هذا ويجب علينا جميعا أن نسلم بأن وجود الآدمى أى آدمى ـ ليس وجودا باطلا خاليا من المعنى والفائدة.. حتى إذا كان فى رأينا جاهلا أو غبيا أو شريرا !.. فهو أيا كان، له حتمًا معناه وموضعه عند خالقه عز وجل.. وليس لنا نحن المخلوقين يد حقيقية فى خلقه.. وإن كنا لا نخلو من أن يكون لنا نصيب بسلوكنا معه ومع غيره فيما صار إليه مما نحبه أو نكرهه فيه.. وهذا النصيب نفسه ملحوظ لدى خالقه سبحانه وتعالى.. سواء فيما نحن عليه، أو فيما صار أو انتهى إليه ذلك الآدمى أو ذاك.
ورأينا أيا كان هو دائما رأى آدمى فى آدمى مثله.. سلم هو بذلك أو لم يسلم.. وسلمنا نحن به أو لم نسلم.
فرأينا دائما فيه جانب من المغالاة والتجاوز كبيرا أو صغيرا.. متأثرا بقلة ما نعلم ومبلغ ما نحس به من الضيق وانحصار نظرتنا وتصوراتنا ونسبية ما نتبعه عادة من القيم والموازين وما نغار عليه من المبادئ والمصدقات، وما نطمع فيه من التجانس والمشابهة والتماثل فى المسالك والمشارب.. وذلك كله من شأنه أن يقودنا إلى إصدار الأحكام.. إلى أن يصدر بعضنا على بعض أحكاما أكثرها فيما بيننا وبيـن أنفسنا، وبعضها معلن بشكل أو بآخر.. وقد نحاول دعوة الغير لمشاركتنا فيه.. ولم يخل أى آدمى من تخطئة أو تصويب غيره ـ احتمالا أو تطرفا ـ ما دام حيا.. وهذا داخل فى أسس أحكامنا البشرية على الناس وعلى الأخلاق والأحداث وعلى العالم من حولنا !!
■ ■ ■
أحكامنا البشرية على الناس والأخلاق والأحداث داخلة حتما فى تكوين أفكارنا ومعتقداتنا، وداخلة أيضا فى تغيرها بتغير الأحوال والظروف والأزمنة والأمكنة.. وذلك التيار البشرى لا ينقطع قط فى محيط الآدميين الدائم التغلب والتغير والتموج والتقدم والتراجع والتأخر.. هذا التيار ليس له ولا يمكن أن يكون له نظير لدى الخالق جل شأنه.. سبحانه وتعالى القائل فى قرآنه المجيد « ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك »..
ولن تفطن كتلة البشر إلى ذلك إلا إذا زاد التفاتها إلى الفهم والعقل والاتزان، وأمكن بغير تكلف أو قهر أو ترويع أن يجذب هذا الفهم أى عاقل بعقله.. هذا العقل الذى يشهد به سلوكه وعمله لدى أى آدمى آخر محتاج إلى مزيد من الفهم والتعقل فيرفعه إلى مستواه.. بلا معاناة ولا تسلط يوحى بالسلطة أو يستوجب الإذعان والتبعية.. هذه التبعية التى تقف مانعا دون نمو العقل وتعقله.. ومانعا لاستقلاله وحريته ولزومها لفهم كل ما هو هام وحقيقى فى الكون العظيم.
وما لم يتم لكتلة الناس ذلك الفهم ويسر الوصول إليه مع انفساح وانفتاح عقولهم باستمرار بلا ضغوط خارجية أو داخلية، سوف يبقى البشر على حالهم فريسة يلعب بها ذلك التيار الذى وصفناه وقلنا إنه لا يهدأ.. وهو تيار ملىء بالخلافات والادعاءات والتصورات والمصدقات والاتهامات والخصومات والعداوات التى تجعل البشر معرضين دائما للفتن والردة إلى الماضى المظلم.. فضلا عن نيران الحروب التى لم يعد أحد يأمن اندلاعاتها، أو يثق أن تقف إذا بدأت عند حد معقول.. حد لا يستتبع دمارا شاملا يودى بالجنس البشرى أو يرده إلى بدائيته الأولى !
من المخيف المؤسف أن التقدم الباهر الذى نزهو به الآن حافل بتلك المخاطر الهائلة التى لا نلتفت إلى وجودها التفات المتزن المتبصر المتحسب لحسابها الفطن إلى أسبابها!
مشهد ما كابدته البشرية بالحربين العالميتين الماضيتين، وما انفجر هنا وهناك من غزوات وحروب بين الكوريتين وفيتنام والهند الصينية والحروب الهندية الباكستانية والبوسنة والهرسك والحرب الإيرانية العراقية والغزو الأمريكى لأفغانستان ثم للعراق وغزوات إسرائيل بلبنان.. مشهد هذه الحروب وغيرها يؤكد بفصوله ومآسيه المتلاحقة أن عقل الآدميين غائب، وأن الهلكة غلبت عليهم مع غياب البصيرة والفهم، وأن الهوة سحيقة بين مفرزات العلم وما أحدثته وتحدثه من حضارة، وبين قصور الفهم الإنسانى وما فجره عماه الضرير من حروب سالت فيها الدماء وأتت على الأخضر واليابس، وباتت بتواليها وغياب العقل عنها، خطرا منذرا بهلاك البشرية برمتها. فهل يعى الإنسان مخاطر ما هو فيه من جهالة وضلال ؟!
rattia2@hotmail.com
www. ragai2009.com