مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (41)
مقابلة حسن الهضيبى
يروى مرتضى المراغى أن عبد الحكيم عابدين أخذ بالمبادرة فرحب به ، وأبدى أن الإخوان يكنون له حبًّا كثيرًا ، فى حين أن معلوماته عكس ذلك ، وأنهم يريدون معه حوارًا مثمرًا.
أَمَّن المراغى على رغبته فى حوار صريح ، وأنه يأمل أن يتعرفوا عليه شخصيًا لا عن طريق الشائعات التى يطلقها قسم الدعاية لديهم ، وحرص عابدين على نفى اطلاقهم الشائعات عليه ، فحاجاه المراغى بأنهم يطلقون عليه وعلى غيره ، وأنهم لم يتركوا وزيرًا ولا نائبًا ولا صحفيًّا شهيرًا إلاَّ وأطلقوا عليه أشنع التهم.
ولاحظ المراغى أن الهضيبى صامت ، يتشاغل بالنظر من خلف نظارته ، فحثه على الحديث ، ولكنه طلب إلى المراغى أن يكمل ، فقال له فيما يروى :
« يا استاذ هضيبى ، لو أنكم اتبعتم الوسائل السلمية فى دعوتكم ودعوتم الى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلتم بالتى هى أحسن ، لما وقع ضدكم ما وقع من اضطهاد ، ولما قتل المرحوم الشيخ حسن البنا. لأن العنف يولد العنف ولا توجد حكومة تقابل القوة باللين والمهادنة.
« أنتم شعاركم الإخوان سيف ومصحف ، والإخوان رهبان الليل وفرسان النهار ، وقد طبقتم شعاركم بالقتل والنسف. إنكم الآن تجمعون كميات كبيرة جدًا من الذخائر ، فماذا تنوون أن تصنعوا بها. إن فى منظمتكم عددًا كبيرًا من ضباط الجيش والبوليس ، وقد أمكنكم تنفيذ ذلك بما سميتموه مشروع السنوات الخمس.
« ومقتضى هذا المشروع يقسم الإخوان أنفسهم على المدارس والكليات فى الجامعة والكليات العسكرية ، وبعد خمس سنوات يكون قد تخرج منهم ضباط بوليس تسعون لإدخالهم فى القسم السياسى فى وزارة الداخلية وحرس الوزراء ، وضباط فى الجيش ليدخلوا إدارة المخابرات العسكرية والحرس الملكى ، ومهندسون ليلتحقوا بمصلحة التلفونات والسكك الحديدية. وبذلك تكون فى أيديكم المراكز الحساسة فى البلاد للقيام بعمل انقلاب ».
ولاحظ المراغى ـ فيما يروى ـ اصفرارًا على وجوه الجميع ، ونظرات متبادلة فيما بينهم فيها شىء من الهلع ، فتابع المراغى يقول :
« نحن الحكومة نعرف ذلك ونسكت عليه لأن حجتكم من جمع الذخائر هى محاربة الإنجليز فى القنال لطردهم. ولكن نعرف أيضًا أنكم تريدون قتل الملك وقتل كثير من الساسة. لقد ضبطنا من أسبوع عامل المصعد فى قصر القبة وهو يحمل مسدسًا. ولولا أن الملك بات ليله خارج القصر لقتله عامل المصعد. وهذا العامل عضو فى جماعة الإخوان. فماذا تقول يا أستاذ هضيبى. مع أن الملك استقبلك فى قصره على أثر تعيينك رئيسًا للجماعة ، وأفاضت الصحف فى وصف حرارة الاستقبال وثقة الملك بك ».
ولما لم يرد الأستاذ الهضيبى مضى المراغى قائلاً : « اسمع يا أستاذ لقد طلب منى صديقى عبد اللطيف أن أقابلك. وها أنا ذا أقابلك على أساس أن نتكلم على الحال الحاضرة. وأود أن أعرف منك وجهة نظركم ومآخذكم عليها. وأعدك بأن أتعاون معكم على القيام بإزالة كل ما نراه مخالفًا للمصلحة العامة ».
ولكن الأستاذ الهضيبى ظل ينظر إلى المراغى متشككًا كأنه يحاول جره إلى مصيدة دون أن يرد.
قال المراغى : يا استاذ هضيبى هل ترى كل شىء على ما يرام ؟
قال الهضيبى : إننى لا أجد شيئًا يدعو إلى الملاحظة.
قال المراغى : أرى أنك لا تثق بى. فهل تثقون بأمريكا أكثر منا ؟
قال عبد الحكيم عابدين : ما هذا يا أستاذ مرتضى.
قال المراغى : نعم ! إن الأمريكيين يرون فيكم حاجزًا قويًا ضد الشيوعية ، باعتبار أن دعوتكم إسلامية وأن الإسلام ضد الشيوعية. ويحاولون كثيرًا الاتصال بكم.
قال عبد الحكيم عابدين : قد يكونون متفقين معنا فى وجهة النظر.
كل ذلك والهضيبى لا يتكلم.
قال المراغى : يا أستاذ هضيبى ، أليس لديك شىء تقوله ؟
قال الهضيبى : وماذا تريد أن أقول ؟
قال المراغى : لقد جئت هذا الاجتماع بقلب مخلص لنتعاون معًا على إزالة أسباب تذمر الشعب ، لكنى أرى بوضوح أنك لا تريد ذلك. ولا أدرى لماذا طلب إلىَّ أن أجتمع بك.
ويضيف المراغى أنه وجد ألاَّ فائدة من الحوار ، فنهض وانصرف وقد رأى ـ فيما يقول ـ البون الشاسع بين الهضيبى وبين المرحوم الأستاذ حسن البنا.
ويضيف المراغى أنه لا مناص هنا من أن يبدى كلمة عن الإخوان ، فيبدى أنهم بدأوا دعوة أساسها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من الناحية الدينية ، ثم العمل على نشر العدالة الاجتماعية والمساواة بين الطبقات وإنهاء الاحتلال البريطانى. ولقيت دعوتهم صدى كبيرًا فى نفوس الشباب الذين لم تتدنس نفوسهم بعد بالفساد وهم يتطلعون إلى مستقبل أفضل لهم ولبلادهم ويريدون أن يمحوا عار الاحتلال البريطانى عن وطنهم. وأخذت الجماهير تتسابق إلى الالتحاق بالدعوة. ووجدت الحكومات فى هذه الدعوة خطرًا عليها فحاربها الوفد ثم حزب السعديين من بعدهم. وكان القصر يخشاها أكبر خشية. وساعد على محاربة الدعوة ، الاغتيالات السياسية وعمليات النسف التى قام بها التنظيم السرى للإخوان.
ويرى المراغى أن التنظيم السرى كان المارد الذى عجزت الهيئة العليا للإخوان عن السيطرة عليه ، وهو يعتقد أو يظن ـ أن الأستاذ حسن البنا روع بالاغتيالات ، فصرح بالصحف بأن القتلة ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين ، ورأى غير المراغى أنه تصريح دبلوماسى للتهدئة والتنصل ، بينما يرى المراغى أن الإخوان أصبحوا لا حول لهم ولا قوة إزاء التنظيم السرى ، ولم يستطع الأستاذان البنا والهضيبى الحد من قوة ذلك الجهاز أو السيطرة عليه.