من تراب الطريق (844)

من تراب الطريق (844)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:50 ص, الخميس, 23 أبريل 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (53)

يروى المراغى فى هذا الفصل من شهادته، أنه كان قد اطلع على تقرير عن فرقة أنشئت فى إيطاليا من نحو ثمانين عامًا، تسمى «الكارابنيرى» أو حملة البنادق، وتكوينها ما بين الجيش والبوليس، ومنوط بها معاونة البوليس فى حفظ الأمن.

ولعبت دورًا كبيرًا فى إيطاليا، واستعين بها فى خلع موسولينى.

فكر المراغى فى إنشاء قوة مسلحة على هذا الطراز، وكان يقصد من ذلك ــ فيما يقول ــ أن يحقق توازنًا بين القصر والحكومة. فالقصر يستعين دائمًا بالجيش لإرهاب الحكومة وليفرض الملك على الوزراء إرادته، وهى فى الواقع إرادة حاشيته التى أغرتها تجارة المخدرات.

ولم يكن ضباط البوليس راضين على الملك، ويسيئهم الإهانة التى ألحقها الملك والجيش بهم حين أضربوا مطالبين بزيادة رواتبهم.

وكان هذا من ضمن حوافز المراغى ــ فيما يفصح ــ لتشكيل هذه الفرقه الأمنيه الخاصة، وفاتح رئيس الوزراء نجيب الهلالى فى الفكرة فوافق عليها مدركًا أغراضها. ولكن كان لابد من موافقة الملك، وتذرع المراغى له بأن القصد منها حماية البلاد من مثل حريق القاهرة، وأنها كفيلة بمواجهة الإخوان والشيوعيين، وكان الإخوان مسلحين، على عكس الشيوعين الذين لم يكن العنف فى برنامجهم.

ومع ذلك ضرب المراغى على وتر الشيوعين لعلمه بكراهة الملك لهم وليحصل من ثم على موافقته.

يقول المراغى «بقى علىَّ أن أدبر السلاح اللازم للقوة. وكان مشروعى أن تكون مؤلفة من ثلاثين ألف رجل. عشرة آلاف منهم فى القاهرة. وعشرة آلاف فى طنطا والإسكندرية. وعشرة آلاف فى أسيوط . ورأيت أن يكون تسليحها على الوجه التالى : تسعون سيارة مصفحة مركبات لحمل الرشاشات الثقيلة، ومركبات تحمل الجنود المسلحين ببنادق أوتوماتيكية، ومركبات لحمل جنود البنادق العادية. وهليكوبترات. فالقوة كلها كانت ميكانيكية. ورأيت أن يكون اختيار القوة من جنود الجيش السابقين وسلاح الحدود وسلاح الهجانة. وأرسلنا ضباطًا إلى السودان لإحضار جنود سلاح الحدود الذين انتهت خدماتهم.

وبقيت النقطة الهامة : من أين أطلب السلاح ؟ إنى لا أريد أن أعيد مأساة الأسلحة الفاسدة. وخشيت أن تنتهز حاشية الملك الفرصة لتسرع إلى أسواق أوروبا. فقررت أن أطلبه من الحكومة الأمريكية. وكانت أمريكا هى التى تسلح أوروبا. واستدعيت السفير كافرى وشرحت له الأمر. فاستمع مليًا ثم قال : إنها قوة ضخمة تكاد أن تكون حربية.

قلت : إنى محتاج إليها لمهام ضخمة.

قال : ولكننا لا نعطى هذا القدر من الأسلحة إلاَّ لحلفائنا، كحلفائنا فى منظمة حلف الاطلنطى أو فى حلف شرق آسيا. وأنتم لستم حلفاءنا.

قلت: إننا لا نريدها لأغراض حربية.

قال: ولكنها قد تستخدم لأغراض حربية. إنكم لا تزالون فى حالة حرب مع إسرائيل .

قلت: إن هذه قوة لحفظ الأمن. ألم تسمع عن حريق القاهرة ؟ هل استطاع البوليس أن يحفظ الأمن؟

قال: سأحاول أن أقنع حكومتى.

وعاد بعد اسبوع يقول إن حكومته تشترط أن توقع الحكومة المصرية معها ميثاق تحالف حتى تحصل على الأسلحة.

رفضت ذلك، وقلت: أريد الاسلحة بلا شروط.

فعاد إلىَّ بعد أسبوع وقال: إن حكومته متنازلة عن شرط الدخول فى التحالف، ولكنها تشترط على أن ينص العقد على ألا تستخدم الأسلحة فى أعمال حربية ضد أية دولة أخرى.

ووافقت. وتم مشروع الاتفاق فى 29/ 4/ 1952 وكان الذى تولى صياغة العقد هو الدكتور وحيد رأفت، ولكن حتى قيام ثورة يوليو 52 لم تكن هذه الأسلحة قد وصلت، وكل ما عرفته هو أن الملحق العسكرى الأمريكى أخطر وزارة الداخلية أن حكومة الولايات المتحدة.

قد وافقت على إنتاج وتصدير 425 عربة جيب ويلز و250 ناقلة فى الربع الثانى من سنة 1952 أى مايو ويونيو و150 ناقلة فى الربع الثالث، أى يوليو وأغسطس . ولم ترد أى إشارة من الأمريكان عن الترخيص بإرسال عربات مصفحة أو أسلحة. وقد احتج المرحوم جمال عبد الناصر على أمريكا فى خطبة له بأنها أعطت حكومة الهلالى أسلحة ورفضت طلبًا تقدم به إليها. وقد جرى معى تحقيق بعد الثورة فى معتقل أودعت فيه مع عدد كبير من الساسة والوزراء».

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com