مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (43)
الأزمة الأولى مع على ماهر
يروى مرتضى المراغى فى شهادته ، أنه فى ثالث يوم لإشتراكه فى وزارة على ماهر ، طلب حكمداريو المحافظات (المديريات) مقابلته، وكان ظنه أن غرضهم تهنئته، ولكنه فوجئ بقولهم إنهم انتهزوا فرصة استدعاء على باشا ماهر لهم من محافظاتهم، ليمروا عليه للتحيه.
ومع مفاجأة المراغى بهذا الاستدعاء الذى لم يعلم عنه شيئًا، سألهم متى استدعاهم على ماهر، فأجابوا بأنه إستدعاهم بالتليفون.
ويضيف المراغى:
«كان إحساسى على الفور أن على ماهر بدأ المعركة ضدى وأنه أراد أن يمزقنى أمام المحافظين والحكمداريين فلم يكونوا من الغباء بحيث لم يدركوا أننى لم أحضر هذا الإجتماع وهو أول اجتماع يعقده معهم رئيس الوزراء وفى ظروف أحكام عرفية معلنة.
« وكان أمامى أن ابتلع ما حدث واسكت أو أن أدخل المعركة.. وقررت أن أدخلها بوضوح وصراحة وبدون أى لف أو دوران.
قلت لهم : اسمعوا عاوز أقول لكم حاجة، أنا ماعرفش حاجة عن اجتماعكم برئيس الوزراء.. ولم أعرف أنه استدعاكم لكن أحب أن أقول لكم من هنا ورايح أى واحد يستدعيه رئيس الوزراء يتصل بى مباشرة ويبلغنى بذلك وإلاَّ فسيجد نفسه محال إلى المعاش.
« قال لى إبراهيم زكى الخولى محافظ كفر الشيخ : يعنى معقول يا سيادة الوزير أن رئيس الوزراء يستدعينا ولا نلبى طلبه ؟
قلت : أنا بكررها وباقولها بوضوح إذا استدعاكم تبلغونى وأنا الذى أقول لكم تروحوا له ولاَّ لأ ! »
أزمة كبيرة فى اجتماعات
مجلس الوزراء
كان على ماهر ــ فيما يبدى مرتضى المراغى ـــ شخصية قوية يحب التسلط وأن توجه الأضواء كلها إليه وحده. فإذا تقرر تخفيض أسعار بعض المواد التموينية صدرت الصحف
بالعنوان التالى ( على ماهر يقرر تخفيض ثمن السكر ). وإذا صدر تعديل على نظم الجامعة أو التعليم نشرت الصحف أن على ماهر هو الذى درس التعديلات ووضعها. واذا بُنى جسر قيل : إن على ماهر هو الذى أصدر أمرًا ببنائه. كان يعتبر وزراءه كتبه عنده. كان يجمع مجلس الوزراء فى غرفة مكتبه لا فى قاعة مجلس الوزراء ويجلس الوزراء على مقاعد الحجرة ويقرأ عليهم سكرتير مجلس الوزراء القرارات والمراسيم التى وضعها على ماهر والتى لم تكن تطبع وتوزع عليهم. وعندما ينتهى سكرتير المجلس من قراءتها يقول على ماهر : طبعًا أنتم موافقون ويقوم ويتوجه الى مكتبه وينصرف الوزراء. وفى الجلسة التالية حين بدأ السكرتير التلاوة استوقفه المراغى وقال لعلى ماهر : إنه يطلب تأجيل الجلسة .
قال على ماهر : مندهشًا لماذا ؟
قال المراغى : إننى أطلب إعداد جدول أعمال وطبعه وتوزيعه على الوزراء قبل وقت كاف يسمح لهم بدراسة القرارات على أن تعقد الجلسة فى قاعة مجلس الوزراء وليس فى مكتبك .
قال على ماهر : ولماذا فى قاعة مجلس الوزراء وليس فى مكتبى ؟
قال المراغى : إن قاعة مجلس الوزراء ليست بعيدة. إنها فى الغرفة المواجهة لمكتبك وفيها مائدة كبيرة نجلس عليها، ومع كل منا أوراقه ومشروعاته يضعها على المائدة أمامه. ان الموائد الموجودة فى مكتبك هى لتناول القهوة أو لوضع منافض السجائر والحكم مظهر ومخبر ومظهر الحكم هو قاعة مجلس الوزراء .
قال على ماهر : وهل يعنيك المظهر كثيرًا ؟
قال المراغى : تعنينى الدلالة أكثر من المظهر، إنك تجمعنا فى مكتبك ليفهم الناس أننا موظفون عندك لا وزراء. ويؤيد ذلك أنك لا تهتم بأن توزع علينا جدولاً بأعمال المجلس .
قال ماهر وهو يصيح غاضبًا : أنا رئيس الوزراء وأنا الذى أقرر الشكل الذى يجتمع به الوزراء.
قال المراغى: أنت لست رئيسًا للوزراء ــ أنت رئيس لمجلس الوزراء حسب مرسوم تعيينك ـــ ومجلس الوزراء ينعقد فى قاعة مجلس الوزراء. وأحب أن أقول لك شيئًا آخر البارحة طلبت محافظى الاقاليم ورؤساء الشرطة للاجتماع بهم، واجتمعت بهم من غير أن تخطرنى وأنا وزير الداخلية وتم اجتماعك معهم بغير حضورى فهل كان ذلك وضعًا لائقًا ؟
قال على ماهر: هل تريد أن توبخنى على ذلك؟
قال المراغى: لا أريد أن أوبخك ولكن أقول لك : إنى لن أحضر بعد اليوم اجتماعًا لمجلس الوزراء إلاَّ إذا جرى فى قاعة المجلس مع جدول أعمال. وإذا حاولت أن تجتمع مع أى موظف فى وزارة الداخلية من دون علمى فاعتبرنى مستقيلاً على الفور.
تدخل إبراهيم باشا عبد الوهاب وزير الشئون قائلاً : إن « رفعة » الرئيس هو بمثابة والد وأستاذ لنا وإنه ليس لك حق يا أستاذ مرتضى فى أن تناقشه بهذه الكيفية .
فقال له المراغى : اسمع ليس الحكم عواطف وعلاقات عائلية ولسنا كتبة.. وأنت وغيرك من الوزراء عودتم الرئيس على أن يعامل الوزراء هذه المعاملة .
كانت هذه البداية ــ فيما يضيف مرتضى المراغى ـــ بداية غير طيبة ظلت تجرجر ذيولاً إلى أن اضطرته للإستقالة أكثر من مرة.
وكانت المرة الأولى عندما دعا على ماهر إلى عقد مجلس الوزراء ( وهذه المرة فى القاعة ) وقال : إن الملك يريد حل البرلمان. وكانت أغلبيته وفدية بينما حكومة الوفد مقالة.
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com