مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (17)
كانت للملك فاروق ـ فيما يروى مرتضى المراغى ـ سادية مروعة مع الحيوانات. فكان يجلس فى حديقة القصر ويُجلب له عددٌ من الحمام فى قفص كبير يضعه فى جواره، تُخرج له حمامة فيتناولها من جناحيها بيده وفى يده الأخرى إبرة طويلة، ثم ينظر إلى آخر رجال الحاشية ويقول له: تراهن كم دقيقة ستعيش الحمامة ؟ فيجيبه دقيقتين. فيقول له الملك سأقتلها فى دقيقة واحدة، ويغرز الإبرة الطويلة فى رأس الحمامة ويلقى بها على الأرض لتموت، ثم يتناول غيرها ويراهن على مصيرها، وكان يلذ له أن يدوس القطط بسيارته حتى إنه كان يصعد رصيف الشارع إذا هربت معرضًا نفسه للاصطدام بحائط.
وهذه السادية مع الحيوانات انتقلت إلى الرجال، كما جرى مع الحرس الحديدى، وانتقلت السادية أيضًا إلى النساء. ففى أحد الأيام دعا إلى جناحه وصيفة فى القصر ولاطفها وأطرى جمالها وهى جالسة بجواره، ثم قال لها إنه يريد منها أن تغمض عينيها وتركز تفكيرها على شىء. وأصر عليها ألاَّ تفتح عينها لأنه سيضع شيئًا عليها لتظلتا مغمضتين. وأغمضت المسكينة عينيها وأحست بأن فاروق وضع شريطًا مصمغًا فوق الجفن. فقالت ما هذا يا مولاى ؟ نهرها وأمرها بالسكوت ووضع شريطًا مصمغًا على الجفن الآخر ؛ وأخذت الوصيفة ترتعد خوفًا والملك يهدئ من روعها. وبعد عشر دقائق أمرها الملك بفتح عينيها. وحاولت ولم تستطع وأخذت تتوسل إليه وهو يطمئنها ويقول لا تخافى. وفجأة نزع الملك الشريطين وصرخت الوصيفة من شدة الألم. ولما ذهبت إلى المرآة وجدت أن رموشها قد طارت.
ولكن فاروق على رغم عبثه هذا، كان فى كثير من الأحوال جم الأدب مع كبار رجال الدولة والدين، حتى إنه كان يستقبل بعضهم على باب المصعد ويفتح باب المصعد بنفسه ويأخذ بيد زائره إلى مكتبه.
وكان مع أمه يقبل يدها ولا يجلس إلاَّ إذا جلست، وكانت كثيرًا ما تؤنبه وتوبخه بعبارات شديدة يتقبلها بأدب جم.
فى 20 أكتوبر سنة 1937 عين على ماهر رئيسًا للديوان الملكى.
وقد كان على ماهر يشغل هذا المنصب سنة 1935 فى عهد الملك فؤاد وظل يشغله إلى أن تولى الوزارة سنة 1936، وبقى منصب رئيس الديوان شاغرًا طيلة هذه المدة إلى أن أعيد تعيين على ماهر فيه.
إلاَّ أن هذ التعيين جاء على غير رغبه وزارة مصطفى النحاس التى رأت فيه اعتداء عليها لأنه تم بغير استشارتها. وقد اعترضت عليه ثم أذعنت.
وفى خلال الفترة التى أعقبت ذلك تفاقمت الخلافات بين الوزارة والقصر إلى أن وجه الملك فاروق خطاب الإقالة الشهير إلى مصطفى النحاس والذى وصفه السفير البريطانى فى مصر فى ذلك الوقت بأنه لم يقرأ خطابًا أسوأ منه.
فى 30 ديسمبر 1937، أقال فاروق وزارة النحاس باشا بهذا الخطاب الذى وصفة السفير البريطانى فى مصر، وجاء فيه.
«عزيزى مصطفى النحاس باشا
نظرًا لما اجتمع لدينا من الأدلة على أن شعبنا لم يعد يؤيد طريقة الوزارة فى الحكم وأنه يأخذ عليها مجافاتها لروح الدستور، وبعدها عن احترام الحريات العامة وحمايتها، وتعذر إيجاد سبيل لإصلاح الأمور على يد الوزارة التى ترأسونها، لم يكن بد من إقالتها تمهيدًا لإقامة حكم صالح يقوم على تعرف رأى الأمة لتستقر به السكينة والصفاء فى البلاد ويوجه سياستها خير وجه فى الظروف الدقيقة التى تجتازها ويحقق آمالنا العظيمة فى رقيها وعزتها. وإنى أشكر لمقامكم الرفيع ولحضرات زملائكم ما تم على أيديكم من الخير للبلاد وأصدرنا أمرنا هذا لمقامكم الرفيع بذلك».
ولم يكن فاروق عندما وقع هذا الخطاب قد بلغ الثامنة عشرة من عمره..
وهكذا.. فى تلك السن، وبهذا الأسلوب الغريب تمت إقالة رئيس الوزارة التى جاءت بانتخاب الشعب. فى هذا السن الصغيرة أيضًا وقع الملك قرارًا آخر بحل مجلس النواب..
وجرت انتخابات حصل فيها حزب الوفد على 12 مقعدًا فقط من 264 مقعدًا !!
يستعرض المراغى هذه المشاهد، ليبين إلى أى حد جرت الاستهانة بكل القيم ومقدسات مصر من ملك صغير لم يكن قد بلغ الثامنة عشرة بعد.
وهكذا كانت البداية، فيما يقول ـ التى كان لا بد أن تنتهى إلى ما انتهت إليه.
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com