يرفض ولا يتزحزح، ويطلب من كافرى وهو صديق للملك أن يصارحه وينبهه إلى هذه المخاطر، فأبدى كافرى أنه سيحاول، ولكنه غير واثق من النجاح.

مقابلة مع كيم روزفلت إهتم المراغى بسرد هذه المقابلة، لأهمية ما ورد فيها حول عوامل الثورة القائمة فى مصر. فيروى أن السفير الأمريكى دعاه إلى حفل عشاء أقامه فى السفارة، وقدم إليه السفير صحفيًا أمريكيًا ــ كيم روزفلت ــ قال عنه إنه مهتم بشئون الشرق الأوسط، وفى حديثه معه تناول الصحفى بإفاضة النشاط الشيوعى فى مصر، ووجه إليه كثيرًا من الأسئلة فى هذا الشأن، ولكنه فوجئ به يقول: « ــ هل تعلم أنى قابلت الملك فاروق وأنه استبقانى للغداء معه وتكلمت معه كثيرًا عن الشيوعية فقال لى الملك إنه يعرف عن الشيوعية أضعاف ما يعرفه وزير الداخلية وجميع رجال الأمن.

وضحك روزفلت ضحكة تحمل كثيرًا من السخرية. وضحك المراغى لأنه يعلم أن هذا هو طبع الملك فاروق.

واستمر روزفلت يقول : إن له صلة حسنة بكبار موظفى الحكومة الأمريكية وإنه يشعر بأنهم يريدون مساعدة مصر اقتصاديًا وتكنولوجيًا. ولكنهم يقولون: أن على المصريين أن ينظموا أمر البيت قبل تقديم المساعدة.

قال المراغى : وما هو الطريق الذى يرونه يؤدى الى تنظيم أمر البيت.

قال كيم روزفلت : تقليل الفوارق بين الطبقات بتوزيع جزء من الملكيات الكبيرة على صغار الفلاحين وقيام إصلاح زراعى شامل ومساعدات اجتماعية وصحية للفقراء ورفع مستوى الأجور.

سأله المراغى: هل تكلمت مع الملك فى ذلك؟

قال روزفلت : تكلمت. ولكن لم أتلق ردًا شافيًا. وصرف الموضوع إلى مواضيع أخرى. ولكنى التقيت بعد ذلك برئيس الحكومة نجيب الهلالى وأعدت عليه حديثى مع الملك، ووافقنى الهلالى على آرائى وقال: إنه يحاول جهده يائسًا أن تقوم حكومته بتطهير الفساد.

فسأله المراغى : وأى فساد تراه أنت، وتلمسه بصفتك صحافيًا ؟

قال: فساد الأحزاب السياسية.

ولاحظ المراغى أن روزفلت لم يتناول أبدًا فساد حاشية القصر. وهو ما لاحظة أيضًا على السفير كافرى الذى كان يحمل دائمًا على الفساد الحزبى ويعرض بالنظام الحزبى فى مصر . وأنه تكلم كثيرًا مع الملك فاروق الذى كان يستمع من كل قلبه إلى الحديث لكراهيته الشديدة لحزب الوفد» ـ

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com