الفضاء وأسرار الكون (4)
كنا إلى عهد قريب نتمنى التوبة ويحاول أغلبنا خاصة كبار السن، تحقيقها بقدر ما يفهم كل منا ويستطيع.. وهى فيما نستطيع أن نتصوره باختصار واقتصار ـ هى الانتقال من الحيوانية إلى الإنسانية.. لأن الآدمى دائمًا حيوانى الداخل والخارج من جهة المحسوس الملموس.. وليس من جهة المعنى والروح.. وقد يعيش الآدمى إلى آخر عمره بحيوانيته وتوابعها إلى أن يموت لاختفاء المعنى والروح، وقد تتسع حياته فهمًا وعقلاً وانضباطًا ـ بحيث يرمى الحيوانية وتوابعها دائمًا خلـف ظهره.. لا يبالى بها كما لا يبالى خام الذهب بما حوله من تراب أو مثل اكتمال الورد بأشواكه وأصوله!
وعلى ما نعرفه الآن من أنبياء ورسل الله عز وجل، ومن الأولياء والصالحين، نرى بعضهم قد هجر ماضيًا غثًا كان عليه وهجره كلية.. هجر من حيوانية سطحية ظاهرًا وباطنًا، إلى إنسانية تامة حتى الموت.. حدث ذلك بشدة ما كان لكل منهم فى زمنه من الإمعان المتواصل فعرف به ومنه أمان المولى عز وجل وعطفه، والتصق به سبحانه وتعالى التصاق الوليد بوالدته ـ إلى آخر حياته على هذه الأرض.. وكان لكل منهم أتباع زاد عددهم بمرور الزمن ـ إلى غير حد، ولكن نقصت توبتهم فى زماننا هذا إلى غير حد، إلاّ أقوالاً وشعارات نقوم بها ونقعد ـ جوفاء تتكرر وتعاد ـ لا تعوق اطراد الحيوانية وانتشارها.. لم نعد نخاف الغيب ولا نفكر فى الآخرة ولا نبالى بالحساب والعقاب.. لا فى دنيانا ولا أخرانا !!.. لم يبق للآدمى إلا دنياه.. فلا غرابة فيما نراه لدى الغالبية من الجشع والطمع والنهم والحقد والغدر والحرب والتدمير !!.. وهى دنيا الأنانى التام يتقلب فيها بين الغنى المفرق والفقر المدقع وبين الانتهاز والافتراس، والضحايا والمشردين.. فى دنيا اليوم بلا غد ولا مستقبل لا هنا ولا هناك.. بما رحبت ضاقت دنيانا فى عيوننا ونفوسنا وعواطفنا وعقولنا !! فهل لم نعد نهتم بالمصير البشرى ؟!
وإهمال معظم الناس فى زماننا للتوبة الفعلية الجادة، هو الذى زاد فى ضعف دين اليوم وتواريه فى قلوب وعقول البشر، وأوجد ما يشاهد الآن هنا وهناك ـ من تظاهر البعض بالذقون والخطف والقتل وتكفير الخلق ابتغاء السيادة والحكم باسم الدين المسكين الذى لا صلة له على الإطلاق بهذه الألاعيب الملتوية على النفس والغير، وربما كان فى انتشار البطالة وضيق اليد واتساع رقعهما فى السنوات الأخيرة بمختلف البلدان.. ربما كان لهذا وغيره دخل فى انتشار هذا الهوس الذى يغذيه ثراء بعض الأثرياء، ومعونة بعض الحكومات المرتبكة المنعزلة لمقاومة اطراد ارتباكها وانعزالها الذى يودى بها !!.. إذ يعانى عالمنا من سنوات كسادًا غير مسبوق، وزيادة هائلة فى السكان، ونضوبًا فى الموارد، وهبوطًا فى الكفايات والقدرات، وتبديدًا مزعجًا للأوقات والأعمار فى المكيفات والسهرات والتنقلات والسياحات والملاهى والملاعب، مع سقوط الذمم وندرة الأمانة والاستقامة.. فنحن لأول مرة نعانى ضيقًا عالميًا يشمل الأرض كلها !.. لم يسبق له مثيل من قبل !.. يحتاج بغير تلكؤ إلى علاج عريض يستلزم تعاوناً وتكاتفًا من الدول اليقظة، وإلى قرع نواقيسها لمقاومة مشتركة وعامة، تتصدى لهذا الوباء الذى يزداد فتكًا يومًا بعد يوم !
ثم إننا فى حيرتنا الشديدة التى نشعر بها اليوم مضاعفة عدة مرات عما كانت لدى آبائنا وآباء آبائنا فى الماضى الطويل المتطاول الذى نعرف بعضه ونجهل معظمه لقلة الحيلة.. هذه الحيرة خلقية فيما نفهم ـ لأننا لم نعرف ولا نعرف حتى الآن وربما إلى مستقبل ـ لا نعرف حقائق أنفسنا إلا من خارجها وفى خارجها، ويستحيل علينا أن نعرف داخل كل منا معرفة تامة كما يعرفها صانعها عز وجل.. وإذا كان يمكننا اليوم أن نرى رأى العين ماديًا عن طريق الأجهزة مكونات داخلنا وعناصرها وتركيباتها الدقيقة، إلاّ أننا لا نعرف عمق هذه الدقة ولا أصلها وكيف كونت ومن أى ومن أين وممن ولماذا وإلى أين ؟!
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com