قبل مجىء البشر على الأرض لم تظهر عليها حضارة أو ابتعاد عن الحيوانية، إلاّ فى أعمال محصورة فى أغراض محدودة لنفع البشر أو لدفع الأذى عن الآدمى.. إذ وجوده تالٍ بزمن طويل على ظهور الحيوان والنبات فى سطح الأرض وأعماقها.. يابسها وماءها.
لم نتغير حتى الآن كثيرا فى العادات والعواطف والأفكار المألوفة، برغم تدفق المعارف والمعلومات والعلوم والفنون والآداب.. لأننا فى الجملة نجمع بين المألوف وبين المعتاد البطىء فى التغيير دون إحساسنا كأحياء بحدوثه، وبين حركة العلم السريعة التى تقفز كل يوم تقريبا دون أن يغير قفزها من إطراد ذلك المألوف المعتاد السائد فى الدار والشارع والانتقال والسفر والزواج والطلاق والتربية والطفولة والصغر والشباب والرجولة والكهولة والشيخوخة والرحيل الذى ليس منه مفر!
فثم مزج وخلط دائمان منذ أن خلق الآدمى حتى الآن، بين ذلك المألوف المعتاد الذى لا يحس الآدمى الـعادى بحركته، وبين حركة العلم والمعرفة والأدب والنقد التى لا ينقطع تحركها وتدفقها منذ أن فطن الآدمى الحى إلى وجود هذه الحركة لديه.. قليلة أو كثيرة.. ضعيفة أو شديدة.. تتطلع دائما إلى اليوم والغد، مع مألوفها ذلك المعتاد الذى لا يكاد يحس الإنسان بحركته!
والبشر حتى اليوم طوائف قابلون للتعارف والتفاهم والاعتياد على الأخذ والعطاء والتناسب والتعايش والتصاهر.. وهم إلى اليوم والغد طوائف آدمية عديدة منتشرة فى كل بقاع الأرض.. فيها أحيانا أفذاذ غير عادية لم يخل منها شعب تقريبا.. لا يحول دون ظهورها لا الأصل ولا اللون ولا التقاطيع والملامح ولا اللغة ولا الانتقال ولا الكبر ولا الصغر ولا الذكورة والأنوثة!
وأفذاذ البشر من قديم الزمن إلى الآن أحياء كبقية البشر.. يوجدون من العدم ثم يموتون بلا استثناء مثل كل آدمى.. يعيشون كما عاش ويعيش وسيعيش البشر فى نفس المكان والزمان أو مثله بنفس الطريقة أو ما يشبهها ونفس المأوى أو ما يحاكيه.. لا يتنقل إلا لعلة أو ميزة.. غنيا كان أو غير غنى.. لأنه دائما صاحب دار أجرها أو اشتراها، أو صاحب عائلة جمعها، أو صاحب منزل أو قصر هنا أو هناك.. اختياره له اعتياد وتماثل ومحاكاة وتقليد من نوعه وطرازه.. ليضمن بذلك بقاء الطراز المرجو المكرر برغم الزوال المطرد للآحاد التى لا تتطابق تماما قط.. إذ الفرد بعينه هو.. لا يعاد أو يتكرر.. ذاته باقية بعينها فى نظره تصاحبه من بدايته هو إلى نهايته المحتومة التى لا مفر منها للآدمى. الفرد فى أى زمان ومكان يغض نظره تماما عن نموه وتطوره غير المنقطع المستمر إلى آخرته المحتومة!
فثمة فارق واضح أكيد بين الآدمى الفذ معنويا، وبين الآدمى العادى.. لكنهما آدميان متماثلان فى معظم المآكل والمشارب والأماكن والأوقات والعادات والتقاليد والأجيال.. ولا يفترقان فى الأنا والذات وإن جاز أن يرفض الفذ أحيانا ذات وأنانية الآدمى العادى!
والآدمى فذا أو عاديا يعيش ما عاش قديما أو حديثا أزمنة ممتدة ولا يعيش أوقاتا مجردة منفصلة لا تصلح لمعاش الحى فى أزمنته المتعاقبة عليه إلى أن يفارق الحياة.. فالحياة للآدمى هى دائما امتداد.. قد يقصر أو يتوسط أو يطول.. ويستحيل أن تكون الحياة حدثا سريعا فقط يمر ثم يختفى بانتهائه وينسى أو يذكر فى الذاكرة ولا يعيش زمنا متصلا لحياة ما..
ونحن نتحرك باستمرار حتى فى النوم ما شاء الله، لكن نحيا حياة كل منا بتواصلها التى يواليها ويتتبعها الآدمى بمرور الأيام والسنين إلى نهاية العمر البشرى المكتوب المعين المحدد لصاحبه هو بالذات وحده أو مع البعض أو مع الكثرة أو مع الجنس الهالك دنيويا!
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com