مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (23)
تركت واقعة 4 فبراير فى قلب فاروق جرحًا عميقًا، وولّدت لديه كراهية مثلثة الأطراف.. نحو الإنجليز الذين أهانوه وجعلوه يتوسل إليهم لإبقائه على العرش، وكراهية ـ فيما يقول المراغى ـ نحو الشعب الذى لم يناصره وإنما هتف للسفير البريطانى الذى أهانه وحمله على الأكتاف، وكراهية لمصطفى النحاس لموقفه.
ويبدو أن فاروق قرر الانتقام على طريقة أسلافه من الأسرة العلوية، ووضع بنفسه قائمة التصفية بالدم، وعلى رأسها: مصطفى النحاس وأمين عثمان حبيب الإنجليز.
وكان أمين عثمان آنذاك موظفًا كبيرًا فى وزارة المالية، وعلى علاقة وثيقة بالسفارة الإنجليزية منذ كان طالبًا فى كلية فكتوريا بالإسكندرية.
وينقل مرتضى المراغى أن أمين عثمان ظل همزة وصل بين الوفد والسفارة البريطانية، وقام بدور كبير فى إقالة على ماهر وإعادة النحاس إلى الحكم.
وعن بداية علاقة الدكتور يوسف رشاد بالقصر، يروى مرتضى المراغى أنه إثر إصابة فاروق بإصابات خطيرة وكسر فى الضلوع فى حادث القصاصين فى 15 نوفمبر 1943، وإيداعه إحدى المستشفيات البريطانية بالقصاصين، وتمت الاستعانة بالدكتور يوسف رشاد الذى كان يعمل آنذاك بالبحرية، فأظهر كفاءة فى علاجه، وكان قويًّا مفتول العضلات مما ساعده على حمل وتحريك فاروق الذى كان وزنه قد ازداد بشدة، وعبر فاروق عن امتنانه له بنقله من سلاح البحرية إلى القصر الملكى حيث صار وزوجته ناهد رشاد ضمن الحاشية الملكية، وأصبحت ناهد رشاد صاحبة الجمال الأخاذ وصيفة للأميرة فايزة شقيقة الملك، وصارت من أكثر الشخصيات تأثيرًا عليه.
وتصادف أن أقام يوسف رشاد وليمة فى بيته على طيور البط التى عاد بها من رحلة الصيد مع الملك، ودعا إليها بعض الشخصيات منهم أربعة من صغار الضباط وغيرهم، ومنهم مصطفى كمال صدقى الذى سيبرز اسمه فيما بعد، وفوجئ يوسف رشاد بأن الملك يستدعيه ويسأله عن المأدبة وضيوفه، ثم يقول له: على فكرة، وطد علاقتك بهؤلاء الأصدقاء واعطنى بيانًا كاملاً بأسمائهم ورُتبهم فى الجيش والحكومة، ثم تمتم قائلاً: لعلى أكون بحاجةٍ إليهم يومًا ما.
وفى أعقاب وليمة أخرى، استدعى يوسف رشاد الذى صار يلازم بيته دائمًا، ويترك تليفونه إذا خرج ـ استدعى للقاء الملك، فذهب وبرفقته زوجته، وصارحهما فاروق بأنه طلبهما للتحدث عن أصدقائهما، وأضاف أنه طلب تحريات عنهم فأسفرت عن أنه لا غبار على خمسة منهم. أما مصطفى كمال صدقى، فقد تبين أنه يعتنق المذهب التروتسكى الذى يرى أن ستالين يخون المذهب الشيوعى، وأنه عضو بارز فى جماعة التروتسكيين ويشرب الخمر بشراهة ويدمن تعاطى الحشيش، وأنه يحلم بالشهرة وفى رأسه خيالات البطولة والزعامة.
وأضاف فاروق إنه لو توفر له المال لنسى تروتسكى. وفوق ذلك فهو ضابط فى أحد الألوية المرابطة فى الصحراء، ويطيب له الانتقال إلى القاهرة. أما الضباط الثلاثة الآخرون فواحد يريد أن يلتحق بالمخابرات العسكرية، وآخر بسلاح الفرسان والثالث يريد الالتحاق بالحرس الملكى. وضابط المطافئ يريد رتبة ملازم أول. والموظف يريد الترقية إلى الدرجة الخامسة. إنك ترى يا يوسف أن لهم أطماعًا. وسكت فاروق قليلاً ثم قال كأنه أستاذ خبير: وصاحب الأطماع تسهل مساومته.
ثم أفصح فاروق عن أنه يريد أن يكلفهم بعمل خطير إلى أبعد الحدود، إلى حد القتل. وأضاف أنه يريد قتل النحاس وأمين عثمان، وأنه كان يود قتل السفير البريطانى مايلز لامبسون، ولكن يخشى أن تشير أصابع الاتهام إليه. أما النحاس وأمين عثمان فلن يعدو رد الفعل رثائهما فى جريدة التايمز.
وقد كانت هذه مقدمة تشكيل الحرس الحديدى!
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com