من تراب الطريق (829)

من تراب الطريق (829)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:18 ص, الثلاثاء, 31 مارس 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (38)

يروى الدكتور عبد العزيز كامل فى الجزء الوحيد الذى صدر حتى الآن من مذكراته «فى نهر الحياة»، والتى قيل فى مقدمتها نقلاً عن زوجته إنه أتمها قبل وفاته من أربعة أجزاءٍ لم يُنْشر إلاَّ أولها فقط، يروى أنه تلقى فى ربيع عام 1948 وهو مدرس بمعهد المعلمين العالى بأسيوط، رسالة عن اجتماع عاجل مع المرشد العام حسن البنا بالقاهرة عقب مصرع المستشار/ أحمد بك الخازندار، فاستأذن من العميد وسافر إلى حيث يُعقدَ الاجتماع بالدور الثانى بحجرة المكتبة التى تبرع بجزء كبير منها الأمير مـحمد على توفيق ولى العهد (؟!)، حيث ضم الاجتماع المرشد العام حسن البنا بوجهٍ كظيم وتوتر بادٍ دلت عليه حركة عينيه، وما سمعه من أنه سها ليلة الحادث فى عدد ركعات صلاة العشاء، ثم أكمل ركعة السهو. وضم الاجتماع إلى جوار حسن البنا وعبد العزيز كامل: عبد الرحمن السندى رئيس النظام السرى والذى لم يقل توترًا عن «المرشد»، وأحمد حسنين ومحمود الصباغ، وسيد فايز (الذى اغتيل وصُفِّىَ لاحقًا بعد ترأسه للنظام السرى)، وأحمد زكى، وإبراهيم الطيب ويوسف طلعت (وقد حوكما فيما بعد مع هنداوى دوير وعبد القادر عودة)، وحلمى عبد الحميد، وحسنى عبد الباقى، وسيد سابق (الذى حوكم لاحقًا عن قتل النقراشى باشا)، وصالح عشماوى، وأحمد حجازى، ومصطفى مشهور (المرشد العام فيما بعد) ومحمود عساف.

وكان قتل المستشار أحمد الخازندار هو محور هذا الاجتماع.

وقال المرشد حسن البنا، أو أقر، بأنه صدر عنه بالفعل تعليقًا على أحكام المستشار الخازندار فى قضايا الإخوان: «لو ربنا يخلصنا منه»، أو«لو نخلص منه»، أو«لو واحد يخلصنا منه»، وأبدى أن ذلك ـ فى نظره ـ لا يخرج عن «الأمنية»، ولا يصل إلى «الأمر» المحدد بالقتل، ولكن عبد الرحمن السندى فهم الأمنية أمرًا، وقام بتنفيذ قتل المستشار !

ويروى الدكتور عبد العزيز كامل أنه وَجَّهَ أسئلةً مباشرة إلى الأستاذ حسن البنا، فتمسك فى إجابته بأن أمنيته ليست أمرًا، وأنه من ثم لا يحمل دم الخازندار على رأسه يوم القيامة، فاستأذنه الدكتور عبد العزيز كامل فى أن يتجه بأسئلته إلى عبد الرحمن السندى قائد النظام السرى، وسأله:

س ـ ممن تلقيت الأمر بهذا (بقتل المستشار) ؟

جـ ـ من الأستاذ ( حسن البنا ).

س ـ هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة ؟

جـ ـ لا.

فعلق الدكتور عبد العزيز كامل قائلاً: «وهذا الشباب الذى دفعتم به إلى قتل الخازندار من يحمل مسئوليته ؟! والأستاذ ينكر وأنت تنكر، والأستاذ يتبرأ وأنت تتبرأ !»

فقال عبد الرحمن السندى: «عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار، فرغبته فى الخلاص منه أمر منه».

ويقول حسن البنا: «أنا لم أقل لك، ولا أحمل المسئولية».

وعبد الرحمن السندى يرد: «لا.. أنت قلت لى وتحمل المسئولية» !

ودعنا مما قيل ليلتها من وعود من المرشد بتدارك الأمور فيما بعد، فإن الحقائق تشهد بأن «سيد فايز» الذى تبوأ فيما بعد قيادة النظام السرى الخاص، قد اغتيل لاحقًا من الجماعة وصُفِّىَ، وصرح ذات الدكتور عبد العزيز كامل بأنه كان فوزًا أن يظفر القاتلان المنفذان لقتل الخازندار ـ بالأشغال الشاقة بدلاً من الإعدام بعد الجهد الجهيد الذى بذله المحامى شقيق أحدهما مع الأستاذ «فتحى رضوان» الذى تولى الدفاع، ليثبت أن «حسن عبد الحافظ» أحد القاتلين مصاب بانفصام الشخصية «الشيزوفرانيا»، وأضاف الدكتور عبد العزيز كامل أن هذا المحامى صلاح عبد الحافظ كان ناقمًا أشد النقمة على الإخوان ومساس هذه القضية بشرف المهنة التى يعمل فيها والإطاحة بشقيقه الأثير لديه.

ودل على أن الوعود التى أطلقت فى تلك الليلة، كانت وعودًا فى الهواء ـ ما صرح به بمذكراته ذات الدكتور عبد العزيز كامل ـ برغم ميله إلى الاختصار والإجمال ـ بأن «آلة القتل» والتدمير لم تقف عند قتل المستشار أحمد بك الخازندار، فصارت الفترة التالية أعوامًا دموية، حفرت أخاديد، ومزقت أجسادًا على حد تعبيره، وأشار فى موضع لاحق بالمذكرات إلى قتل سليم زكى حكمدار العاصمة (فى 1/ 12/ 1948)، ثم اغتيال النقراشى باشا رئيس الحكومة (فى 28/ 12/ 1948)، وإلى الحرج الشديد الذى وجد المرشد نفسه فيه، فأصدر بعد قتل النقراشى وثيقته الخطيرة: «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»!

لا إلزام بالشورى بين الجماعة

يصرح الدكتور عبد العزيز كامل بمذكراته «فى نهر الحياة»، أنه كان من رأى الأستاذ المرشد حسن البنا ـ أن الشورى «غير ملزمة» للإمام، (بمعنى أنه قد يشاور ويسأل ولكنه يفعل ما يراه دون التزام بما أسفرت عنه الشورى ) ويضيف الدكتور عبد العزيز كامل أن حسن البنا كتب هذا الرأى صراحةً، ودافع عنه، ولم يتحول عن هذا الرأى، وسرى منه إلى من حوله، وأضاف: «وفى أواخر الثلاثينيات ـ وهى السنوات الأولى لحياتى فى الإخوان ـ كنت أسمع كثيرًا كلمة «بالأمر»، وهى كلمة «عسكرية»، تعنى أن نفعل هذا كما هو مأمورٌ به من مستوى أعلى، ولم أكن أستطيع إخفاء الضيق الذى كنت أحس به وقتئذ بذلك، وكنت ولا زلت أومن برأى الأغلبية إذا ما استنارت، وكانت لها حرية إبداء الرأى، ووضعت أمامها الحقائق التى تجعلها قادرة على الحكم، هذا حقها وصاحبتنى هذه الحرية حتى فى الرؤى المنامية».

طقوس البيعة بمراسم ماسونية على السمع والطاعة

وَصْفُ هذه الطقوس، بأنها «ماسونية» ـ ليس من عندياتى، وإنما ورد بنصه فى وصف وتعبير الدكتور عبد العزيز كامل وهو يروى بيعته الشخصية ويعلق عليها، مثلما ورد فى وصف وتعبير غيره من كبار الإخوان، الذين أُخْرِجوا أو خَرَجُوا، وتعدد ذكرهم للماسونية فيما صدر عنهم وغيرهم من كتابات.

يروى الدكتور عبد العزيز كامل ـ الهادئ المتزن الوقور ـ يروى بمذكراته «فى نهر الحياة»، أن البيعة فيما يسمى «كتائب أنصار الله»، كانت تجرى على ثلاثة أركان: «السمع، والطاعة، والكتمان».

وفحوى هذه الأركان، أن على المتلقى «للأوامر» من رئيسه المباشر، مهما كانت درجة رئيسه أو طبقته فى سلم التنظيم، عليه التسليم بها والانصياع لها ما دام قد أفصح له أنها جاءت من قيادة الإخوان !

وهنا نقطة الخطورة ـ فيما أبدى الدكتور عبد العزيز كامل ـ التى أصابت جسم الإخوان بأخطر الإصابات!

ويضيف أنه عندما كون الأستاذ حسن البنا «النظام» والذى عُرِف فيما بعد باسم «النظام السرى» ـ كان تكوينه أيضًا على أساس السمع والطاعة والكتمان.

ولا يمكن الانضمام إلاَّ وفقاً لطقوس، وبعد مرور المرشح للعضوية بسلسلة من الاختبارات، لا بد من اجتيازها لتأكيد قدرته على الأركان الثلاثة: على السمع، وعلى الطاعة، وعلى الكتمان، فضلاً عن اختبارات الكفاءة البدنية للأفراد، والتوازن النفسى والحماسى للدعوة، مع القدرة على ضبط النفس..

ومن هذه الاختبارات التى رواها الدكتور عبد العزيز كامل، أن تُسَلَّم للمرشح حقيبة لا يعرف محتواها، وقد تكون خفيفة أو ثقيلة، ولا يُسْمح له بفتحها، ويؤمر بحفظها أو نقلها، ويراقب من خلال وسائل قياسية ـ لمعرفة هل التزم بالأمر فلم يفتحها، أو حاد عنه وفتحها!

ولا يمكن أن يصل المرشح إلى البيعة، إلاَّ بعد أن يجتاز هذه الاختبارات.

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com