Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

من تراب الطريق (828)

من تراب الطريق (828)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:38 ص, الأثنين, 30 مارس 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (37)

تقرير عن محكمة الإخوان !!

أورد هذا التقرير، فيما ينقل إلينا مرتضى المراغى، «أنه كان للإخوان محكمة تنعقد لمحاكمة من تعتبرهم الجماعة خصومًا لها أو خونة فى حق الوطن والدين. وحين تصدر حكمها على أحد منهم بالقتل أو بنسف داره، فهى تختار بضعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والعشرين. وتلك هى السن التى تجرى فيها الدماء حامية فى عروق الشباب ورءوسه وتحوم فيها أطياف البطولة وخيالاتها على العقل، ويضطرب فيها الجسد والفكر فى فترة الانتقال الزمنى من مرحلة الطفولة المتأخرة الى مرحلة الصبا المتقدمة. ثم تعد حجرة تضاء بشموع قليلة ويطلق فيها البخور يعبق فى الحجرة وتنطلق فى أرجاءها سُحُبُه مضفية عليها رهبة المعبد وقداسته. ويؤمر الشباب بالدخول إلى الحجرة عند منتصف الليل بعد أن يخلعوا نعالهم خارجها ليجدوا منصة مرتفعة قليلاً عن الأرض مفروشة بالسجاد وعليها وسائد مغطاة بالسواد يتكىء عليها شيخ يرتدى قلنسوة سوداء عيناه نصف مغمضتين وبيده مسبحة طويلة. فيجلسون أمامه بعد أن يرشدهم من أدخلهم الى أماكن جلوسهم قبالة الشيخ. ويمضى الشيخ فى همهمته وتمتمته ويدير حبات المسبحة والبخور ينطلق، والشيخ لا يزال مطرقًا لا ينظر إليهم. وعيون الشباب تختلس النظر إليه. ويمضى فى صلاته الخافتة قرابة نصف ساعة. وتتعطل حواس الشباب فيها عن التفكير فى أى شىء حتى لينسون أنفسهم. ثم يفتح الشيخ عينيه ويحدق فيهم طويلاً. وتنحسر من الرهبة أبصارهم. كأن له عينًا يشع منها مغناطيس عجيب. إن تحديقه فيهم يخدرهم ويسلبهم القدرة على الحركة. والبخور يدغدغ إحساساهم وكأنه يدخل رءوسهم لتخيم سحبه على عقولهم ثم يقوم الشيخ متثاقلاً ويقول لهم : حان وقت صلاة الفجر. ويصلى معهم ذاكرًا فى صلاته آيات الذين يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون ولهم الجنة. وتنتهى الصلاة ويصمت برهة ثم تدوى منه صيحة عالية : هل أنت على استعداد للاستشهاد فى سبيل الله ؟ فيقولون نعم. وهل انتم مستعدون لقتل أعداد الله ؟ فيقولون نعم. هل تقسمون على الوفاء بالعهد ؟ فيقولون نقسم. فيقدم المصحف ليقسموا عليه ثم يقول : أستودعكم الله وموعدنا الجنة.

ويخرجون وفى عزمهم شىء واحد القتل والنسف.

ويضيف مرتضى المراغى:

«قد يكون التقرير الذى قدمه الضابط إلى وزارة الداخلية مبالغًا فيه، أو فيه شىء من الخيال. ولكن قد يكون متمشيًا مع الأسلوب الذى سار عليه قاتلاً المستشار الخازندار. أما أنا ــ مرتضى المراغى ــ فلا أريد أن أتهم زعامة الإخوان المسلمين التى يرأسها الشيخ حسن البنا بنية القتل ولكن الجهاز السرى الذى كان يرأسه السندى كان أقوى من أن يكبح جماحة أحد».

وصادفتنى شخصيًا فى خلفيات إغتيال المرحوم المستشار أحمد الخازندار، شهادة صدق من داخل الإخوان، من رجل صدق هو الأستاذ الدكتور عبد العزيز كامل الأستاذ الجامعى القدير، الذى لبث فى تنظيم جماعة الإخوان ردحًا وكان ذا كلمة مسموعه فيهم، ثم تركهم حين عرف عن التفاصيل ما لا يرضيه.

وقد عرف الدكتور عبدالعزيز كامل بالاعتدال والوقار والاتزان والروية، وكان نجمًا ساطعًا فى المجال الفكرى والوظيفى والدعوى، سواء وهو فى داخل الإخوان، وعضوٌ فى التنظيم الخاص، أو النظام السرى، وفى مكتب الإرشاد العام ـ أم بعد تركه للإخوان، وحمله محفظة وزارة الأوقاف وزيرًا لها مع الرئيس عبد الناصر، ثم تعيينه فى عهد الرئيس السادات نائبًا لرئيس مجلس الوزراء للشئون الدينية ووزيرًا للأوقاف، أم بمكانته العلمية والدينية، وما قدمه من كتابات فى الجغرافيا باعتبارها تخصصه الجامعى، أم فى الفكر الدينى الذى صنف فيه العديد من المؤلفات والمقالات والأحاديث الإذاعية والمرئية التى حظيت بالمتابعة والقراءة والاستماع والمشاهدة، أم فيما شغله من مواقع متعددة بعد أن تخرج فى كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1939، وعمل مدرسًا فى معهد المعلمين العالى فى أسيوط، ثم أستاذًا للجغرافيا البشرية بجامعة القاهرة، وعضوًا للجنة العالمية لتاريخ الإنسانية الثقافى والعلمى ـ اليونسكو. باريس، وعضوًا بالمجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية مؤسسة آل البيت فى عمان بالأردن، ومديرًا لجامعة الكويت (1972/ 1973)، ومستشارًا للديوان الأميرى بالكويت، فضلاً عما تبوأه من مناصب وزارية فى مصر.

ومن اعتداله ووقاره واتزانه، أنه لم يتاجر بخروجه من الإخوان كما نرى من سواه، وبعضهم أُخْرِجَ ولم يَخْرج أو ينشق كما يدعى، وظل لذلك يحظى بتقديره حيًّا وميتًا منذ فارق الحياة فى 2 أبريل 1991 الموافق 17 رمضان 1411 هـ.

أردت بهذه المقدمة الموجزة تعريف من لا يعرف عنه، وإنعاش ذاكرة من يعرفه، لأنتقل بعد ذلك إلى «شهادته» المهمة جدًا من قلب الإخوان، عن البيعة على السمع والطاعة والكتمان وكيف كانت، وعن العنف والاغتيال وكيف كانا يجريان، وعن الشورى التى بدأ رفضها برفض حسن البنا ذاته لها، رفضًا كرَّسَ السمع والطاعة، وما نجم وينجم عن ذلك من تداعيات لا تزال ناشبة وسط الإخوان.

rattia2@hotmail.com